العرب وتجربة دول الطوائف الاندلسية | 28 نوفمبر

الفيس بوك

إعلان

العرب وتجربة دول الطوائف الاندلسية

أحد, 08/28/2016 - 20:22

ريم خليفة

[لست أول من يسأل عن ماذا كان سيكون حال اسبانيا لو انها لازالت بيد العرب والمسلمين الذين دخلوها وعمروها على مدى ثمانية قرون، قبل ان يخرجوا منها قبل خمسة قرون… فلعلها لن تكون بأفضل حال مما يحصل في ليبيا او بلد مماثل، حيث تهدر الخيرات والنعم ويتحول البلد الى البلاء في كل جانب.

الزائر الى اسبانيا سيعجب وهو يمشي  بين الآثار العربية بالمدن الاسبانية في اسلوب محافظة الاسبان (حكومة وشعباً) على تلك الآثار والاهتمام بها وصيانتها وترميمها وتجميلها، وتقارن بين ما يحدث عندهم وعندنا من اهمال وتدمير وتطميس لاثار بلداننا في العالم العربي.

وبحسب المصادر الاسبانية فان هناك ستة آلاف كلمة عربية ما تزال حاضرة في اللغة الاسبانية. فمثلا ان  أردت” سُكرا” ما عليك سوى ان تقول للنادل ” الثُكر” ولو أردت زيتونا على مائدتك فقل ” الثيتونة” او ليمونا فقل ” الليمون” او زعفرانا ” فقل “الثعفران” . كما لا غرابة ان تسمع حروفا أقرب للعربية مثل الثاء والخاء . اما مزاح الاسبان وضحكهم يشبه كثيرا كبعض العرب خلافا للكثير من الشعوب الاوروبية.

كل شيء تراه وتسمع وتقرا عنه في اسبانيا  يتكلم عن تاريخ بلد شيده في يوم ما المسلمون والعرب والامازيع وسكنوها ثمانية قرون، فكانوا سببا لنهضتها الفكرية والعمرانية والثقافية في فترة كانت اوروبا تكر بالقرون الوسطى. خسرها العرب بسبب تحولهم الى دول الطوائف، وكان عدد دول الطوائف الاندلسية يعادل عدد الدول العربية حاليا، وكانوا يتقاتلون فيما بينهم ويستعينون بملوك اوروبيين ضد بعضهم البعض، الى ان تقلصوا وانتهت ممالكهم الواحدة بعد الاخر.  وكانت اخر معاركهم في غرناطة، عندما تم اخراج ملكها ابوعبدالله الاحمر في ١٤٩١، وكان اخر مكان القى نظرته الاخيرة على قصره من شارع في غرناطة يحمل اسم “زفرة”، اذ بكى وهو يرمى ملكه ينتهي، فالتفتت اليه والدته، عائشة الحرة، وقالت له «ابكِ مثل النساء ملكاَ مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال».

مفردة “زفرة” ومفردة “طائفة” يستخدمها الاسبان اليوم في خطاباتهم السياسية بالاسبانية في  اشارة الى مكون الجماعة والفرقة على غرار ما حدث في حقبة ملوك الطوائف وما عقبها من فترات انتهت ب ” زفرة” اخر ملوكها.

وعندما تزور المدن والمناطق وتسير في ازقة الاحياء القديمة في كل مدينة وبلدة من اقاليم اسبانيا تلمس روحا مازالت عالقة بتاريخ طويل، هذا التاريخ الذي مازال المسلمون والعرب والامازيغ منذ القرن الرابع عشر يبكون على أطلاله ويندبون تاريخهم. لعلهم يجدون سببا لحاضرهم الغارق في حمامات دم وتناحرات مستمرة ونزاعات طويلة الامد.

ان ما خلفه المسلمون في توليدو الاسبانية او” طليطلة” بالعربية وصولا الى مسقط راس العالم عباس بن فرناس وصاحب مرثية الاندلس ابو البقاء الرندي في روندا بالاسبانية او رندة بالعربية هذه المدينة الجميلة العالقة على مرتفعات الجبال الشاهقة بالاندلس،  وقرطبة ابن حزم وغيرها، تجد فيها ما يذكرك بنهضة لا يمكن ان تشطب من التاريخ الذي يقول في النقش وفي الزخارف مغاربي وفي الفكر والعلم اندلسي.

ولو توقفنا عند قراءة تاريخ رندة وتحديدا بعد تفكك الدولة الاندلسية. فان هذا التاريخ الذي شيده المسلمين لم يكن بتلك الصورة الوردية التي نراها اليوم، اذ ان  هناك ارث طويل من الانتهاكات التي مورست بحق مسلمي الاندلس (الموريسكيون)، وهو تاريخ تم طرحه في البرلمان الاسباني وبدا المستشرقين الاسبان وغيرهم في طرح قضية تعويض واعتذار لما حل لابناء اجيال الموريسكيين.

رندة واحدة من هذه المدن التي كانت في يوم عاصمة لمملكة صغيرة من البربر يحكمها بنو يفرن . وفي العام 1065 غزاها ملوك طوائف أشبيليا بقيادة عباد المعتضد الثاني. وفي العام 1485 انتهى الحكم الإسلامي فيها  وذلك بعد حصار قصير من ملك قادس، تم طرد سكانها بينما تم تنسيق مبانيها لتناسب الطراز المسيحي.

ومن المعروف ان المسلمين في إسبانيا  عانوا من “محاكم التفتيش” الإسبانية، فبعد العام 1492 لم يبق للمسلمين وجود في  اسبانيا. حينها أصدر الإسبان مرسوماً يقضي بتنصير جميع المسلمين واليهود أو أن يغادروا الأراضي الإسبانية دون أخذ أملاكهم. مما أجبر الناس على اعتناق المسيحية في العلن، لكنهم مارسوا دينهم سراً حفاظاً على ممتلكاتهم. تم أطلاق اسم المورسكيون على المسلمين الذين اختاروا التحول للمسيحية، كما أُجبروا على وضع هلال أزرق فوق قبعاتهم وعمائمهم مما جلب لهم السخرية والأذى من السكان المتعصبين. اضافة الى حظر استخدام اللغة العربية تحدثاً أو كتابة، وأن تُبقى جميع أبواب المنازل مفتوحة يوم الجمعة حتى لا يؤدي المسلمون الصلاة ، وفرض ضرائب مرتفعة .هذه القوانين أدت إلى ثورات عديدة.

لقد ظل تاريخ جدران القصور والقلاع والمساجد والحمامات وحتى مفاتيح منازل من طرد، شاهدا على الدور الذي لعبه مسلمي الاندلس. بعد قرون على طردهم من الأندلس، تحرك البرلمان الإسباني مؤخرا لكي يعيد فتح أبرز صفحات تاريخ إسبانيا قتامة، ليخفف من وطأته التي تطارد الذاكرة الإسبانية إلى اليوم. رد الاعتبار لأحفاد الموريسكيين الذين طُردوا بشكل جماعي في أبشع المشاهد.

لقد كان طرح مثل هذه المشاريع بقوانين حتى وقت قريب أحد محظورات السياسة الإسبانية. لكن الآن  اصبح يعد تعبيرا عن قدرة الأسبان على فتح دهاليز ماضيهم المتنوع نحو الهنود الحمر في الأمريكيتين، ومسلمي الأندلس، والحرب الأهلية.

اسبانيا والاسبان انتقلوا الى العصر الحالي بروح جديدة، وينعمون بديمقراطية ربما لم يكونوا قد يحصلون عليها لو ان الاوضاع التي سادت في الماضي استمرت لحد الان. فحين نعود الى بلداننا العربية في شكلها الحالي فهي لم تختلف كثيرا في شكلها الحالي عن دول الطوائف الاندلسية التي نشرت  الفتن وانهكت نفسها وادت في نهاية الامر الى تفككها وانتهائها من سيادة تلك المنطقة. العرب ليسوا بحاجة لتكرار تجربة دول الطوائف التي قضت على الاندلس لامتهانها الفتن والقتل فيما بينها.

كاتبة وإعلامية بحرينية

[email protected]

نقلا عن صحيفة رأي اليوم