الشاعر الموريتاني ولد آدب: المثقفون العرب أصبحوا تُبّعا لا قادة | 28 نوفمبر

الفيس بوك

إعلان

الشاعر الموريتاني ولد آدب: المثقفون العرب أصبحوا تُبّعا لا قادة

جمعة, 10/21/2016 - 19:50

رأى الشاعر الموريتاني “أدي ولد آدب”، أن المثقفين في الوطن العربي أصبحوا “تُبَّعًا لا قادة، خدما لا سادة، يهش عليهم الحكام بالعصا الغليظة”.

جاء ذلك في مقابلة أجرتها معه الأناضول، تطرق فيها إلى واقع الشعر والسياسة في الوطن العربي، وأسباب تراجع حضور القضية الفلسطينية في الإنتاج الشعري والأدبي.

الشاعر الموريتاني وصف الأوضاع العربية بأنها “معكوسة ومنكوسة، وفقد فيها رأس المال الرمزي قيمته”.

وإلى نص المقابلة:

الأناضول: قلت في مناسبات سابقة أنك شاعر لا تحب السياسية لماذا؟

ولد آدب: لا أحب السياسة حين تُختزل في النفاق والخداع والتلون الحربائي، ولعبة تناسخ الأقنعة والوجوه، ومقايضة المبادئ بالمواقع والمنافع، وتحويل المثقفين وأشباههم إلى أبواق جوفاء، وحناجر مؤجرة.هذا هو السائد الموجود.

لكنني مع السياسة حين تعمل على ترسيخ منظومة القيم الفاضلة وتحرسها، وتكون آلية عمران لا تخريب. وهذا هو المفقود المنشود، فأنا أتماهى مع المَعَرِّي، حين قال:

فأّفِّ من الحياةِ.. وأُفِّ منِّي ** ومن زمَنٍ سِياستُه الخَسَاسَهْ

وفي علاقة الشعر بالسياسة، سبق أنْ قلت إن شَرطي في ذلك، أن تتحول السياسة إلى شعر وليس العكس.

الأناضول: ماهي أبرز دوافعك للإقامة شبه الدائمة خارج موريتانيا؟

ولد آدب: أنا استثمرت في تكوين نفسي 50 سنة سلختها من عمري، كللت فيها مشواري الأكاديمي بأكبر الشهادات، في اختصاصي، وبعض المنجزات الأدبية، بحثاً وإبداعاً داخل بلدي وخارجه.

وعندما لم أجد في وطني ثمرة تناسب ما زرعت، رأيت أن من حقي أن أمشي في مناكب الأرض، بحثاً عن وضع أفضل، يكفل لي الحياة بشرف، بعيداً عن التموقعات المشروطة، بما لا ينسجم مع روحي، الرافضة للارتهان لإكراهات السُلط الفاسدة.

فأنا أُحِبُّ منَ الحَياةِ جمَالَهَا ** القبْحُ يُؤْلِمُ مُقْلَةِ الفَنَّان! وطَنِي المُرَجَّى جنَّة مَفْقُودَة ** للحبِّ.. للإبداعِ.. للإيمان!

ونتيجة لهذا الوضْع أستشعِرُ التمَزُّقَ، بين وطنٍ أسكنه ووطن يسكنني، وما أصعبَ العيْشَ مصلوبًا في برْزَخٍ بيْن الوطنِ المُرَجَّى والوطن المُسَجَّى، بين الوطن الموجود والمنشود! لقد أمعنت في هذه التجربة طويلا، ومازلت كما قلت ذات قصيدة:

وَطَـــنِي..عَلَى كَتِفِـي..حَمَلْتُكَ..مِنْ..إلَـــــــى.. إنِّــــي أُفَتِّشُ..عَنَكَ..فِـــــــيكَ..إلَـــــى مَ..لا..؟

الأناضول: في نظرك ما هي أسباب حالة الركود الثقافي في الوطن العربي؟ وكيف السبيل للخروج من ذلك؟ ولد آدب: الثقافة جزء من البناء الشامل للمجتمعات، وإذا كانت قد وُصفت قديما بـ”البنية الفوقية” مقابل “البنية التحتية” التي تعني ما هو مادي، فإني أرى أنَّ أوضاع الوطن العربي المريض، اليوم، أصبحت معكوسة ومنكوسة؛ حيث صارت الماديات هي “الفوقية” بالمعنى التصنيفي، والمعنويات هي ” التحتية”، لا بالمفهوم التأسيسي بل بالمفهوم التبخيسي.

إن رأس المال الرمزي فقَد قيمته، وأصبحت المادة هي “قيمة القيم”، لا يوجد في الوطن العربي حاكم مثقف، فماذا ننتظر.. غير الانحدار؟! من هنا ماعت “القوة الناعمة” للثقافة، وفقدت طاقتها التأثيرية، وأصبح المثقفون تبعا لا قادة، خدما لا سادة، يهش عليهم الحكام الجاهلون بالعصا الغليظة ويوَجِّهُونهم بالتحكُّم في أمعائهم.. ومع ذلك كله، سأظل أصرخ في وجه الرداءة:

ورغْمَ الذين يَمُوجُونَ حَوْلِي- لُهاثًا.. وَراءَ الفُـتاَتِ  فَلَسْتُ أَكادُ أحسُّ سِوايَا

الأناضول: باختصار ما أبرز ما ميز كتابكم الجديد “المفاضلات في الأدب الأندلس… الذهنية والأنساق”؟

ولد آدب: لقد تحكمت خطية وحدات العنوان وترتيبها المنطقي- من الأخص إلى الخاص إلى العام- في بناء أبواب البحث، حيث تمخض الباب الأول لشبكة مفهوم “المفاضلات” تأسيسا للأطروحة.

فيما انفرد الباب الثاني لــ “الأدب” مضمار العبقريات، أما الثالث لـ “الأندلس″ فضاء الهويات المتفاعلة، وكأن في ذلك إيحاء بأن المفاضلات ثمرة يانعة، والأدب غصنها النضير، والأندلس جذعها الراسخ الذي يمدها بالخصوبة والنماء، فرصدنا تغلغل المفاضلات في الذهنية والأنساق.

واندرج تحت الأبواب الثلاثة، 11 فصلاً، توزعت على 47 مبحثاً، كل عنوان منها يمثل أطروحة مستقلة، إلا أن شتات هذه الأطاريح الصغرى تناغم وتساوق في محيط أطروحة المفاضلات الأم، رغم صعوبة التحكم منهجيا في هذا الفضاء المترامي الأطراف، حسب ما يلاحظ من خطة البحث المركبة البناء.

الأناضول: هل في نظرك لا تزال موريتانيا تستحق لقب “بلد المليون شاعر”؟

ولد آدب: سبق أنْ كتبت مقالاً حول الموضوع بعنوان: بلاد المليون شاعر: أسطورة الواقع وواقع الأسطورة. فصِفَةُ الملْيُونِيةِ مُبَالَغَةٌ قديمةٌ مُتَجَدِّدَةٌ في الإعْلامِ العَرَبي الحَديثِ والأحْدَثِ، حيْثُ وُصِفَ العراقُ بأنَّه “بَلدُ المليونِ نَخْلةٍ”، والجَزائر”بلَدُ المليونِ (ونصف مليون) شَهيدٍ”، ثُمَّ وصفَت موريتانيا بأنَّها “بَلَدُ المليونِ شَاعِرٍ”، وهكذا تم وصف -مؤخراً- مُظاهَرَاتُ الثوراتِ العربيةِ بالمليونيات.

كلُّ هذه الإطْلاقاتِ الإعلاميةِ مُبالغاتٌ مَجَازيةٌ مُؤَسْطَرَةٌ بِدُونِ شَكِّ، إلاَّ أنَّ الأسْطورَةَ لاَ تَنْبَتُ مِنْ فَرَاغٍ، فلاَبُدَّ لَها منْ وَاقِعٍ قابِلٍ لِلْأَسْطَرَة، وهذا مَا تُمَثِّلُه العَلاقَةُ الحَمِيمَةُ بيْنَ المُوريتانِي والشِّعْر.

والحَقِيقةُ أنَّ مُبَرِّراتِ أسْطَرَةِ هذه العَلاقة بيْنَ الموريتانيين والشِّعْر ما تزال ساريةَ المَفْعُول، حيثُ يُزَكِّيها تفَاعُلُهمْ الخَلاَّقُ، والمُنْقَطِعُ النَّظِيرْ، مَعَ شُعَرائِهمْ، حتَّى فِي بَرامِجِ المُسابَقاتِ الشِّعْريةِ الدوْليةِ والمَحَلِّيةِ.

الأناضول: هل ترى أن القصيدة التقليدية قادرة على الصمود في وجه موجة الحداثة الشعرية الحاصلة؟

ولد آدب: الصراع بين الاتجاهين، صراع بقاء يتسم بطابع الإقصائية “إمَّا أنْ نكون أوْ لا نكون”، أكثر منه صراع تعايش، بين نمطيْن إبداعييْن. وذلك نظراً لحضور الإيديولوجيا فيه. وأنا أرى أن صفتيْ ” التقليدية” و”الحداثة”، قابلتان للحمولة المَدْحِية والقدْحية معا، حسب منطلق الولاء لهذه أو تلك.

ومن هنا ستكون قدرة القصيدة “التقليدية” على الصمود، رهينة بالانفتاح على روافد الحداثة الجوهرية الجميلة، وامتصاص تقنياتها القابلة للامتزاج بموادها العضوية، لضخ دماء جديدة في جسمها، وربطها بنبض العصر، حتى لا تتحجر في كهف عتيق مغلق، تنشلُّ خطواتُ سيْرورة الزمَن عنْد عتَبَته، كما أن موجة الحداثة العاتية لن يكتب لها البقاء والتأثير الفعَّال، إلا إذا كفْكَفَتْ من جُموح شطَطِها.

الأناضول: هل القصيدة لا تزال قادرة على التأثر في المجتمعات والأنظمة؟

ولد آدب: هناك مفارقة عجيبة، هي أنَّ القصيدة اليوم، رغم ما يتوفر لها من قنوات انتشار ومؤثرات تقنية إعلامية خارقة، لم تعد سلطتها التأثيرية تقاس بمدى تأثيرها القديم، مما يجعلنا لا ندري: هل ذلك راجع إلى طبيعة القصيدة ذاتها، أم إلى المتلقي؟ أم إليهما معا؟

الأناضول: كيف تعلق على تراجع حضور القضية الفلسطينية في الإنتاج الأدبي والشعري العربي؟

ولد آدب: كانت فلسطينُ قضية محْوَرِية في الوجْدان العرَبي والإسلامي وحتى الوجْدَان الحُر العالمي، لكنَّها اليوْمَ فقدَتْ وهْجَها، لأنَّ “خريطة الوجع العربي”- كما أسَمِّيها- أصبحت كلها فلسطينات تتعدد وتتكاثر باستمرار، حسب تفاقم المآسي، “فتفرَّقَ دمُها بيْن القبائل”، فلم يعد الإنتاج الأدبي يعرف أي فلسطيناته يبكي، علما بأنَّ دوْرَه لم يتجاوز-كثيراً- في قديمه ولا حديثه دور” النادبة”، للأسف الشديد، فكأن كل شاعر عربي يقول معي اليوم:

وَجَعِي.. بِوُسْعِ خَــــــرَائِـطِـــي.. يَمْـتَــدُّ   َطَنـي.. هُــنَا.. وَطَـنِي.. هُـنَا.. مَا الْعَــدُّ؟!   كُـلُّ النّـقَــاطِ.. الحُـمْـــرِ.. إنْ تَرَ أطْـلَسًا  فَهُـنَا.. دِمَـــا.. وَطَـنِي.. الــــــذي يَـنْـهَـدُّ!

الأناضول