أسرار طموحات الإيطاليين في عودة الوجود العسكري في ليبيا! | 28 نوفمبر

أسرار طموحات الإيطاليين في عودة الوجود العسكري في ليبيا!

جمعة, 17/02/2017 - 11:25

بعد ست سنوات على قيام «ثورة 17 فبراير » ضد معمر القذافي، لوحظ تزايد عودة الإيطاليين لمستعمرتهم القديمة ويتضمن النشاط تحركات عسكرية لتأمين النفط والغاز وتوطين المهاجرين غير الشرعيين. وتكشف وثائق تخص المخابرات الليبية وميليشيات في العاصمة طرابلس، عن اضطراب في تعامل الحكومة الإيطالية مع الوضع في ليبيا. وتشير معظم هذه الوثائق، التي أمكن الاطلاع عليها، وتغطي الفترة من أبريل 2016 حتى يناير2017، عن عدم وضوح الرؤية الإيطالية فيما يتعلق بالموقف من هذا البلد.

وتتحدث الوثائق عن طموحات الإيطاليين في العودة للوجود العسكري في ليبيا بعد خروجهم منها في مطلع خمسينات القرن الماضي، وتأمين تدفق النفط والغاز إلى بلادهم، حتى لو تطلب ذلك التعامل مع ميليشيات لا تخضع بشكل كامل للسلطات الشرعية في ليبيا. كما تشير الوثائق إلى الطريقة التي اتبعتها إيطاليا لتطبيق برنامج توطين المهاجرين غير الشرعيين على الأراضي الليبية، وغيرها.

اتفاقيات توطين المهاجرين

وتقول وثيقة يعود تاريخها إلى يوم 24 أبريل الماضي إن خلافا نشب بين عدد من قيادات المجلس الرئاسي بشأن توقيع عضو في المجلس لاتفاقية مع الجانب الإيطالي خلال زيارته لروما، لتوطين مهاجرين غير شرعيين في ليبيا. فبعد خروج تسريبات عن توقيع الاتفاقية، اضطرت وزارة الخارجية الليبية التابعة للمجلس الرئاسي إلى نفي ذلك، وقالت إنه لا يوجد «أي اتفاق على توطين المهاجرين في داخل الأراضي الليبية». بينما كانت الاتفاقية محالة إلى رئيس المجلس الرئاسي لاعتمادها. وانكشف أمر هذه الاتفاقية في الأسبوع الماضي، وقال البرلمان الليبي الذي يعقد جلساته في طبرق إنه لن يعتمدها.

وتشير الوثائق إلى أن عملية التوقيع على الاتفاقية مع الجانب الإيطالي لتوطين المهاجرين في ليبيا جرت على عدة مراحل، واختلط فيها الوجود العسكري الإيطالي في ليبيا مع قضايا تخص الجانب الإنساني للمهاجرين، وتخص كذلك حماية تدفقات النفط والغاز، بالإضافة إلى اقتران كل هذا، منذ البداية، مع دخول قوات عسكرية إيطالية إلى ليبيا تحت ستار حماية المستشفى الإيطالي في مدينة مصراتة وحماية المجلس الرئاسي في طرابلس.

وتقول وثيقة يعود تاريخها إلى يوم 26 أبريل، إن أول من تسبب في لغط بشأن التوقيع على اتفاقيات مع الإيطاليين، نائب في المجلس الرئاسي محسوب على مدينة مصراتة. وتضيف الوثيقة إن نقاشا محليا تضمن منذ البداية مخاوف من أن تكون قصة الاتفاقيات مع الإيطاليين ذات تأثير سلبي في مصداقية المجلس الرئاسي أمام الرأي العام في ليبيا. ومما قيل وقتها أيضا أن هناك اتفاقيات تمس الأمن القومي للوطن، وتتجاوز سلطة الحكومة والمجلس الأعلى للدولة، والقرار فيها لا بد أن يكون للشعب وحده من خلال استفتاء عام.

وتضيف وثيقة أخرى أن الخلافات حول عدة اتفاقيات مع الإيطاليين ظلت محل نقاش لعدة أشهر. وأنه ظهرَ يوم 26 سبتمبر الماضي أن الإيطاليين تمكنوا من تسويق فكرة التوطين في ليبيا، لدى الاتحاد الأوروبي، عن طريق مسؤولين مجريين. لكن مخابرات طرابلس رصدت أن اتفاق الليبيين مع الإيطاليين حول التوطين لا يتضمن توطين مهاجرين على الساحل الليبي، ولكنه يتعلق فقط بتجميع المهاجرين في المنبع الأول للهجرة، أي في عمق الصحراء الليبية. إلا أن الاقتراح المجري (المدعوم إيطاليًا) كان على ما يبدو يريد مخيمات على الساحل البحري لليبيا.

وفي أوساط المجلس الرئاسي، بدأت تتكشف أسرار الاتفاق الذي جرى توقيعه في شهر أبريل بين أطراف في المجلس، مع الجانب الإيطالي، ويقضي بالآتي بحسب الوثائق الليبية: اتفق الجانبان الليبي والإيطالي على إنشاء منطقة جنوب الدولة الليبية بالجوف، والكفرة، وسرير، وتيبستي، ومرزق، لاستيعاب المهاجرين القادمين من الدول الأفريقية المحاذية لحدود تلك المناطق، وخلق فرص عمل ومشاريع لهم لتحسين ظروفهم ودعم حالة الاقتصاد والازدهار في المناطق المذكورة.

ويتضمن الاتفاق مع الجانب الإيطالي، والذي لم تخرج تفاصيله للعلن بشكل رسمي حتى الآن، وفقا للوثائق الليبية، «إنشاء معسكرات تجميع مجموعات الهجرة التي وصلت إلى المدن الليبية المطلة على الساحل البحري، والذين يتم إرجاعهم من الدول التي وصلوا إليها عبر الساحل الليبي، وذلك لدراسة ظروفهم وأسباب الهجرة من خلال لجان تشكل من الدول المعنية بالأمر، من وزراء الداخلية في تلك الدول، ويتم فيما بعد عرض النتائج على رؤساء الوزراء لاتخاذ الإجراء المناسب الذي يخدم الأمن القومي لدول ساحل المتوسط».

ويوجد في بنود الاتفاقية، بحسب وثائق المخابرات الليبية التي اطلعت عليها «المجلة»، أيضا اقتراح إيطالي بتدريب منتسبي جهاز خفر السواحل الليبي وتزويدهم بدعم لوجيستي وقوارب حديثة. وأن يستقبل الجانب الليبي قوة إيطالية للمساعدة في بسط الأمن في طرابلس، وأن تكون هناك غرفة مشتركة برئاسة ليبية في قاعدة أبو ستة في طرابلس (مقر المجلس الرئاسي) لهذه القوة.

وتقول وثائق المخابرات أيضا إن أعضاء في المجلس الرئاسي ناقشوا كل هذه البنود مع مسؤولين إيطاليين، وبحضور مبعوث خاص للحكومة الإيطالية لليبيا. وتشير وثيقة أخرى بتاريخ 18 يناير الماضي، إلى أن خطة التوطين الإيطالية للمهاجرين غير الشرعيين داخل ليبيا، تتضمن إقامة مراكز لهم في عدة مدن ومناطق ليبية هي: ترهونة، والشرشرة، ومسلاتة، ومحمية الشعافين، ومشروع أبوشيبة، وغابة جدايم، ومشروع الدبوات في الجنوب، بالإضافة إلى عدة واحات حول مدينة الكفرة. وتشير الوثيقة نفسها إلى قيام أعضاء في المجلس الرئاسي بمناقشة مشكلة رفض بعض القبائل للوجود الإيطالي في مناطق نفوذها.

وهنا جرى تقديم اقتراح من أحد أعضاء المجلس الرئاسي، بصياغة قانون يبيح بيع وتملك الأراضي في ليبيا للأجانب. وتقول الوثيقة إن مندوبين إيطاليين التقوا لهذا الغرض مع قيادي محلي في بلدة ترهونة، ومع بعض أعيان من الواحات القريبة من الكُفْرة، من قبائل زوية والأوجلة والتبو والمجابرة. وإن عددا من هؤلاء الأعيان قاموا بالفعل بزيارة إلى روما لمناقشة الأمر مع الإيطاليين.

ووفقا لوثائق مخابرات طرابلس تريد الحكومة الإيطالية استئجار تلك المناطق وإعداد مخيمات فيها وتتولى حمايتها بقوات عسكرية، على أن تكون قيمة الإيجار مليار دولار كل ستة أشهر. ولفتت الوثائق الانتباه إلى أن العضو الوحيد في المجلس الرئاسي الذي اعترض على مثل هذا الاتفاق، هو موسى الكوني، الذي استقال فيما بعد من المجلس الرئاسي.

الوجود العسكري

حين بدأ عدد الجرحى من قوات عملية البنيان المرصوص يتزايد أثناء الحرب على «داعش» في سرت، دخلت إيطاليا على الخط، وأرسلت مستشفى ميدانيا في قاعدة مصراتة العسكرية لعلاج الجرحى. وكانت غالبية عناصر قوات البنيان المرصوص من مصراتة. وهي قوات موالية للمجلس الرئاسي. لكن الكثير من قادة مصراتة رأى في المستشفى مجرد حجة إيطالية لوجود قوات عسكرية أجنبية على الأراضي الليبية.

وتقول إحدى وثائق المخابرات الليبية إن أعضاء من المجلس البلدي لمصراتة أبدوا مخاوف من القاعدة العسكرية الإيطالية في المدينة. وإن أحد قيادات مجلس الدولة اقترح على المجلس الرئاسي أن يرسل نواب الرئيس لإقناع المجلس البلدي للمدينة بقبول الوجود العسكري الإيطالي، وأن يخطرهم أن الغرض منه مواجهة الأخطار المحدقة بالمدينة بعد تقدم قوات الجنرال خليفة حفتر في الهلال النفطي.

ولم تشر الوثيقة إلى أن الإيطاليين تحدثوا مع الجانب الليبي من قريب أو من بعيد عن أن دخولهم ربما سيكون لمواجهة تقدم الخصم اللدود للمجلس الرئاسي، الجنرال حفتر، في الهلال النفطي. وتضيف الوثيقة نفسها أن الموقف الإيطالي السلبي من تقدم حفتر، ربما يكون قد جاء بعد أن أحرق محتجون في شرق البلاد، وفي مدينة الزنتان غربا، أعلام إيطاليا.

وتحظى الزنتان بأهمية خاصة لدى الإيطاليين بسبب مرور أنابيب الطاقة القادمة من الجنوب عبر هذه المدينة. وتبين أن الإيطاليين كانوا يتفاوضون في ذلك الوقت من أجل الوجود العسكري في الزنتان لحماية خطوط إمداد الطاقة لإيطاليا، كما سيتضح فيما بعد.

وتعكس وثائق المخابرات الليبية أن مجلس السراج الرئاسي كان يضغط لكي يُبدي الإيطاليون موقفا لإخافة حفتر عقب سيطرته على الموانئ النفطية. وتضيف أن الإيطاليين اشترطوا قبل إرسال قوى عسكرية إضافية إلى شواطئ مصراتة، السماح لهم بالتنقيب عن النفط على الساحل الليبي. ونقلت إحدى هذه الوثائق رأي عضو في المجلس الرئاسي عن الشرط الإيطالي بقوله إن «أغلب مشاريع التنقيب والاستكشاف في ليبيا أصبحت تتبع الإيطاليين بالفعل، وبالتالي من حقهم طلب قيادة العملية ضد حفتر في الهلال النفطي».

ورصدت الأجهزة الاستخبارية الليبية في ذلك اليوم دخول ثلاث قطع عسكرية بحرية إيطالية، إلى المياه الإقليمية في مصراتة، بالإضافة إلى قوة إنجليزية. وتضمنت تقارير مخابرات طرابلس، استحواذ إيطاليا على أربع قطع عسكرية بحرية ليبية متقدمة، تبلغ قيمتها أكثر من 200 مليون دولار، كانت جهات إيطالية قد تعاقدت على صيانتها قبل تولي المجلس الرئاسي المسؤولية.

وقال تقرير المخابرات إن الجهات الإيطالية ردت بأن الحكومة التي تعاقدوا معها لصيانة الزوارق الأربعة تم حلها وحل المؤتمر الذي تتبعه (البرلمان السابق)، وأن الحكومة الحالية (حكومة السراج) لم تتعاقد معهم لإجراء الصيانة، كما إنها لم تُمنح الثقة من البرلمان الليبي الجديد.

ويشير التقرير نفسه إلى أن الإيطاليين رفضوا إعادة الزوارق الأربعة، وتعللوا أيضا بأن ليبيا يوجد فيها أكثر من حكومة.. «الأمر الذي يضعنا في مسألة قانونية إن قمنا بتسليم الزوارق لكم». ورصد التقرير أن أكثر الشخصيات التي كانت تشعر بالأسى من الموقف الإيطالي تجاه الزوارق الأربعة، كان مسؤولا كبيرا في مجلس الدولة، والذي اعتبر، وفقا للتقرير، أن «عدم وجود هذه القطع المهمة، تحت يد حكومة المجلس الرئاسي، يشجع على الهجرة غير الشرعية، وعلى قدوم مراكب صيد من آخر الدنيا للصيد في المياه الإقليمية الليبية».

ولا يوجد في تقارير مخابرات طرابلس ما يؤكد وجود صلة بين العسكريين الإيطاليين وعملية بيع أسلحة محرمة دوليا من ليبيا إلى عناصر إيطالية. ويشير التقرير الوحيد الذي يتحدث عن هذا الموضوع إلى أن قياديا في ميليشيات البنيان المرصوص التي كانت تحارب «داعش» في سرت عقد يوم 25 سبتمبر صفقة لبيع عدد غير محدد من عبوات تحوي غاز السارين، عُثر عليها في المدينة، لشخص ينتحل صفة مراسل قناة تلفزيونية إيطالية، وأن المشترين من المراسل المزعوم كانوا عناصر من المافيا الإيطالية، قاموا بشحن العبوات في مراكب عبر البحر. ويعتقد أن هذه الصفقة هي التي تناولتها بعض الصحف الإيطالية، بطريقة غير واضحة أيضا، لكن في شهر نوفمبر الماضي.

وبالإضافة إلى تزايد الوجود العسكري الإيطالي في ليبيا، من مجرد 200 جندي، إلى حوالي 1000 جندي، رصدت مخابرات طرابلس وجودا عسكريا إيطاليا آخر في صحراء الجفرة التي كان معمر القذافي يتخذ منها مقرا لقواته العسكرية. وأخذ انتقاد الوجود الإيطالي في الجفرة يزداد في أوساط العسكريين في مصراتة. وبدأ البحث عمن أعطى الإذن للإيطاليين بالوجود هناك. ولم يكن جهاز الأمن القومي الليبي المنبثق عن اتفاق الصخيرات، يعلم بكثير من تفاصيل هذه التحركات الإيطالية، وفقا للتقرير.

وفي يوم 14 نوفمبر وصلت سفينة عسكرية إيطالية جديدة، فجرا، لميناء مصراتة البحري، وفي الصباح ظهر الجنود عيانا جهارا على الشواطئ. وفي اليوم التالي حطت طائرة عسكرية إيطالية في قاعدة الجفرة. ويقول التقرير إن هذا النشاط كان يثير مخاوف لدى أعضاء في المجلس الرئاسي.

إلا أن المبررات كانت جاهزة، وتقول، وفقا لما جرى تداوله في المجلس ورصدته مخابرات طرابلس، إن تزايد النشاط العسكري للإيطاليين، سببه رصدهم لعناصر من «داعش» وهي تعيد بناء نفسها بشكل قوي في الجنوب، بمساعدة دواعش من مالي والنيجر والجزائر.

لكن وجود الإيطاليين في الجفرة لم يمنع حفتر من استهداف المنطقة التي كان يوجد فيها تجمعات للميليشيات المتطرفة. وشن غارة يوم الثالث من يناير الماضي، ما أدى إلى إصابة مدير الاستخبارات العسكرية لمنطقة شرق طرابلس ومصراتة، العميد إبراهيم بيت المال. وبرز تساؤل عن السبب في عدم قيام الإيطاليين باتخاذ أي إجراء ضد القصف أو حتى رصده، خاصة أن لهم غرفة في الجفرة ومنظومة صواريخ كانت قادرة على اعتراض طائرات حفتر، بحسب استخبارات طرابلس.

ومن بين القوات الإيطالية التي كانت تنطلق من قاعدة الجفرة طائرة متخصصة في المسح الميداني والمراقبة من نوع لوكهيد U2ASD الملقبة «دراغون». وجاء في تقرير الاستخبارات الليبية أن الطائرة كانت تستخدم وقتها (في يناير الماضي) للمراقبة الجوية ليلا ونهارا، وأنها أحادية المحرك، وترتفع حتى 70 ألف قدم.

وتقول وثائق المخابرات إن مسؤولين في المجلس الرئاسي، كانوا يشكون من عدم تعامل العسكريين الإيطاليين مع غارة حفتر على الجفرة، ومع ذلك استقبل بعضهم، يوم العاشر من الشهر نفسه، قطعا بحرية عسكرية إيطالية في قاعدة أبو ستة بطرابلس. وكان بعضهم يقف على الرصيف في انتظار الجنود الإيطاليين. وفي اليوم التالي دخلت سفينة إيطالية عسكرية إلى ميناء مصراتة.

وانتهى تقرير المخابرات الليبية حول الموضوع إلى أنه كان هناك اتفاق غير معلن مع أعضاء في المجلس الرئاسي بدخول ست سفن عسكرية إيطالية.. اثنتان إلى كل من مصراتة وزوّارة، وأربعة إلى طرابلس.. وكانت القطع البحرية الإيطالية الثلاث التي وصلت أولا إلى أبو ستة تحمل على متنها مائة جندي. والقطعة الرابعة التي وصلت في اليوم التالي تحمل خمسين جنديا.

وفي يوم 12 يناير قالت وثائق المخابرات إنه جرى طرد الليبيين من مجموعة الحرس الرئاسي من قاعدة أبـو ستة، من جانب المجلس الرئاسي نفسه، بزعم أنهم يتعاونون مع حكومة خليفة الغويل المنافسة للسراج في طرابلس. وأنه تم تسليم مفاتيح مكاتب الحرس الرئاسي، للغرفة البحرية الإيطالية في أبو ستة. وتقول وثيقة بتاريخ اليوم نفسه إن هذا الإجراء جاء بعد تهديد الغويل باقتحام قاعدة أبو ستة لطرد السراج منها.

ويقول التقرير الاستخباراتي إن لجوء أطراف في المجلس الرئاسي إلى القوة الإيطالية يمثل خطوة استباقية لمنع الغويل من الإقدام على أي فعل متهور ضد السراج.

وبالتزامن مع تزايد الوجود العسكري الإيطالي في مصراتة وطرابلس والجفرة، بدأت مفاوضات غير مباشرة من أجل تمركز قوات عسكرية إيطالية جديدة في منطقة جنوب غربي العاصمة، مع أطراف في بلدة الزنتان. وكان الرد يقول إن الوجود العسكري في المنطقة لن يتقبله الناس بسهولة.

وبعد مداولات استمرت لعدة أيام جرى تقديم اقتراحات للإيطاليين بأن يشيعوا وجود احتمال قوي لنشاط داعشي في الزنتان وأنهم يريدون الوجود فيها لحمايتها من التنظيم الدموي. واقتراح آخر بأن الإيطاليين يريدون تكبير مطار الزنتان وتطويره، وبالتالي ستكون أي قوة عسكرية مبررة بأنها تحمي أعمال الشركة التي تقوم بإنشاءات في المطار.

عين على النفط وأخرى على الغاز

وتقول وثائق المخابرات الليبية إن مسؤولا في بعثة الأمم المتحدة، حاول في مايو (أيار) الماضي فتح قنوات اتصال مع زعماء في الزنتان، إلا أن الأمور لم تسر بالطريقة التي كان يسعى إليها الإيطاليون والبعثة الأممية. ووفقا للوثائق فقد كانت المشكلة تتلخص في محاولة من الجانب الإيطالي التخلص من الابتزاز الذي تتعرض له شركة إيني الإيطالية على يد ميليشيات في الزنتان. وورد في وثيقة من الوثائق الاستخباراتية الليبية أن «الإيطاليين يريدون الغاز، والغاز تحت يد الزنتان، والزنتان تضغط على شركة إيني من أجل الحصول على مزيد من الأموال. وإيني منحت أموالا كثيرة، في السابق، ولم يعد في مقدورها دفع المزيد».

وتضيف الوثيقة نفسها أن مدير في شركة إيني، عبَّر عن انزعاجه، خلال لقاء في روما مع نائب في المجلس الرئاسي، من سيطرة الزنتان على الغاز، وتحكمها فيه، وتطرق إلى أهمية البحث عن مخرج لهذا الوضع ولو مخرجا مؤقتا، إلى حين وجود حكومة قوية في طرابلس.

وفي ديسمبر الماضي وبعد مفاوضات شارك فيها رجال أعمال ليبيون يقيمون في أوروبا، تم فتح صمامات الرياينة للنفط والتي تمر من الزنتان، ما ترتب عليه إعادة تصدير 400 ألف برميل يومي. ويقول تقرير المخابرات الليبية إن لإيطاليين دفعوا أمولا لأطراف في ميليشيا الزنتان من أجل فتح هذه الصمامات. أما فيما يتعلق بمجمع مليتة للغاز، فقد جرى تكليف ميليشيا أخرى، من بلدة الزاوية، بحماية المجمع الذي تعتمد عليه إيطاليا في إمدادات الغاز.

ومن جانب آخر تقول وثائق المخابرات الليبية إن الإيطاليين كانوا يراقبون عن كثب ومنذ الصيف الماضي، تحركات مسؤول كبير في حرس المنشآت النفطية الليبية، قبل أن يطرده حفتر منها في نهاية المطاف. وتضيف أن الإيطاليين رصدوا لقاء هذا المسؤول، مع عسكريين أميركيين وبريطانيين، عقد على متن حاملة طائرات أميركية قبالة السواحل الليبية.

وجرى خلال اللقاء مناقشة ملفات تتعلق بالشأن العسكري والأمني في ليبيا والهلال النفطي على وجه الخصوص والتطورات العسكرية والميدانية في المنطقة ودعم جهاز حرس المنشآت النفطية، وتطوير قدراته القتالية للتعامل مع التطورات والأخطار. ووفقا للمعلومات الاستخباراتية الليبية فقد أقلت طائرة عسكرية أميركية مسؤولا في حرس المنشآت، من منطقة رأس لانوف، في الهلال النفطي، إلى حاملة الطائرات الأميركية للاشتراك في الاجتماع.

وتقول وثائق مخابرات طرابلس: كان الإيطاليون يراقبون هذه التحركات وهم يبحثون عن ثغرة للوجود في العملية. وترصد الوثائق نجاح الإيطاليين في التواصل مع المسؤول المشار إليه، فيما بعد، بشكل مباشر بعيدا عن الأميركيين والبريطانيين، وذلك بعد أيام من اجتماعه على حاملة الطائرات الأميركية.
ويبدو أن الإيطاليين أفسدوا الخطة الأميركية والبريطانية التي كانت قد وضعت مع المجلس الرئاسي، والتي تقضي باستقطاب مسؤول في حرس المنشآت النفطية، مقابل منحه 90 مليون دولار، وتسخيره للعمل لصالح المجلس، وفتح الموانئ النفطية للتصدير لحساب المجلس الرئاسي.

ورصدت التقارير تراجع المسؤول في حرس المنشآت، عن وعوده للمجلس الرئاسي والأطراف الدولية الداعمة له، وفي المقابل طلب من المجلس الرئاسي توقيع ورقة بتكليفه رسميا بتأمين الموانئ النفطية. ويوضح تقرير مخابرات طرابلس أن هذا المسؤول كان يريد «ورقة رسمية بالتكليف» لكي يتمكن من توسيع تعاقدات التصدير مع شركات إيطالية، وأنه كان يريد أن يستكمل بها اتفاقيات سبق للإيطاليين توقيعها مع المجلس الرئاسي ولم تنفذ.

وعلى هذا شكت أطراف في المجلس الرئاسي لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا. وتمكن الإيطاليون من التفاهم مع الأميركيين لكن الموضوع مع بريطانيا عطل المساعي الإيطالية، إلى أن قام حفتر باجتياح منطقة الموانئ النفطية وطرد المسؤول في حرس المنشآت وقواته منها.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من صحيفة ايوان ليبيا