الأدب الموريتاني من الشعر إلى فن الرواية/ محم ولد الطيب | 28 نوفمبر

الأدب الموريتاني من الشعر إلى فن الرواية/ محم ولد الطيب

أحد, 06/05/2018 - 20:05

"موريتانيا أرض المليون شاعر"  تلك هي الفكرة التي انطبعت في أذهان الكثيرين عن موريتانيا بل ربما صارت حقيقة لا تقبل المجادلة والطعون لدى آخرين، وهي التي أعطتها الشهرة التي طارت بها في الآفاق،  فقد كان الموريتانيون متشبثين بالشعر أكثر من غيره حيث كان الفن الأول عندهم بحكم أن أغلب سكان البلاد من متذوقيه وكان فوق ذلك الوعاء السهل للموريتانيين الأوائل لحفظ العلوم الشرعية واللغوية، وليس اهتمام الموريتانيين بالشعر نابعا من فراغ بل فرضته ظروف  الشفاهية للمجتمع البدوي القديم الذي كان الشعر وسيلته المثلى لحفظ المتون والعلوم الشرعية و الفتوى نظرا لانعدام وسائل أخرى في ذلك الوقت.

ولم يكن الأدب الموريتاني أدبا متحجرا منغلقا ومنكفئا على ذاته بل كان منفعلا متأثرا بأمواج النهضة العربية التي دبت في العالم العربي وما أفرزته من تيارات  أدبية جديدة كان لها الفضل في إعادة صياغة الأدب العربي، وما انطوت عليه من فنون أدبية جديدة على الثقافة الأدبية العربية .

 غير أن الشباب الموريتاني بدأ بين الفينة والأخرى يضيق ذرعا بالشعر ويتطلع إلى الخروج من سيطرته و التحرر من قيود الوزن والقافية التي لم تعد وحدها حسب الشباب هي  التي تحرك الوجدان وتشحذ المشاعر، خروجا إلى فضاء السرد لكونه أكثر ملاءمة من الشعر ، وآية ذلك أن الكثير منهم بحكم اطلاعه على الثقافة الغربية والعربية الوافدة و التعرض لأمواجها من حين لآخر أصبح ينظر إلى الأدب الموريتاني على أساس أنه أدب ناقص التركيب مختل البينة ويعاني من فراغ أدبي كبير بفعل غياب الجانب النثري السردي فيه و بالتالي باتت ضرورة مراجعته ملحة، فكان الشاعر الكبير أحمد بن عبد القادر وحده القادر على أن يضطلع بهذه المهمة ويسد هذه الفجوة ويرأب الصدع الذي طالما نبه إليه بعض الشباب المتطلعين إلى الجديد، فكتب روايته الشهيرة الأسماء المتغيرة لتكون أول رواية عرفها الأدب الموريتاني منذ نشأته، وفاتحة لباب الرواية التي لا زالت تتنامى في بلادنا بفضل الله، فما هي  العوامل التي هيأت الظروف لنشأة فن الرواية؟

تضافرت عدة عوامل كان لها الدور الحاسم في ميلاد الرواية الموريتانية كان أبرزها :وجود الدولة الوطنية وما رافقها من استقلال الذات الموريتانية والخروج من عباءة التبعية الثقافية والخروج من الوصاية الفرنسية ، يضاف إلى ذلك الاحتكاك بالمشرق العربي عن طريق إرسال بعثات علمية من الشباب الموريتاني إلى مصر والسعودية والعراق  وسوريا الأمر الذي أحدث نقلة نوعية في مجال الوعي وخصوصا لدى تلك البعثات التي عادت محملة بأفكار ورؤى جديدة وحس أدب مرهف فانتشرت الوعي على خلفية ذلك الحدث  وشاعت فكرة المطالعة وتبلورت إمكانيات الكتابة لدى الشباب ،وقد عززت تلك الخطوة بفتح بعض المراكز الثقافية في نواكشوط  كالمركز الثقافي المصري والمركز الثقافي السوري يضاف إلى تلك العوامل سابقة الذكر موجات الجفاف التي ضربت البلاد في سبعينات القرن الماضي و التي أدت إلى هجرات من الأرياف إلى المدن .كل ذلك هيأ الظروف الملائمة  لتشكل وعي أدبي جديد تمخض عنه ميلاد فن الرواية ليدخل الأدب الموريتاني مرحلة جديدة أيدها معظم الأدباء وأشادوا بنتائجها .

بزغ نجم الرواية الموريتانية إذن في ثمانينيات القرن الماضي فكان ذلك إيذانا بحدوث انقلاب عظيم الأثر على الأدب الموريتاني شكل منعطفا هاما دخلت به موريتانيا معترك السرد الأدبي وخرجت من سيطرة الوزن والقافية.كان ذلك على يد ها الشاعر الكبير أحمد بن عبد القادر بروايته الأسماء المتغيرة التي شكل الشرارة الأولى لانطلاقة الرواية الموريتانية والتي لا تزال قافلتها تسير بخطى ثابتة بفضل خيال شبابنا الخصب التواق إلى التجديد والمسكون بمقت التقليد الأعمى والمداهنة الثقافية المكشوفة بكل أشكالها.

إن الرواية الموريتانية هي امتداد للرواية العربية بشكل عام في شكل البناء على الأقل، ولكن ما يميز الرواية الموريتانية أن لها لغتها الخاصة المبنية على أساس التأرجح بين تطويع اللهجة الحسانية من جهة، و الابتعاد عنها أحيانا أخرى إلى لغة أقرب إلى الشعر الذي استعبد الذوق الموريتاني على مر العصور، ولكن رغم ذلك تبقى الرواية الموريتانية جزء  لا يتجزأ من المنظومة السردية العربية غير أنها متميزة بمضامينها المستقاة من الواقع المحلي للمجتمع، فلأن كان الروائيون العرب  قد انفتحوا على العالم الغربي وحضارته واقتبسوا منها اقتباسا شكل لهم ثقافة مزدوجة تأثر بها كثير منهم في إنتاجه، فإن أغلب روائيي موريتانيا  قد استمدوا إلهامهم من عمق الصحراء الموريتانية وبساطتها والبداوة بشتى أنماطها إما تشخيصا أو نقدا  لها كما هو الحال في رواية القبر المجهول لأحمد بن عبد القادر التي تروي قصة الصراع التقليدية بين المكونات الاجتماعية   الثلاث للمجمع الموريتاني :العرب أرباب السيف والبندقية والزوايا سدنة الدين وحماته والطبقات الأخرى من فنانين وصناع تقليديين إلخ وما يقوم بينها من علاقات، ورواية دروب عبد البركة لمحمد بن محمد سالم ورواية أحمد الوادي التي تنطلق من فكرة خلدونية قوامها التقابل بين البدو والحضر  من خلال شخصية أحمد الوادي التي ترفض أن تغزو الحياة الحضرية حياة الريف في المجتمع الموريتاني.

ويعتبر الريف عنصرا أساسيا في الرواية الموريتانية ،حيث أن معظم الروايات تبدأ من البيئة الريفية للمجمع وتتحرك في تقاليده، وإن كانت هناك روايات امتدت  أحداثها وبيئتها إلى السنغال(دروب عبد البركة) وإلى علاقتنا مع أمركا(رواية دحان) فإن الرواية الموريتانية تبقى قصة تحكي عن مجتمع ألف الطبيعة الريفية وألفته، شعب متمسك بتقاليده وعاداته يأبى إلا أن تكون الحداثة نابعة من رحم الأصالة.