الدكتور عبد الملك مرتاض لموقع الجزائر 24: العربيّة الإعلاميّة في الجزائر اليوم رديئة جدّاً | 28 نوفمبر

الدكتور عبد الملك مرتاض لموقع الجزائر 24: العربيّة الإعلاميّة في الجزائر اليوم رديئة جدّاً

اثنين, 05/09/2016 - 04:47
الدكتور عبد الملك مرتاض لموقع الجزائر 24: العربيّة الإعلاميّة في الجزائر اليوم رديئة جدّاً

هو الذي حجز لاسمه حروفا في موسوعة “لاروس” مصنفا ضمن النقاد، يعتبر ان سَجْنَ قلمِه في حقل ادبي واحد هو قتْلٌ له وتضييق عليه، ما جعله يكتب الرواية و القصيدة و يتمعن في البحث الاكاديمي و طبعا لم ينسى ان يغوص في التراث الشعبي، هو الذي لا تخلو رسائل الماجستير و الدكتوراه منه، فإما يتناول بالدراسة عبر كتاباته الابداعية او يكون مرجعا هاما لأصحابها لأنه عميد الادب و النقد.

قارئ نهم للتراث العربي و الادب الفرنسي ما جعل اسمه على قائمة موسوعات عربية و أجنبية، حام للحرف العربي في مجتمع تعاني فيه اللغة الويلات، سجل حضورا مميزا في اكبر مسابقة للشعراء في الوطن العربي ليقدم الصورة الحقيقية للمثقف الجزائري.

عبد الملك مرتاض بشهاداته الفخرية و التكريمية من اغلب دول العالم يتحدث لموقع الجزائر 24 عن تجربته في امير الشعراء و ما قدمه هذا البرنامج للمشهد الثقافي العربي و عن تاثير الصورة التي ادخلته  لحياة الخبازين و التجار، كما انه تأسف على حال اللغة العربية لدى الاعلاميين و الجامعيين.

 

 كنت ضمن لجنة التحكيم في برنامج أمير الشعراء منذ انطلاقه في ربيع سنة 2007 إلى اليوم، حدّثنا عن تجربتك.

الحقّ أنّ العمل التلفزيزنيّ يختلف كلّ الاختلاف عن الأنشطة الثقافيّة والأدبيّة الأخرى التي يواجه بها الأكاديميّ أو المثقف بعامّة، كإلقائه محاضرةً في قاعة أمام جمهور قليل أو غفير، وخصوصاً إذا كان العمل التلفزيونيّ مبثوثاً على الهواء، فإنّ الوضع يختلف اختلافاً بعيداً.

ولذلك، حين أرسلتْ إليّ الإعلاميّة المصريّة الشهيرة نشوى الروينيّ أنّه وقع اختياري لأكون عضواً في لجنة التحكيم في الإرسال التلفزيونيّ (وقد وقع اختيار خمسة أعضاء من عشرة، وأشرف على الاختيار مخرج بريطانيّ معروف): سُرِرت بالخبر، ولكنْ في الوقت نفسه أوجست في نفسي خِيفةً باقتحامي عالَماً إعلاميّاً شديدَ التعقيد.

غير أنّ المرحلة الأولى من اختيار الشعراء التي تتمّ قبل الانتقال إلى البثّ المباشر جعلتني أتعوّد على جوّ الصورة التي لم أكن، في الحقيقة، غريباً عنها، ولا هي غريبة عنّي قبل ذلك أيضاً، حيث كنت أسهمت في برامج تلفزيونيّة جزائريّة وعربيّة، ومنها بعض الإرسالات المباشرة، كما حدث لي يوماً بتلفزيون الرياض، فكان ذلك لي بمثابة التمرّن على جوّ الصورة وتعقيداتها.

وأريد أن أسجّل شيئاً ليس عاديّاً في الإرسال المباشر، فأن يتحدّث المرءُ في استوديو ضيّق مع المصوّرين والمخرج والمنشّط غيرَ حديثِه المبثوث على الهواء في مسرح شاطئ الراحة: بحضور جمهور غفير ونوعيّ، وبحضور رسميّين إماراتيّين، وسفراء وملحقين دبلوماسيّين عرب، وأحياناً أجانب.

ويضاف إلى ذلك ضِيق الوقت المحدّد لكلّ متدخّلٍ من أعضاء لجنة التحكيم حيث كنّا في بعض المواسم لا تزيد المدّة المخصصة للتدخّل عن أربعين ثانية، أو ستّين على أقصى تقدير، مع اتّصال الحَكم المباشر بالمخرج الذي يبدأ في «إزعاج» العضو المعلّق على قصيدة الشاعر المرشّحة انطلاقاً، أحياناً، من الثانية الخامسة والعشرين. وكلّ ذلك لتنقية التعاليق النقديّة من الشوائب والاستطراد، ثمّ لضبط الوقت المقدّر بالثواني للإرسال المباشر في الأقمار الصناعيّة.

تعوّدت التطويل، في الإجابة عن هذا السؤال، قليلاً، ليعرف القارئ الكريم ظروف مشاركتي في «مباشر» مسابقة «أمير الشعراء»، بأبو ظبي عاصمة الإمارات العربيّة المتحدة.

 ما ذا تضيف صناعة نجم في الشعر عبر البرامج التلفزيونيّة إلى المشهد الثقافي العربيّ؟

تضيف إليه كثيراً! فعلى المستوى الشخصيّ أصبح بعض الشعراء نجوماً بفضل مشاركتهم في مسابقة أمير الشعراء، من الجزائر (حنين عمر، رابح ظريف، خالدية جاب الله، الزبير دردوخ…)، ومن مصر (علاء جانب، أحمد بخيت، وهشام الجخ…)، ومن فلسطين (تميم البرغوثي)، ومن السودان (روضة الحاج)، ومن موريتانيا (محمد ولد طالب، الشيخ أبو شجّة) والقائمة طويلة، فعذراً للشعراء الأصدقاء، وهم كثير ممّن لم أذكرهم من هذه الأقطار، ومن غيرها من بقيّة الأقطار. وأمّا على المستوى الثقافيّ العامّ، فقد كان بعض الناس يرون أنّ الاهتمام بمشاهدة الشاشة لا يجاوز كرة القدم، وبعض «السكيتشات» الهزليّة الحفيفة، فتبيّن أنّ اهتمام الناس بمتابعة البرامج الثقافيّة الراقية لا يقلّ عن ذلك إلاّ قليلاً. فقد بلغ عدد المشاهدين لإحدى الحلقات الختاميّة لأمير الشعراء، كما أُخبرت بذلك، أكثر من سبعين مليوناً موزّعة على القارّات الخمس.

 بحكم تجربتك في أمير الشعراء واحتكاكِكَ بالنقاد مشرقاً ومغرباً… هل تستطيع إعطاءنا نظرة عن الشعر الجزائريّ وموقعه من الشعر العربيّ؟

لا أعتقد، بعد التجربة الشاملة والطويلة التي أتاحها لي المسؤولون عن مسابقة أمير الشعراء، وهم مشكورون: أنّ مستوى الشعريّة في الجزائر يقلّ عنه في العالم العربيّ. وكلّ ما في الأمر، أنّ الشعراء الجزائريّين لا يُصَوَّتُ لهم إلاّ قليلاً في هذه المسابقة، فقد سعيت جاهداً من أجل الاتّصال ببعض المسؤولين في دواليب الثقافة (أعتقد أنّ ذلك كان في الموسم الثاني لأمير الشعراء)، من أجل أن تتدخّل وزارة الثقافة، مثلاً، أو أحد رجال الأعمال، لوضْع مبلغ من المال يكون مخصَّصاً لإرسال الرسائل القصيرة المعزّزة للشاعر الجزائريّ الذي يبلغ نصف النهائي، حيث إنّ نظام المسابقة يقوم على شِقَّين اِثنين: على نُقَط أعضاء لجنة التحكيم، ثمّ على عدد الأصوات التي تشجّع الشاعر.

وأعتقد أنّ مثل هذا لن يحدث في الجزائر إلاّ بعد أن يجعل الله الأرض غيرَ الأرض، لأنّ عنايتنا بالثقافة هي في آخر الاعتبار.

ما رأيك في النسخة الجزائريّة من «أمير الشعراء»: «شاعر الجزائر»، التي بُثّت على قناة الشروق؟

على الرغم من أنّي لم أشارك إلاّ في حلقات التصفية الأخيرة، ولم أشارك في بدايات المسابقة، لأسباب لا مدعاة لذكْرها، وقد ذكرها لي الصديق الأديب سليمان بخليلي: فإنّه لأوّل مرّة تعرض قناة تلفزيونيّة وطنيّة برنامجاً أدبيّاً فنّيّاً ثقافيّاً بهذا المستوى من الرقيّ والأناقة والجمال. فهو تجربة أدبيّة وثقافيّة نوعيّة هي أهْلَةٌ لكلّ تشجيع وتقدير واستمرار.

وأنا شخصيّاً لم أكن أعرف أنّ في الجزائر شعراءَ شباباً بهذا السموّ من الشعريّة الطافحة التي تجعلهم في مستوى أيّ شعراءَ آخرين من العالم العربيّ، مع العلم أنّي اطلعت على قريبٍ من سبعة آلاف نصٍّ من النصوص الشعريّة لشعراء عربٍ تسابقوا بها في «أمير الشعراء» عبر المراحل المختلفة، وخِلال المواسم الستّة المتعاقبة التي كنت أثناءها حَكَماً.

كيف ترى حال اللغة العربيّة في المجتمع الجزائريّ وبين الجامعيّين ؟

ما أقول لك إلاّ ما قال متمّم بن نُوَيْرة:

لا تنكَئِي قَرْحَ الفؤادِ فَيِيجَعَا!

ذلك بأنّا بمقدر ما نتفاءل خيراً ممّا قطعته اللغة العربيّة من مسيرة موفّقة في الجزائر (ولينظر ذلك من أراد المقارنة بين حال العربيّة اليوم، وحالها سنة 1962: السنة التي استرجعتْ فيها الجزائر سيادتها الوطنيّة من المغتصب المستعبِد): نُصاب بالتشاؤم الناشئ عن العراقل التي يضعها المسؤولون، ربما من حيث لا يشعرون، في سبيل تطوّرها بوضْع المعلّم الأوّل في الجزائر: ليس فقط أنّه لايعرف العربيّة، ولكنه لا يُحبّها أيضاً. ومع أنّ مسألة الحب شأن جوّانيّ لا يطّلع على حقيقته إلاّ الله، إلاّ أنّ الظاهر تدلّ على الباطن، والكشف البادي يدلّ على النّوايا المتخفّيَة.

اللغة العربيّة لغة مدلَّلة شديدة العزّة في نفسها، ولذلك فهي لا تحبّ إلاّ مَن يحبّها ظاهراً وباطناً، لا ظاهراً فحسْبُ، فيهواها بشغف، ويدلّلها كالعشيقة الحسناء، ويلاطفها كما يلاطف النسيم الزهرة المتفتحة في صباح الربيع، ويناغيها فيما بينه وبينها، في يقظته ومنامه، حتّى تنقادَ له، وتُقبل عليه مجرجرة أذيالَها، مرسلة عليه ضفائرها، فهي لغة سماويّة كريمة عزيزة شريفة… فإن غاب شرطٌ ممّا ذكرْنا من حال المتعلّم في علاقته بالعربيّة فإنّها تظلّ عصيّة عليه، غير حفيّة به، فلا تنقاد له. وهذا ما لا يعرفه كثير من الزملاء الجامعيّين (أتحدّث عمّن يدرّسون العربيّة وآدابها في الجامعات الجزائريّة، وأمّا الزملاء الجامعيّون خارج هذا التخصّص فقد رُفِع بحمد الله، عن «عربيّتهم» القلم، فلا أحدَ يسألهم عمّا يعيثون من الفساد فيها!) الذين أرى أنّهم محتاجون إلى مزيد من العناية بلغتهم لتلطيفها وتدقيقها وتصحيحها وتنضيرها، حتّى يكون حديثهم داخل المدرّجات حجّةً للطلبة الذين يستمعون إليهم، ويأخذون عنهم، وأوّل ما أنصح به، إن كنت أهلاً حقّاً لأن أُسدي هذه النصيحة، أنّهم يتحسّسون التحسّس المطلوب في استعمال العربيّة والابتعاد عن اللغة الإعلاميّة الرّذْلة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.

وبالمناسبة فقد كانت لغة الإعلام في الجزائر، في الفترة الأخيرة من وجود الاستعباد الفرنسيّ المقيت، حجّةً في السلامة من الخطأ، والأناقة في الأسلوب، والنّضارة في النسْج، ولم يكن أحدٌ يميّز بين بعض هذه اللغة الإعلاميّة المكتوبة، وما كانت تؤلَّف به الكتب. وإنّي أعُدّ محمداً البشير الإبراهيميّ الإعلاميّ الأوّل في الجزائر، فقد استطاع أن يطوّع اللغة الحوشيّة فيجعلها لغةً أدبيّة إعلاميّة معاً: مستعملة مألوفة بين القراء الذين كانوا يعشقون لغته البصائريّة. وببعض ذلك استطاع أن يرقَى بالعربيّة الإعلاميّة التي كانت مستعملة في بعض الصحف الوطنيّة الحزبيّة والصوفيّة على حدّ سواء، فيجعل عامّة الناس يقرءون بها فيتذوّقونها. بل كان بعض المثقفين يحفظ مقالات الإعلاميّ الأوّل عن ظهر قلب، ليس في الجزائر فحسْبُ حيث كان يتنقّل بعض القراء على حميرهم عشرين كيلومتراً أو نحوها لكي يشتروا العدد الجديد من البصائر (وما بصائر اليوم ببصائر الأمس، فكلّ شيء يزداد اليوم رقيّاً عمّا كان عليه بالأمس إلاّ في وطننا العزيز، فإنّه يمضي على غير ذلك، والله فعّال لما يريد!)، ولكن بين أساتذة جامع القرويّين وطلاّبها بفاس… وقد سألني الأستاذ القباج الذي كان مديراً للخزانة العامّة بالرباط في شهر يوليوز من سنة 1973 عمّا صارت إليه جريدة البصائر فقلت له… تغيّر كلّ شيءٍ، وتوقّفت، فبدأ يستظهر لي مقالة للإعلاميّ الأوّل، كما يستظهر أحدنا سورة الفاتحة!…

و كيف تجدها عند الاعلاميين الجزائريين ؟

العربيّة الإعلاميّة في الجزائر اليوم رديئة جدّاً، إلى حدّ أنّ أحداً لم يعد يعرف المفعول من الفاعل، ولا كيف تكتب الهمزة، ولا كيف تركَّب الألفاظ، ولا كيف يصاغ الأسلوب؟ أقول ذلك وأنا أعرف متاعب الإعلاميّين، والسرعة المذهلة التي تُطلب منهم حين تحرير مقال ممّا يكتبون، ولكنّهم لو كانوا متضلّعين من العربيّة العالية، ومزوّدين بزاد صحيح من ألفاظها، لَما كان ذلك حال بينهم وبين أن يكتبوا مقالاتٍ إنْ لا تكُ جميلةً، فلا أقلَّ مِن أن تكون «نظيفة» من الأخطاء الفاحشة لقرائهم…

وإنّا لا ندري ما ذا يدرَّس في كلية الإعلام، ولكن إن لم يكن فيها موادّ للغة العربيّة، لترقيَة لغة الإعلاميّ الشابّ، فكلّ ما عدا ذلك مجرّد فُضولٍ! لأنّ الإعلاميَّ اللغةُ أداتُه الأولى، فلينظرِ القائمون على الإعلام في هذه المسألة وحتّى يكوّنوا جيلاً يكتب بعربيّة صحيحة، وإلاّ فإن استعمال العاميّة خيرٌ من استعمال لغة يُدَّعَى أنّها فصيحة، وهي ملوَّثةٌ بالأخطاء.

وكنت اقترحت في عدّة مناسبات اقتراحاً فلم أجد له آذاناً صاغية، وأكرّره اليوم، عسى أن يقابَل بشيء من القبول، وهو: لما ذا لا توظِّف المنابر الإعلاميّة المكتوبة والمسموعة والمرئيّة لَدُنَّا مدقّقين للغة، فهذا ليس عيباً ولا عاراً؛ فكما أنّ اللغويّ لا يحسن التدبير في مجال الإعلام شيئاً، فإنّ الإعلاميّ لا يسمح له وقتُه، هو أيضاً، بتعلّم دقائق العربيّة، وتحقيق ألفاظها لدى الاستعمال، فيقع التكامل بين الفريقين. ويكون القارئ، أو المشاهد، أو المستمع، أثناء ذلك، هو الغانم…

صدر لك أكثرُ من سبعين كتاباً، لكنّك اشتهرت في العالم العربيّ في برنامج «أمير الشعراء»…لكن  تأثير الصورة كان الاقوى

حقّاً إنّ تأثير الصورة أصبح قويّاً جدّاً في التأثير، وفرْض المصوَّر على المشاهد بشكل عجيب، غير أنّ الشهرة الأكاديميّة، كانت سبقت الشهرة الإعلاميّة، والحمد لله، فقد نفِدَ كتابي «نظريّة الرواية» المنشور في عالم المعرفة بالكويت في شهر واحدٍ، مع عدد النسخ المطبوعة منه بلغت أربعين ألفاً! وقد طالبت دورُ نشْر عربيّة مشرقيّة من دار البصائر أن يعيدوا نشر كتبي التأسيسيّة، بالإضافة إلى دأَبي على الكتابة، أعمدة أسبوعيّة، أو نصف شهريّة، في صحف مشرقيّة رصينة مثل الرياض (عشر سنوات)، وعكاظ (أربع سنوات)، والوطن، والراية، والخليج، والاتحاد، بِمُدَدٍ أقلّ… كلّ هذه عوامل إعلاميّة خدمت الشِّقَّ الأكاديميّ فِيَّ. لكنّا الآن نتحدّث عن جمهور يقدَّر بالآلاف، في حين أنّ جمهور الصورة يُعَدّ بمئات الآلاف على الأقلّ… فشتّان بين الجمهورين في كثْرة السَّواد! فالصورة، فعلاً، هي ذات تأثير جماهيريّ عجيب، ولا داعي للمكابرة فأتحدّث عن تفاصيل ما يحدث لي، ولغيري، في الأحوال المماثلة، أو المشابهة. وأعجب ما عجبت منه أنّ الخبازين وبائعي الخضر والمقاولين (ولا أتحدّث عن الطلاب الجامعيّين، فذاك شيء منتظَرٌ منهم) وغيرهم حين ألتقي بهم في الشوارع والأسواق يعلّقون لي على ما قلت، سواء في مسابقة «أمير الشعراء»، و«شاعر الجزائر»!

فالكتابة العلميّة والأدبيّة تؤثّر في الجمهور الأكاديميّ المحدودِ العَددِ، في حين أنّ تأثير الصورة مفتوح الآفاق، وليس له حدود.

.كتبت الرواية والقصّة والقصيدة وتمعّنت في البحث الأكاديميّ والنقد، كما أنك غصت في التراث الشعبيّ… أين يجد الدكتور عبد الملك مرتاض نفسَه أكثر؟

أتصدّقين أم لا تصدّقين؟ إنّي أجد نفسي في كلّ هذه الحقول المعرفيّة والأدبيّة. إنّ العلم والأدب يستهويانِني معاً، فما ذا أصنع؟ قد يكون ذلك عائداً، أقولها بتواضع وبغير تواضع كما يقول الصديق كمال أبو ديب، إلى كثرة قراءاتي وتنوّعها في التراث العربيّ، وفي الأدب الفرنسيّ أيضاً. وأتصوّر أنّ الحقول الأدبيّة والمعرفيّة لا تختلف كثيراً عن بعضِها بعضٍ، ولا تفصل بينها إلاّ حدود وهميّة، أو واهية، فقد أمست نظريّات النقد الجديد تجنح لإلغاء الحدود بين الأجناس الأدبيّة…  فأنا أستمتع حين أكتب بحثاً، كما أستمتع حين أكتب رواية، أو قصّة قصيرة. ومع أنّ الكتابة ألَمٌ شديد ومخاض عسيرٌ، إلاّ أنّ الاستمتاع بها يظلّ قائماً أثناء الإنجاز.

ولعلّ ذلك ما جعل بعض كبار المشاهير في العالم، وليس ضرورةً أريد مقارنتي بهم، ولا الاِدّعاء بأنّي منهم، يعمِدون إلى الكتابة في حقول معرفيّة وأدبيّة كثيرة، خذ لذلك مثلاً أبا عثمان الجاحظ، وأبا العلاء المعري، ومن المعاصرين طه حسين… وليس من الإنصاف، ونحن نتحدث عن هذه الفكرة، أن نغيِّبَ مفكّراً عالميّاً كبيراً هو جان ﭘـول سارتر الذي كتب في المسرحيّة، والسيرة الذاتيّة، والفلسفة، والنقد الأدبيّ، وربما في السياسة…

ولذلك أرى أنّ الأمر عاديٌّ إذاتناول الأكاديميّ طائفةً من الحقول الأدبيّة والمعرفيّة، لأنّ سَجْنَ قلمِه في أحدِها هو قتْلٌ له، وتضييق عليه.