عن الوقت | 28 نوفمبر

الفيس بوك

إعلان

عن الوقت

اثنين, 08/15/2016 - 20:04

"لا وجود للزّمن إلاّ من خلال المحكي". وأنتِ لا تحتاجين لريكور في هذه. والحقّ أنكَ لو نظرتَ إلى سرديات ثقافتِكَ الأولى لما رأيتَ فيها أفقيّة العمر. ولو عدتُما إلى تراجم الأقدمين لوجدتما أن السابق فيها يرتطِم باللاحق. فالوقتانية الأقدمية هي نوادرية، لا سِيَرِّيّة. وفقط مع العصر الرأسمالي ستُفرَضُ أفقيّة وخطيّةً على الزمان. بل إن الرأسمالية هي علمنة الزمان، بل واستبدال الزمان والدّهر بالوقت.

ولطالما تمنّينا نزع السحر عن العالم ولكنّه جاء معه بنزع السحر عن الوقت. ولا يُمكِننا الآن إلاّ البكاء على هذا. وكان برغسون قد أعلن ثورة على إخضاع الوقت للمكان وقراءة الزمان أنّه مساحة. وهذه هيّ، كما يُبيِّنُ دولوز، إمكانية الرأسمالية في سلخ الزّمان من الحسّ. فلا بدّ لها من مَوْضَعَةِ الزّمان حتّى تُوحِّدَ السرديات والحدوس. لقد بدأ عصرنا بإلغاء امتداديات الزمان، ما سمّاه برغسون بـduration.

وقد كان كلّ دولوز محاولة عيش الدّهر من جديد من خلال التفعّمات (intensities). الماركسية كانت نظرية قياس الوقت الموضوعي، ذلك أنها فلسفة تاريخ. ولكنّها كانت فنّ تدميره بالتفعّمات الجمعوية واختبار فوضى الوقت ولا أُفقيّته. أما التصوّف فقد أعلن أن الله هو الدّهر، وبالتالي فلا معنى لإخضاعه للأفقانية، لأنها ستغدو تنبؤاً- عبثاً طبعاً- بأفعال الله. وقد زعم نيوتن أنّه، بقراءته كتاب الطّبيعة عِلمياً، قد دخلَ إلى عقل الله. الله الصوفى أمكر. وصحيح أن القطبانيات المشيخانية قد أخذت لاحقاً طابعاً تدرجيّاً، إلاّ أن ذلك كان تاّثُّراً بعقلية عسكرية وتراتبية أكثر مما كان تصوُّفاً.

لقد أرادت الظاهراتية عيش الوقت ليس باعتباره للذات وإنما باعتباره علاقة بين الوعي والوقت. ولا شكّ أن "المُعاش" الظاهراتي كان تحرُّراً من المرآة التي تُخبِرُ الوقت ما هو. مرآة ديكارت.

والواقع أن العُمر هو، كما يسخر جورج كارلين، وجهة نظر. وهكذا لن يكون خطياً بالمرّة.

-----------------

من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك