العالم يتغير وأمريكا تتغير أما نحن “فالقديم يبقى على قدمه” | 28 نوفمبر

إعلان

العالم يتغير وأمريكا تتغير أما نحن “فالقديم يبقى على قدمه”

أحد, 03/20/2016 - 19:07

د. عبد الحي زلوم

يوجد في الولايات المتحدة مؤسستان للحكم : المؤسسة الدائمة التي تبقى قابضةً على مفاصل القوة في الدولة وتضع الاجندات ، والمؤسسة المؤقتة وهي تتكون من الادارات التي تهيئها المؤسسة الدائمة لدخول الانتخابات وتتبرع لتمويل حملاتهم الانتخابية وتضع لهم الخطوط العريضة لاجندات اداراتهم . وحسناً تمّ وصف الحكومات الامريكية بما فيها الرئيس بمصطلح ( الادارة الامريكية ) لان وظيفتها فقط هي أن تدير أجندة المؤسسة الدائمة التي يتربع على رأسها اصحاب الرأسمال والذي سُّمي النظام بالرأسمالي نسبة اليهم . فلذلك تتغير الادارات وتتغير الاجندات وليس لقدوم هذا الرئيس او ذلك تأثيرٌ كبير على صلب السياسات وإن كان هناك تأثير في الاسلوب وليس في المحتوى بين رئيس وآخر .

 هلل العرب حينما جاء رجلٌ من اصول افريقية ومن ابٍ مسلم لا يعرف عن الاسلام شيئاً فاستبشروا به . أليس اسم ابيه حسين وهل نريد أكثر من ذلك؟ كنت في مقال سابق بينت أن أول من اكتشف اوباما  كانت استاذة يهودية في كلية الحقوق بجامعة هارفارد حيث كان يدرس هناك فعرفته على والدها القيادي في الحزب الديمقراطي بيشكاغو وانطلق من هناك. كانت حملته الانتخابية الاعلى تمويلاً في تاريخ الولايات المتحدة وكانت غالبية تمويلها من اللوبي الصهيوني والجالية اليهودية وقد تمّ دعمه من تلك الجهات بكافة مواردها المالية والاعلامية . ومن المفيد أن نتذكر ان أول ( رئيس ديوان) البيت الابيض في عهده لم يكن يهودياً فقط بل كان يحمل الجنسية الاسرائيلية أيضاً كما كان رئيس حملته الانتخابية يهودياً كما أن كاتب مقال مجلة الاتلانتك جولد بيرغ هو أيضاً يهودي وصهيوني . إن اختلاف أوباما مع نتنياهو ما هو الا ميله الى الجناح الصهيوني الامريكي الذي يعتقد أن مصلحة اسرائيل في حلّ الدولتين لاسباب الديموغرافيا الفلسطينية والعربية .الا أن  ايباك( منظمة اللوبي الصهيوني ) تأتمر بأمر الحكومة الاسرائيلية بإعتبار أن ( أهل مكة أدرى بشعابها) . كما ان أوباما يعتقد أن نتنياهو قادرٌ على تمرير حلّ الدولتين الا أنه لاعتبارات حزبية ضيقة لا يفعل ذلك مفضلاً بقاءه في السلطة عن مصلحة الدولة اليهودية كما يراها اوباما والداعمين له من السلطة الدائمة في الولايات المتحدة . كل ذلك لا ينتقص من ذكاء وكفاءة اوباما. ولعل ما قاله اوباما لنتنياهو في احد اجتماعاته الذي حاول فيه نتنياهو أن يلف ويدور للابتعاد عن اجندة الاجتماع وهي مفاوضات السلام حيث بدأ يسهب بالحديث عن مشاكل دول الجوار . قاطعه اوباما قائلاً له : (اسمع يا بيبي ” نتنياهو” ، يجب عليك أن تفهم شيئاً . أنا امريكي من اصول افريقية “أسود” ، نشأت في بيت ترعاه امراة بدون زوج ، وأنا أعيش في هذا البيت ، البيت الابيض . ولقد أوصلت نفسي بالانتخابات الى أن اكون رئيس الولايات المتحدة.  هل تظن أني لا أعرف ما تتحدث عنه ؟ )

 المشكلة فيما أصبح يسمى بأنظمة دول الاعتدال أن تلك الانظمة قد بقيت على قاعدة ( القديم يبقى على قدمه ) لان نفس الاشخاص الذين يجلسون على كراسي الحكم ولو على كراسي طبية متحركة هم أنفسهم لا يتغيرون بما في ذلك الجمهوريات يتوارثها الابن عن ابيه وجميعهم يحيطون انفسم بنفس البطانة المنافقة والفاسدة. في عهد رئيس واحد كحسني مبارك جاء نيكسون وذهب نيكسون وجاء كارتر وذهب كارتر وجاء ريغن وذهب ريغن وجاء جورج بوش الاب وذهب وجاء كلينتون وذهب كلينتون وجاء جورج دبليو بوش وذهب جورج دبليو بوش وجاء اوباما وكاد أن يذهب اوباما وحسني مبارك عايشهم جميعهم وكأنه القضاء والقدر لحكم مصر . أصحاب أنظمة “القديم يبقى على قدمه” ارادوا من اوباما أن   يكون جورج و. بوش، مع انه لا يمكن لاوباما إلا أن يكون اوباما ، وارادوا لامريكا أن  تكون أمريكا الأمس ، إلا أن أمريكا اليوم لا يمكن أن تكون كأمريكا الأمس. ولبيان ذلك دعني أشير إلى مقالي برأي اليوم   بتاريخ 14/6/2015  الذي نشر قبل 8 شهور من مقال مجلة أتلانتك بَيّن أن أمريكا قيادة وشعباً قد تغيرت . وهذا إقتباس من مقالي ذلك وعنوانه: هل نحن في بدايات نهاية الامبراطورية العالمية الامريكية ومعها بدايات نهاية اسرائيل؟ والذي جاء فيه:

“المقال الرئيسي لعدد مجلة التايم الامريكية المؤرخ في 1/6/2015بقلم الكاتب الامريكي إيان بريمر IAN BREMMER” يُبين في مقاله بأن الهوّة بين الخطاب الرسمي الامريكي والافعال هذه الايام في عهد أوباما واسعة حقاً . فالخطاب الرسمي ما زال يتكلم عن عظمة امريكا وقيادتها للعالم كأكثر من اي وقت مضى . لكن الافعال تبين بوضوح أن الولايات المتحدة لا تقود العالم اليوم وإنما تقوم بردود أفعال للأحداث بعد وقوعها . فلقد فاجئها الربيع العربي وما نتج عنه من هوّة فُتحت بين الولايات المتحدة والسعودية لسماح الولايات المتحدة بسقوط مبارك ، وكذلك لعدم استعمال الولايات المتحدة القوة العسكرية ضد بشار الاسد عندما كان لها فرصة لاستعمالها بعد استعمال الغازات السامة.  كذلك فالازمة الاوكرانية سببت مشاكل اكبر من أي فوائد لها . لكن هذا ليس وليد ولاية الرئيس اوباما فقط فالهوة بين الاقوال والافعال بدأت حتى مع الرئيس بوش الاول وكلينتون في الصومال وحروب بوش الثاني البائسة في العراق وأفغانستان . وكذلك تصدع العلاقات مع روسيا والفشل في احتواء الصين الصاعدة . كل هذه الاحداث كلفت الولايات المتحدة كثيراً من مالها وسمعتها وثقتها بنفسها . وهذه الهوة بين الاقوال والواقع ستزيد اتساعاً مع الوقت … وحتى اقرب حلفاء الولايات المتحدة  وهي اسرائيل تقاوم سياسات الولايات المتحدة بشدة بخصوص ايران، والصين بدأت تتحدى التفوق البحري في بحر الصين الجنوبي ، وتتمدد اقتصادياً في كل مكان.  فالعالم يتغير ويعاد تشكيله ، وكذلك فإن الولايات المتحدة نفسها قد تغيرت .

بينّ الكاتب نتائج عدة استفتاءات لمعرفة رأي الامريكيين عن أي خيار يرغبون أن تكون به امريكا . هكذا كانت نتيجة الاستطلاعات:-

–         كانت الاجابة عن اي امريكا تريد (أ) امريكا المتميزة والاحادية القوة التي تقود عالم بحاجة الى قيادتها أو (ب) امريكا المحافظة على مصالحها الاقتصادية والسياسية حينما تتعرض الى خطر أم (ج) امريكا المهتمة بنفسها والمركزة على الاصلاح والتحسين داخل حدودها . كانت النتيجة تعادل الاصوات بين امريكا المهتمة بنفسها فقط ، وامريكا المحافظة على مصالحها الخارجية ، وكانت نسبة المصوتين لامريكا القائدة للعالم والاحادية القوة هي النسبة الاقل . وكانت الفئة العمرية بين 18-29سنة هي اكثر الفئات التي تفضل امريكا المهتمة بنفسها فقط في الداخل …يستعرض الكاتب الخيارات الثلاثة فيجد أن الخيار الاول  –  امريكا المتميزة والاحادية القوة هو خيار قد سقط لسقوط الاسس التي بني عليها فلقد ثبت فشله فشلاً ذريعاً في كل من العراق وأفغانستان .

يرى الكاتب في مقاله أن خيار امريكا المهتمة بنفسها والمركزة على الاصلاح والتحسين داخل حدودها هو الخيار الافضل للولايات المتحدة.  هذا الخيار يعني أن تتخلى الولايات المتحدة عن قيامها بإعادة تشكيل العالم كما تراه لما في هذا الخيار من تناقضات بدت واضحة خلال  ربع القرن الماضي . ويتسائل الكاتب : ما هو الدرس الذي يتعلمه المرء من حرب فيتنام  والعراق وافغانستان ؟ إنه مهما كانت قوتك ومهما عَظُمَتْ فمن غير الممكن الانتصار على خصم اكثر تصميماً على تحقيق اهدافه  .. ملخص الامر أنه علينا أن نتخلى عن اكراه من يخالفنا الرأي أن يرى الامور كما نرها والا!”

ما حاولت إثباته هنا أن مشكلات الأنظمة العربية هي ليست مع شخص اوباما وانما مع أمريكا المتغيرة . لن يفيدهم لو ذهب اوباما أم بقي اوباما فما هو سوى مدير يدير إدارته حسب أجندة توضع له  كما ستوضع لمن يأتي بعده. ونسي أصحاب أنظمتنا العربية أن لا صداقات ولا تحالفات دائمة في السياسة وأنما مصالح دائمة يحددها اصحاب المصالح قدر امكانياتهم المتغيرة دوماً مع الزمن.

ما جاء في مقالي أعلاه هو نفس ما اسمته مجلة  ذي اتلانتك  بمبدأ اوباما وملخصه:

إن منتقدي اوباما في الشرق الأوسط وغيره يسيرون عكس التاريخ الذي يميل نحو مبادئه  وبرامجه وما زالوا غارقين  في جاهلية القبلية  والطائفية والمذهبية والاقطاعية. كما يرى أن الشرق الأوسط  لم يعد بتلك الأهمية لمصالح الولايات المتحدة  وأن إصلاح الشرق الأوسط بالطرق التي تتوافق مع  المثل الأمريكية ستقود إلى الحروب  التي لن ينتج عنها سوى سفك الدماء  وخسارة النفوذ والمصداقية . كما أن  أكثر مراكز الدراسات في واشنطن مسيسة تدعو إلى مقاصد مموليها ولا تقل قولاً محايداً في أغلب الأوقات.

العالم يتغير وأمريكا تتغير وعلينا أن نتغير والا سنخرج من التاريخ.

  مستشار ومؤلف وباحث