معركة “تعطيش” دمشق هل تنسف اتفاق وقف اطلاق النار؟ | 28 نوفمبر

معركة “تعطيش” دمشق هل تنسف اتفاق وقف اطلاق النار؟

ثلاثاء, 01/03/2017 - 19:23

عبد الباري عطوان

من الصعب على أي مراقب، يتابع الشأن السوري منذ بداية الازمة قبل ست سنوات، ان يتوقع صمود أي اتفاق لوقف النار يتم التوصل اليه، دون حدوث خروقات، طفيفة كانت او جوهرية، ومن الطبيعي ان يكون الاتفاق الروسي التركي الأخير الذي بدأ تطبيقه عمليا يوم الجمعة الماضي استثناء.

اليوم الثلاثاء أعلنت اكثر من عشرة فصائل سورية معارضة أيدت الاتفاق “تجميد” مشاركتها في مفاوضات السلام المرتقبة أواخر الشهر الحالي في الاستانة عاصمة كازاخستان المقرر نهاية الشهر الماضي، واتهمت قوات النظام بخرق الاتفاق في منطقة وادي بردى خزان المياه الرئيسي الذي يغذي العاصمة دمشق، بينما اعلن تنظيمان لهما وجود قوي في ريف دمشق وهما “جيش الإسلام”، و”فيلق الشام” ان “الاتفاق في حكم المنتهي”.

الحكومة السورية اتهمت قوات المعارضة المسلحة بتلويث مياه النهر بالمازوت، ثم قطع مياهه كليا مما يعني “تعطيش” كل سكان العاصمة، الامر الذي لا يمكن لاي سلطة السكوت عنه، حسب البيانات الرسمية، وما يضفي المصداقية على هذه الاتهامات اعتراف المرصد السوري لحقوق الانسان الموالي للمعارضة بإنقطاع المياه، وقال ان ذلك جاء نتيجة تعرض احدث المضخات في عين الفيحة لانفجار بفعل المعارك بين الطرفين، دون أن يشير بأصبح الاتهام الى أي طرف، بالوقوف خلف هذا الانفجار، مما يوحي بأن المعارضة الأكثر ترجيحا.

***

المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة حذر بدوره بأن هناك أربعة ملايين شخص في العاصمة ما زالوا محرومين من المياه، الامر الذي سيؤدي الى امراض، وربما وفيات في صفوف الأطفال.

في الحروب هناك قيم واخلاقيات يتم الالتزام بها من الأطراف المتحاربة كافة، وابرزها احترام الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للمدنيين، ولا نعرف لماذا جرى انتهاك هذه القاعدة في ريف دمشق، وقطع شريان المياه الابرز الذي يغذي العاصمة السورية، أيا كانت الجهة المسؤولة.

الهدنة تمر بمرحلة حرجة للغاية، ولكن ما يجعلنا اكثر تفاؤلا هذه المرة بأمكانية صمودها بالمقارنة بالاتفاقين السابقين المماثلين، انه لا يوجد أي بديل لفصائل المعارضة غير الالتزام بها، وعدم الدخول في أي صدامات مع الضامن التركي، لانه بدون دعم تركيا اللوجستي ربما سيكون من الصعب على هذه الفصائل البقاء.

هناك جهات عديدة جرى استثناؤها من المشاورات التي أدت الى اتفاق وقف اطلاق النار، وتملك نفوذا على فصائل في المعارضة السورية، ليس لها مصلحة في نجاحه، وربما تعمل على تخريبه، او حتى انهياره بالكامل، ونحن نتحدث هنا عن الولايات المتحدة وحلفائها في منطقة الخليج، والسعودية (يعتبر تنظيما جيش الإسلام وفيلق الشام من حلفائها)، وقطر خاصة، وكأن لسان حالها يقول، اما ان أكون طرفا في اللعبة والا سأعمل على تخريبها.

الهجوم الذي شنه التحالف الروسي السوري اليوم الثلاثاء على مدينة ادلب، أدى الى مقتل 25 عنصرا مقاتلا من جبهة “فتح الشام”، “النصرة” سابقا، يعتقد ان من بينهم عددا من قيادات الصف الأول هو رسالة الى الفصائل السورية المسلحة التي جمدت التزامها بوقف اطلاق النار، والمشاركة في محادثات استانة.

صحيح ان كل من جبهة “فتح الشام” و”الدولة الإسلامية” لا ينطبق عليهما الاتفاق لانهما مصنفتان على قائمة الارهاب، ولكن الصحيح أيضا انهما على علاقة طيبة مع بعض الفصائل التي توصف بأنها معتدلة، ولعل اهم ما في هذه الرسالة ان معركة ادلب قد تكون بدأت قبل معركة استعادة تدمر، وان الفصائل لا تبتعد عن هذين التنظيمين ستواجه المصير نفسه، و”فتح الشام” و”احرار الشام” و”جيش الفتح”، الذي يعتبر الداعية السعودي عبد الله المحيسني ابرز قادته، تتمركز في هذه المدينة باعتبارها ملاذها الأخير.

***

جميع اتفاقات وقف اطلاق النار كانت عبارة عن هدن مؤقتة، للسماح للمتحاربين بالتقاط الانفاس، وإعادة التموضع، وكسب الوقت، ولا نستغرب ان يكون هذا هو حال الاتفاق الحالي أيضا، مع فارق أساسي وهو ان الضامنين له يملكان اوراق ضغط قوية كل على حلفائه، وان استعادة التحالف السوري الروسي الإيراني لمدينة حلب بالكامل، وبتواطؤ تركي، غّير الكثير من المعادلات على الأرض في سورية، مما يجعل فرص استغلال هذا التحالف الثلاثي للاتفاق شبه مؤكد.

احتمالات صمود وقف اطلاق النار ما زالت كبيرة، ورغم الخروقات وتبادل الاتهامات، وفصائل المعارضة المسلحة التي جلست على مائدة المفاوضات لأول مرة، بهذه القوة التمثيلية، وتقدمت على معارضات المنفى، لن يكون امامها أي خيار آخر غير الذهاب الى الآستانة، فتركيا التي كانت مصدر الدعم الرئيسي لها تعيش ظروفا صعبة، اقتصادية وامنية وعسكرية، وتفجير اسطنبول الأخير، وانهيار الليرة احد الأمثلة، والسعودية باتت تعطي الاولوية القصوى لحرب اليمن، وكيفية الخروج من مصيدتها بأقل الخسائر، وتريد التخفيف من العبء السياسي والمالي الذي تفرضه عليها الازمة السورية والمعارضة المسلحة.

اسدار الستار على فصول الحرب، وفتح أخرى لبدء المفاوضات والحوار، قد يكونا ابرز ملامح المشهد السوري في العام الجديد.