شقائق العرب | 28 نوفمبر

شقائق العرب

أربعاء, 27/06/2018 - 22:26

بمعنى ما من المعاني فإنّ الحداثة الموريتانيّة لم تكن شيئاً غير غنائيّة طويلة في العرب وحنيناً لهم وطلباً لنسبِهم. فقد بدأ هذا العصر الجديد من عودة هذه الصّحراء إلى الحضن العربي بكتاب "طهارة العرب" الذي كتَبه أحمد بن الأمين الشنقيطي بالقاهِرة 1908 وانتهى بالكِتاب ما بعد الحداثي "نجاة العرب"، الذي كتبَه الرئيس الأسبق معاوية ولد سيد أحمد الطايِع بالدّوحة في 2012. بعد هذه المئوية لم يعد العرب كياناً مجوهَراً؛ بل صاروا جملة من النقائض والتباغض والتحاسد.

وليس هذا خاصاً بموريتانيا؛ فالواقِع أنّ الوحدة الشعوريّة للعرب قد حُطِّمت، ما يسمحُ الآن للصهيونيّة وللنفعية المُجرّدة أن تتشرّع. أصله التدابر والتنابز. ففي كأس العالم 2018 شاهدنا المشجِّعين العرب أكثر نكاية في الفرق العربيّة من أعدى أعدائها. لقد تُرجِمت الخلافات السياسيّة والسلطانيّة إلى ثقافات في الكُره على الهويّة وعلى الجِنسيّة وعلى البلدية. وفيما كان الشكل الأذيع للتدابر الشعوري العربي هو التفاوت والمقاومة الثقافية، التي صفّت عرب الجمهوريات ضدّ عرب الملكيات، وبالأخصِّ في الحرب الباردة الناصرية على مشيخيات الخليج وفي حرب الخليج 1991، فإنّ التدابر العربي اليوم صار يتعدّى هذا إلى حروب نقائض سلطانيّة وُظِّفت فيها الأخبار والسياسة والمثقّفون، الذين حوِّلوا إلى هجّائين يوميين من النوع الركيك والمبتذل لسياسات السلاطين.

وليس الأمر مجرّد هزيمة للعرب؛ بل للقوميّة العربيّة إياها. والغريب أنّ نفس القوميين العرب الذين أطلقوا نسخة جديدة من القومية العربيّة بعد اندحار البعث وأطلقوا صرخة العودة إلى القومية الديمقراطيّة وإلى ساطع الحصري وزكي الأرسوزي هم الآن من يقود، من وراء الكواليس وبالتنظير الاستراتيجي، حملة التباغض العربي. إن هؤلاء القوميون يخفقون في كلِّ مرّة؛ فما ناضلوا من أجل الاتحاد إلاّ وحصدوا الشِّقاق. ثمّ إنّ جلد الذات الذي ميّز الخطاب العربي في سنوات الهزيمة وبلغ ذروته في قناة الجزيرة ومثقفيها الكَلبيين (cynical) لم يؤدِّ إلى إيقاظ الهِمم وإنّما أدّى إلى احتقار الذات، مطبِّعاً الخِسّة والدّناءة.

أقول: إن لتحول العرب من أشقاء إلى شقائق جذوراً تعودُ إلى تفاصيلهم الطبقيّة وعدم تجوهرهم وتعود إلى تعدّدهم واختلاف أجنداتِهم وطرائقهم. ولكنّها تتطبّع كذلك في أنماط الدسائس البلاطيّة والامبريالية وثقافات الخطابات التي تُعبِّيها هذه البلاطات في استجياشاتها ومعاركها اليوميّة. كان ريتشارد رورتي قد ساق حُجة شبيهة كهذه ضدّ اليسار العدمي، المؤثِّم للنظام السياسي في الغرب، مطالباً بيسار وطني اعتزازي. أنا لا أدافع عن الوطنيّة ولا عن الافتخار؛ ولكن هؤلاء البشر تعبوا من كره الذات. وجزء من ركاكتهم ناجِم من احتقارهم لذواتِهم وانهيار إيمانِهم في أنفسِهم. وإنّهم يحتاجون أحياناً خطابات اعتزازيّة تُعطيهم معنى ما. أنا نفسي لن أقوم بهذه الخطابات. ولكنّني واعٍ بنتائج غيابها. إنّها تُنتِج السفالة. فليست السفالة سوى غياب سردية عن الجدارة.

------------

من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك