طبائِع التَّطْبيع ثُلاثِيّة الهَزيمَة والإِسْتِبداد والتَطبيع | 28 نوفمبر

الفيس بوك

إعلان

طبائِع التَّطْبيع ثُلاثِيّة الهَزيمَة والإِسْتِبداد والتَطبيع

سبت, 09/03/2016 - 19:23

خالد فارس

يَشْهَدْ تاريخ تأسيس دولة “إسرائيل” على عنف وإجرام مُتَواصِلْ, أصْبَحَتْ معه الدولة “الإسرائيلية” غير قابلة للتَّحَول الى نَقيضه, سَلامْ مع الآخر.منذ مَطْلع القرن العشرين, عندما إنْصَهَرَتْ أُسْطورة الشعب اليهودى فى منظومة أمنية عسكرية وتجارية إمبريالية, تبلورت الصهيوينة فى حالة عابرة للدولة أو تسبق الدولة. فرضت حتمية قيام  دولة “إسرائيلية”,شرطها التاريخى, غُلبة (بضم الغين) وهزيمة الآخر (العربى) عن طريق الحروب من أجل إدماج الأسطورة مع الإحتلال وإحلال اليهود الأبدى فى فلسطين.

على عَكْس الدولة التنافسية, فإن مَنْطِق دولة “إسرائيل” هو هزيمة العرب, وليس التفوق عليهم فقط.هناك فرق بين التفوق والهزيمة. فالهزيمة تعنى أن لايستطيع المَهْزوم المُطالبة بِحُقوقه, أما الذى لم يَتَفَوق على مُنافِسه, مازال أمامه فرصة للعمل الجاد من أجل تحقيق نتائج أفضل.

يؤمن رؤساء الدول العربية براهنية الهزيمة, بل منهم من يُرَوّج, والأدهى أن أغلبهم يسعى الى إثبات عدم قدرة العرب على هزيمة “إسرائيل”. أذكر أن أحد الرؤساء العرب فى أحد إجتماعات الجامعة العربية, كان قد حذر العرب من القدرات التِكنولوجية والترسانة النووية الإسرائيلية, مُحَذِّراًّ من التفكير بهزيمة “إسرائيل”. الحبيب بورقيبة وهو رجل الدولة المدنية العربية الحداثوية, ربط مشروع الحداثة العربى بضرورة الصلح وإقامة علاقة مع “إسرائيل”, أساسها عجز وتخلف العرب, وعدم قُدْرَتهم على الإنتصار على “إسرائيل”.

لاينتهى الأمر الى هنا, بل إن العلاقات الخليجية الإسرائيلية السرية والعلنية, الى جانب إتفاقيات كامب ديفيد, 17 أيار, وأوسلو,ووادى عربة, هى تجسيد مادى لراهنية الهزيمة كبديل عن راهنية المقاومة والتحرر الوطنى.

التطبيعممارسة إدماج الإقرار بالهزيمة (التنازل عن الحقوق) مع الإستبداد. لم يكن التطبيع يوماً, نابعًا من خيار الشعوب الحر الطوعى, فهو خَيارْ الحُكّام عندما تَسْتَبِدْ على شُعوبِها, هو حاضِنةْ الإستبداد.

فى مرحلة عدم وجود حروب تخوضها “إسرائيل”, يصبح التطبيع هو الحرب الحقيقية التى تبحث فيها عن إنتصار,حتى تُرْهِن المنطقة الى حتمية الهزائم. تُصْبِحْفيها الهزيمة مكون أساسى من مكونات التاريخ العربى المعاصر,إرث سياسى, أو أيقونة, أو موروث فى الممارسة السياسية العربية, تتَسَلّلْمنها الخرافة الصهيوينة وإختراع “إسرائيل” الى نسيج الهوية العربية. نقطة التحول تبدأ عندما تتحول العلاقة مع “إسرائيل” من المجال الرمزى الى المجال المادى, من علاقة إعتباطية الى علاقات الضرورة والحتمية.

ونقصد بعلاقات الضرورة, هى العلاقات المادية, والمقصود, أن تصبح “إسرائيل” جزءاً من العملية الإقتصادية فى الإنتاج والإستهلاك والتوزيع. عندها, يكون إنتصار “إسرائيل” حتمى.  ونجد فى العلاقات المالية الخليجية الإسرائيلية, وإتفاقية الغاز بين الأردن و”إسرائيل”, وغيرها الكثير, المجال المادى الذى يضع الأسطورة الصهيوينة وهزيمة العرب والإستبداد جزءاً أصيلاً فى الواقع المادى العربى.

دهاء الهزيمة أقوى من دهاء الذى لم ينتصر

عندما يلتقى محمود عباس “الإسرائيليين” تحت إطار أوسلو, ومعه حركة فتح وغيرهم, سيكون مَكْر الهزيمة أقوى من مَكْر الذى لم ينتصر. هذه العقول التى تريد أن تتفاهم مع الأسطورة الصهيوينة والعلاقات الأمنية والمالية, هى بلاشك أَخْرَجَت نَفْسَها من ساحات الإنتصار, أى أنها لاتريد الإنتصار, بل تريد أن تتفاهم على مجال الهزيمة, أن تضع لها حدوداً جيو-سياسية, فقط, ومعهم الأنظمة العربية, وكفى الله المهزومين شر الإنتصار, هكذا يرددون عندما تَمْكُر بهم الهزيمة.

فتصبح إدارة الهزيمة هى الأصل وليس الإنتصار.

ينتشر فى الوطن العربى مدراء هزيمة, الجميع يريد إدارة الهزيمة, ولاأحد يريد أن يهزم الهزيمة, ثم يصبح لدينا, تاجر هزيمة, ومدرس هزيمة, ولاعب رياضى أولمبى هزيمة, وبرلمانى هزيمة, وزواج هزيمة, وموسيقى هزيمة, ووطن هزيمة, ورجل دين هزيمة, ويسارى وعلمانى هزيمة. هى إيلاج الهزيمة فى التاريخ الحديث ليصبح اساس وقاعدة المستقبل. وتحويل الماضى الى مجرد أنثروبولجيا فى حياة البشر, على عكس أن يكون الماضى تاريخ, تتحدد به إنتهاء صلاحية وعدم راهنية الخرافات. أما فى حالة الأنثروبولوجيا, تصبح الأسطورة فاعلة فى الحاضر, أما فى التاريخ فالأسطورة تنتهى فى زمانها الماضى.

تشكل تيار فلسطينى وعربى من مجموعة مدراء الهزيمة, غير مقتنع بتغيير موازين القوى, يؤمن بمواجهة إدعاءات “إسرائيل”, وليس “إسرائيل” ذاتها, حيث تسعى الى إسقاط إدعاءات العدو تجاه الضحية. تقوم هذه المجموعة بتبرأة نفسها أمام الغرب من تهم الإرهاب التى فرضتها “إسرائيل”, وتعرية إدعاءات العدو كافةًّ. نحن أمام واقع يكرس ويقبل إستحقاقات قواعد اللعبة “الإسرائيلي”.

إختار البعض أن يكون التطبيع مشروعهم السياسى, أو مدخلاً لمشروعهم السياسى. يعنى ذلك أنهم قاموا بعملية تقييم للمشاريع الأفضل, وتم تفضيل هذا المشروع لأنه من المفترض أنه سيجلب إستقرار إستبدادهم على شعوبهم, مع الإدعاءات الكاذبة بالسلام والرخاء. لاحظو عندما تلجأ دولة الى مشروع التطبيع لتحقيق هذه الأهداف, يعنى أن تصبح مسألة الإنسان العربى, مرهونة بتبرأة “إسرائيل” وتقديمها على أنه الديمقراطية البريئة, وأن عُذْرِيّةْ “إسرائيل” الإحتلالية يمكن التعايش معها. ماهذه الأمة؟!!

ما يحدث اليوم هو بروز حالات تطبيعية جماعية, لأننا صمتنا على الحالات الفردية, ولأننا لم تقف بشجاعة وصلابة أمام ديماغوجيا الأديان التى أغرقتنا فى الحروب ضد الصليبيين والكفار وتناست تحرير فلسطين, ودفنوا عقولنا فى أنثروبولوجيا ماضٍ هم غير متفقين عليه, والإشتراكية التى خنقتنا فى الطوباويات التاريخية وفشلت فى فهم واقع مجتمعاتنا, والليبرالية التى خانت الإنسان العربى و فتحت الأبواب للصهيوينة والبنك الدولى والمؤسسات الإستعمارية, وهيمنت على المجتمع فى علاقة مع “إسرائيل”.

يبقى أن نتطرق الى مسألتين, الأولى حرف البوصلة, والثانى مثقف الهزيمة والتطبيع.

فمنطبائع التطبيعأيضاً, حرف بوصلة التناقض بين العروبة والصهيوينة, وهو الإستنزاف الذى يحدث فى الصراع السنى الشيعى, والحروب الأهلية فى سوريا واليمن وليبيا والعراق, التى تستخرج من العقول راهنية المواجهه مع “إسرائيل”, ويستبدلها براهنية غير حقيقية  مصطنعة. مفهوم الأعداء والأصدقاء يتبدل, وأوليات الصراع, بما يخلخل سياق تاريخ تحرر الشعوب. فيصبح مثلاً القضاء أو الإنتصار على الشيعة أو النصيرية, أو الإستبداد ذو البعد الواحد أو ذو بعد إنتقائى, مدخلاً لتبديل وإلغاء الصراع مع “إسرائيل”.

الذى قرر عدم العداء وعدم مواجهة “إسرائيل” طيلة 70 عاماً, صه, وهوفى مرحلة إنتقاله من التطبيع السرى الى التطبيع العلنى, يريد أن يستبدل عدو الأمة الأول “إسرائيل”, بغريمه السياسى.

أما مثقف الهزيمة,هو ذاته مثقف التطبيع والإستبداد, الذى لايتطرق الى الهزيمة التى حلت بالأمة, ويتجاهل أن هناك هزيمة, ويُحَوّل الموضوع الى خارج سياق الهزيمة والتناقض بين مشروعين. مثقف يضع مشروعه الفكرى والأدبى والثقافى فى سياق أنسنة مصطنعة, مجردة عن التاريخ السياسى. هؤلاء الذين يريدون إلغاء فكرة التناقض مع الصهيوينة, ولا يوجد داعى للصراع مع “إسرائيل”, ويلوم العرب على نظرتهم الغير حضارية تجاه “إسرائيل”, لانهم يسمونها عدو.

نحن بأمس الحاجة الى مقاومة وكسر العلاقة بين الهزيمة-الإستبداد-التطبيع, بما يستدعى ذلك من مسيرة تحررية. مقاومة الإستبداد الحقيقية, أى التى لاتجرد الواقع من حقائقه, تشترط فهم العلاقة ومضمون العلاقة الثلاثية بين: الهزيمة-الإستبداد-التطبيع. وأن مقاومة التطبيع هى ذاتها مقاومة الهزيمة والإستبداد, التى من المفترض أن تُجَسّدْ راهِنِيّة المُقاوَمَة والتَحّرُرْ الوطنى.

كاتب فلسطيني