أعداء المجال العامّ | 28 نوفمبر

أعداء المجال العامّ

جمعة, 11/05/2018 - 10:01

بقدر ما هنالك نهضة للمجال العام فإنّ ثمّة انحطاطاً له. فكما أعطت الطفرة الجديدة في الإعلام الافتراضي فرصة للأفرد والوحدانيين في إيصال صوتِهم للمجموع، بدل أنْ تقمعهم كليّة الاحتكارات السلطوية (دولتية، جماعية، حزبيّة الخ) فإنّ مستوى النقاش العامّْ قد انهار بالدخول الدِّيماغوجي، الذي حوّل بقعة الضوء من الأفكار إلى التصارخ ومن المعلومة إلى الإشاعة ومن البحث إلى التعبئة. وفي بلدان معيّنة هشّة البنى العلمية والإعلامية استطاع الإعلام الافتراضي أنْ يستبدِل، بدل أن يتعايش مع الصّحافة والمكتبة، المفترض أنْ تكون تنوير المجتمع ونفاذه على المعلومة والحقيقة.

لقد أصبَح في إمكان كثير من الأشخاص، وإنْ ليس كلّهم، أن يمتلكوا بثهم المباشر و قنواتهم الشخصية ونوافِذهم التي يُخبِرون منها العالم (وما زال النضال الفنِّي لتحقّق هذا مستمِراً في أمكِنة أخرى). ولقد أصبح بإمكان كثير من الأفراد أن يكونوا أكثر تأثيراً من الجماعات ومن البرامج التلفزيونيّة. ولكنّ هذه الدمقرطة الراديكاليّة للرأي لم تنجم عن تجويد الرأي ولا المعرفة؛ ذلك أنّ المجال العام سبقى مُجرّداً بدون إصلاح فضائه العام. إنّ التداول العمومي للعقل ليس مسألة عقول مجرّدة أو آراء واصِلة، بل هو سياقٍ تثقيفي وتفاوضي لهذه العقول. وإنّ بنية المجال العام التحيتية هي فضاءه العام: المكتبات، القراءات، الصحافة، المؤتمرات والندوات والمناظرات، الاختلاف المجتمعي، التعدّد الثقافي. إنّ هذه الأشياء وغيرها هي التي تأتي بقانون المجال العام الأساس: النسبيّة والعقل والتباحث.

من ناحيّة أخرى فإنّ أعداء المجال العام القديمين لم ينهزِموا: الأبوية الفكرية ممثلّة في الديكتاتورية العتيقة: العسكر والملكيات الشموليّة والاستفراد السياسي؛ والحُرمة والقداسة العاميّة ممثّلة أيضاً في شكلِها القديم: الدهماوية والتكفيريّة، سواء بشكلها الغلماني أو العشائري.

ابقَ متيقِظاً.

-------------------

من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك