منطقتنا والصراع على خارطة النفوذ | 28 نوفمبر

الفيس بوك

إعلان

منطقتنا والصراع على خارطة النفوذ

سبت, 07/30/2016 - 19:11

طارق عبد الله الأحمد

من لا يقرأ موقف كمال كليتشدار أوغلو بما يمثل و بمن يمثل, من الحدث الانقلابي في تركيا قبل انقضاء اليوم الأول ثم مواقفه الأخيرة الذي يقوم فيها من موقعه المعارض الشرس جدا و الذي لم يبق اتهاما لرئيس الوزراء ثم الجمهورية التركية أردوغان الا و ساقه خلال الأعوام المنصرمة, حيث يقوم منذ الساعات الأولى بتحديد شكل المواقف و ردات الفعل و الحدود فيرفض و يقبل و يرسم, – و هو في المعارضة –  السياسة الممكنة القبول و  التي على أردوغان أن يمارسها ثم يشق طريقه لحجز مكان قوي في الفراغ الذي أحدثه الزلزال الارتدادي لزلزال الانقلاب الفاشل و الذي تمثل باقتلاع جزء هائل من كعكة الدولة و النظام الحاكم و الذي ينتمي جله الى نفس النسيج الحاكم للعدالة و التنمية بالشراكة القديمة مع الصديق اللدود العدو المستجد فتح الله غولن, حيث يخط كليتشدار أوغلو العزم باتجاه الشراكة مع تحديد الممكن من محددات الدولة القويمة قبل الديمقراطية لأن مقومات الدولة القويمة هي الأساس و أما الديمقراطية ان وجدت فهي الأثاث في كل بيت… و هنا بالتحديد يعرف كليتشدار أوغلو بأن المقوم الرئيسي لعمله هو الوقوف في وجه الانقلاب العسكري على الدولة (و لست معنيا هنا أن أقوله بالتحليل خفايا من قد يكون خلف الانقلاب) لكن يكفي أن يتم اتخاذ الموقف المبدئي ثم يذهب الى انتقاد الاجراءات التعسفية في الطرد و الاعتقال و ان كان لا يبدل استراتيجية موقفه من أجلها و انما يحاول لجمها أو وضع موقف سياسي اتجاهها على الأقل باعتبارها تداعيات يسأل عنها أردوغان بسياساته السابقة و بالتالي تدخل في اطار تصفية الحسابات الداخلية…

هنا يدخل كليتشدار أوغلو بموقف يدعم فيها خصمه السياسي الأول و الأشرس حاجزا الحصة الوازنة في تركيبة الحكم و الخارطة السياسية حيث كان أردوغان ذاهب ليسيطر على كل مفاصل الدولة و مبينا في الوقت عينه و خاصة من خلال الانقلاب الفاشل بأن أردوغان كان نمرا من ورق في سيطرته على جماعته لأن جل من اعتقلهم من كبار الموظفين في الدولة هم من نفس البنية الاجتماعية الداعمة له و التي يشترك فيها مع فتح الله غولن, و بالتالي فان تلك الزعامة كانت تقوم على أحد الأعمدة الرئيسية المربوطة بسلسلة معدنية و تصل حتى بنسلفانيا..

لكن ألا يلفت هذا النوع من التعاطي السياسي الرفيع لزعيم المعارضة كليتشدار أوغلو و بأنه يشي بوجود فكر سياسي ينتمي الى عالم مصالح الدول و الأمم في ممارسة الصراع مع الخصوم و ليس الى صراع الديكة التي مارسها جل المعارضون السوريون و العراقيون و اللبنانيون و كل ما ينتمي الى الربيع العربي الهزيل و الذي دمر دولا بأكملها من أجل ترديد شعارات جوفاء و بلهاء مثل اسقاط النظام دون أي نوع من الحساب السياسي أو المتغير الجيواستراتيجي المحتمل للتغيير حتى تحول الى مردد بحت لسياسات الدول الأخرى, أوليس مثل هذا المشهد ما شاهدناه في ايران مع وجود المعارضة الاصلاحية في سدة الحكم مع الرئيس روحاني و ظريف , اذن فنحن هنا بالذات أمام المسطرة الحقيقية التي نقيس من خلالها الحكم على أي متغير يحصل أو قد يحصل, لا العواطف و لا النزعة الانتقامية بل المصالح الكبرى و ممكنات التغيير, فالمنطقة أمام تجاذب جيواستراتيجي كبير كما يبدو من خلال جملة التصريحات التي توالت عقب الحدث التركي الكبير من الشرق و الغرب فبينما ذهب الشرق الايراني ثم الروسي الى الوقوف بوضوح متبلور مع الحكومة التركية حتى قبل أن يظهر فشل الانقلاب فقد رأينا أن الغرب حاول أن يتصيد أنواع الوجع الذي يمكن أن يصيب أردوغان ليغمد خنجرا ما في خاصرته, و هذا ما يدفعنا للاستنتاج  دونا عن أي نوع آخر من التحليل بأن تنازعا هائلا لاحتواء الرجل الجريح (وليس الرجل المريض هذه المرة) تجري ما بين الشرق و الغرب لينضم ربما الى الفضاء الأوراسي بدلا عن الناتو المتوحش الذي نام على أبواب روسيا في وارسو مؤخرا مع العلم بأن حسم مثل هذا الصراع قد يحتاج زمنا طويلا قادما من التأرجح في المواقف و اللكمات المتبادلة و ليست الجبهة السورية المفتوحة سوى واحدة من أهم الجبهات لهذا الصراع و خاصة في شمالها و الذي سيشهد تزايدا في مستوى الكباش الدولي و الاقليمي الذي قد يتخذ أشكالا سياسية تتمثل في اجتماعات كيري لافروف و قد يتم محاولة ترجمة شيء ما ينتج عنها في جنيف للوفود السورية المعبرة عن هذا الكباش الكبير و الذي و ان درسنا الموقف الأمريكي على حقيقته فهو مهتم ببقاء الحال على ما هو عليه و عدم انتاج أي حل سياسي بل ايجاد حلقات في مسلسل توافقات سياسية مرحلية يحقق فيها نجاحات ولو شكلية يستخدمها الحزب الديمقراطي في حملة كلينتون الانتخابية أو غيرها و هو  ما قد يلحق من ادارة للصراع و ليس حله بالطبع, و هنا يأتي السؤال القديم المتجدد عن دور النخب السياسية الحاكمة و المتربصة بالحكم من جهة المعارضة و المراقبة في بلادنا  لتستطيع فهم المتغير السياسي الكبير كما هو و في اطار الثوابت و الركائز لسياسة كل دولة كبرى بحيث تستطيع فهم ما يجري دون الانجراف وراء أوهام أو حالات غرائزية أو عاطفية ما و لكي نوقف حالات الصراع التي تتحول في بلادنا الى نوع من التناتف  في عالم عربي يستعد للتضحية بتنمية جرت على مدى نصف قرن و أكثر لكي يتهرب من أن  يعترف سياسيوه بأنهم كانوا في موقف ما على خطأ….

عضو المكتب السياسي للحزب السوري القومي الاجتماعي