روح الكارثة | 28 نوفمبر

روح الكارثة

خميس, 03/16/2017 - 14:36
محمد افو

تخيلت مرة ماذا سيحدث حين أفقد الذاكرة .
وتخليت حزن من قدر أو سيقدر أن ألعب دورا مهما في حياتهم .
لاشك أن وضعا كذلك سيكون محزنا لهم .
فحين ترى ذاكرة كانت عامرة بك ، لم تعد تميز بينك وبين الغرباء .
أو مقلا كانت تشع بحبك ، وهي الآن تنظر إليك دون أن تحط على ملامح وجهك .
 لاشك سيعتصرك الألم لما آلت إليه الإرادة والمشاعر من موات .

أعتقد أنكم تخيلتم الآن ذات الموقف وأنتم تتهجون هذه المقدمة .
 دعوني أخبركم إخوتي أننا نعاني من ذلك المرض الآن ونحن نناقشه كاحتمال .

يمكن لأي أمة أن يسوء طالعها إبان حقبة من تاريخها ، أو تبتلى بنجاعة وسيادة أسوأ قيمها وأفردها ونخبها .

لكنها تظل تحت وطأة النحس تلك ، تتمتع بحسها الكامل ومشاعرها الغاضبة والمكبوتة ضمن وضع لا تكملك حولا ولا قوة لتغييره .

مما يميز فترات الغُلب تلك هو أنها تعمل على إنماء ذاتها وتخلق ثقافتها الحاضنة وتبني أعشاشها لتتناسل بسلام ، وبعيدا عن أعين المتطفلين .

الكارثة ليست ما يحصل في ظاهر الواقع المادي ، وإنما في مخبوء الواقع النفسي .

دعوني لا أخبركم بما نحن فيه على مستوى المشهود والمعلوم .
 فلا أحد منكم يمكن يختلف مع آخر عليه .

لكنني سأتساءل عن مدى معرفتنا بكارثتنا المخبوءة في حيزنا النفسي والثقافي .

قابلت الكثير من الناس وتحدثت كثيرا عن طرحنا في المشروع الوطني ، وكانت الأفكار غالبا مما يحيل إلى التقارب ، فنحن جيل نشأ في وضع واحد وغذته أثداء أزمة واحدة ، ونحن بذلك نمتلك شكل حلم واحد .

ليس هذا محل الإشكال .
 قد توقعون ضمن ظروف طبيعية أن يتوحد أصحاب الرؤية الواحدة والحلم الواحد والتوجه الفكري الواحد ، ضمن مشروع واحد .

لكن ذلك يحدث حين تكون الكارثة سطحية ومحدودة الأثر ضمن الحيز المادي .

لكنها حين تضرب بثقلها في المستوى النفسي ، تُحدث بعدا منطقيا للتفكير ، ويظل رغم منطقيته معتلا بروح الكارثة وعرضا من أعراضها.

لنبسط الأمر ...
 عندما تتحدث إلى شاب مغلوب على أمره ، لايمتلك من الوطن ما يخسره ، ويرد عليك بأنك مجرد صوت آخر ، ورقم آخر ومتاجر آخر ، وهو بالكاد تعرف عليك قبل ساعة .

فإن الصوت الذي تسمعه ليس صوته ، وإنما صوت جلاديه .
إنه يفقد ذاكرته وتحتل ذاكرة المأساة مكانها .
( محزن أن ترى من تحبهم وهم يفقدون الذاكرة )
هو يسمعك جيدا لكنه لا يتذكر إرادته ولا شخصيته .
ذاكرته عامرة باليأس والخذلان ، لدرجة لم يعد يتذكر غير  الكذب والخداع والخذلان وباعة التنظير وسلاق البيان .

إنه يفقد ضميره الحي تحت أقدام الأزمة .
 وهو موظف عمليا ضمن قاعدة تقول " لا شيء يمكن أن يحدث غير ما حدث " .

لقد انتصرت الأزمة علينا لدرجة تولت التفكير والتقرير نيابة عنا .
نحن فاسدون في نظر بعضنا 
ومتملقون حسب اعتقادنا 
 لا تحركنا غير الغايات الفردية ، أيضا حسب مانعتقد .

ما رأيكم الآن لو واجهنا أنفسنا بحقيقة الأمر ، وما يمكن أن نفعل حيال معتقداتنا عن أنفسنا ؟

سأقترح عليكم بعض المقترحات :
دعونا نرتب الأولويات لنضع اليقين قبل الشك ، فما نشهده أولى وأحق بالعلاج والريبة مما نشك فيه .
 لنعالج المعلوم من المأساة ، قبل المنتظر ظنا منها.

المنتظر ظنا هو ما يمكن أن تؤول إليه المشاريع الجديدة من فساد واستغلال وتبعية ، وما يمكن أن يمارسة الشباب من انخراط في دوامة الفساد .

يعني هذا أننا أمام شخصين ، أحدهما نخاف من أن يكون نسخة موروثة من الآخر الذي نعرفه يقينا .

لماذا نترك المعلوم ضمن اليقين ونحاسب المنتظر ضمن الشك ؟

طبعا لن نستطيع أن نجيب إجابة متماسكة وعاقلة ، غير إجابة واحدة ، وهي أننا نفعل ذلك بإرادة وإملاء من المنتفعين من بقاء الوضع على ما هو عليه .

لقد زرع فينا هؤلاء الخوف من بعضنا ، بحيث لا ينتظر أن تقوم قائمة لجديد دون أن يمسها طائف من شيطان الخوف والشك ، فتصبح صعيدا جرفا ، أو يصبح ألقها غورا .

أحبتي الموريتانيين ، دعونا لا ننظر لبعضنا نظرات الريبة والخوف وترقب الشر ، بينما نولي ظهورنا لأحلامنا ونطيل عمر الأزمة لتمحق جيلا آخر من أبنائنا .

امنحوا أنفسكم بعض ماتمنحون لجلاديكم من ثقة .
 وآمنوا بأنفسكم ليؤمن بكم حكامكم .

ندعوكم جميعا إلى عهد بيننا وبينكم أن لا تقف وراءنا أموال المتاجرين بدمائكم ، ولا شيوخ التبعية القبلية ولا ساسة الإنتفاع والإنتجاع .

وحين يراودكم فينا شك ، امنحوا أنفسكم فرصة إلقاء نظرة على ما أنتم فيه مما لا شك فيه .

دعونا نتقابل ولا ينظر بعضنا إلى بعض بعين المشككين والمحبطين والمرتزقة .

دعونا نستخدم عيوننا الباصرة وبصائرنا ونحن نتحلل من عبئنا النفسي ، وإرث الخوف الذي تملك عقولنا .

لن يكون المشروع الوطني مطية إلا للمحرومين والمنكوبين بوطأة الظلم والإستغلال .

ولن يضر غير المتحذلقين من باعة الوهم ومدمني خرق الخزائن العامة ومختلسيها .

ما تسمعونه هو صوتكم وليس صوتهم 
دعونا نسترجع ذاكرتنا الأخلاقية ، فمن المؤلم أن ننظر لمن أحببناهم وهم لا يتذكرون أي شيء .
 ولا يتخذون قرارا حيال حياتهم .

دعونا نعالج أنفسنا من وقع الكارثة لنتكتل في مواجهتها ، وأن نكتفي بالعقود الستة ، من التخاذل والخوف .

عهدنا معكم باق بقاء حزننا على ألم الفقراء ووطأة حاجتهم للعيش والكرامة .

لا تكتفوا بوضع إعجابات على هذا المنسور أو الثناء عليه .

بل امنحوا رغباتكم حق الحياة بالإسهام في إنجاز ماتحلمون به .

 

--------------------------------------------------

من صفحة الاستاذ محمد أفو على الفيس بوك