هل تسقط غرفتي البرلمان بعد إقرار التعديلات؟ (قراءة قانونية) | 28 نوفمبر

هل تسقط غرفتي البرلمان بعد إقرار التعديلات؟ (قراءة قانونية)

جمعة, 28/07/2017 - 19:29

على الرغم من تصدر مسألة إلغاء مجلس الشيوخ لمقتضيات مشروع القانون الدستوري الاستفتائي (م-ق-د-إ) المتضمن مراجعة بعض أحكام دستور20 يوليو 1991 المقدم للاستفاء الشعبي المباشر المقرر يوم 05 /08 /2017، فإن الصيغة التي ورد بها بدت وكأنها تركز بالأساس على الإلغاء كإجراء وما يستتبعه من إلغاء المقتضيات التي موضوعها المجلس الملغى وتعديل تلك المتعلقة بالهيأة البديلة. وهكذا تضمنت المادة الأولى من ذلك القانون تعديل أو إلغاء (29 مادة) هي المواد: " 29 (جديدة)، 31، 39، 40، 41، 46، 47، 48، 50، 51، 54، 55، 61، 63، 64، 65، 66، 67، 68(جديدة)، 69، 75، 79، 81(جديدة)، 84، 86، 92، 93، 99(جديدة) و101 "
بالمقابل أغفل المشروع وبشكل ملفت التعرض لسير المؤسسة البرلمانية بعد الغاء نظام الغرفتين واعتماد الغرفة الواحدة بصيغة "الجمعية الوطنية". فصيغة الإلغاء جاءت مقتضبة:" يلغى مجلس الشيوخ المنصوص عليه في المادة 46 من دستور 20 يوليو 1991. وتخول للجمعية الوطنية الصلاحيات التي كانت تمارسها الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ..." (المادة الأولى /ق-د-إ). بما يعنى أن غرفتي البرلمان قد سقطتا بمجرد المصادقة على القانون الدستوري الاستفتائي: - 
- فتخويل الصلاحيات هو التسمية الأخرى للإلغاء. وحيث اقترن الغاء مجلس الشيوخ بتخويل "برلمان الجمعية الوطنية "صلاحيات "الجمعية الوطنية -الغرفة السفلى " قبل صلاحيات مجلس الشيوخ "الملغى" فإن الإلغاء يطال غرفتي برلمان ما قبل التعديل؛ إذ النص جاء حرفيا بعد الغاء المجلس على" ... وتخول للجمعية الوطنية الصلاحيات التي كانت تمارسها الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ " بما لا يمكن معه القول ببقاء أي من الغرفتين وإن مع اختلاف الأساس:
- الغرفة العليا "مجلس الشيوخ " بفعل المصادقة على إلغائها في استفتاء 05 /08 /2017 
-أما الغرفة السفلى فألغيت كذلك، ولكن فعليا؛
إن إزالة حائط يفصل بين غرفتين لا يترك مجالا للقول ببقاء واحدة منها دون الأخرى، حتى ولو أخذت الغرفة الجامعة تسمية إحدى الغرفتين؛ وعليه حين تم اعتماد برلمان بغرفة واحدة -لا سفلية ولا علوية بها -وحتى وإن تسمت "الجمعية الوطنية "فإنها تحل محل البرلمان السابق بغرفتيه، لا واحدة منها.
صحيح أن المادة 47 من الدستور في صيغتها قبل التعديل تجعل انتداب نواب الجمعية الوطنية لمدة خمس (5) سنوات، وهو أمد لما ينصرم بعد، ولكنهم حال خلو التعديل الدستوري من تفويضهم انتقاليا دور "برلمان الجمعية الوطنية " أو الاستمرار في دورهم لحين انتخاب ذلك البرلمان لا يمكنهم بمجرد تسمى غرفتهم ب "الجمعية الوطنية " ممارسة ذلك الدور، إذ (المادة 47 الجديدة) تعطى "لبرلمان الجمعية الوطنية" - صاحب التفرد بالسلطة التشريعية - تشكلة تضمن مشاركة الموريتانيين في الخارج حيث نصت على :" ينتخب أعضاء الجمعية الوطنية لمدة خمس(5) سنوات بالاقتراع العام المباشر. يمثل الموريتانيون المقيمون في الخارج في الجمعية الوطنية. ..".
أما ما جاء من نص على أن:"...سلطات الجمعية الوطنية تنقضي حين افتتاح الدورة العادية لشهر نوفمبر في السنة الخامسة التي تعقب انتخابها "، الوارد في الفقرة الثانية من الأمر القانوني رقم 91-028 بتاريخ 07 /10 /1991 المتضمن للقانون التنظيمي المتعلق بانتخاب الجمعية الوطنية، فإنه لا يغير في الأمر شيئا؛ إذ صلاحية ذلك القانون للتطبيق قائمة حال سريان نظام الغرفتين، لكن التحجج بها في مرحلة "برلمان الجمعية الوطنية " غير وارد بحكم التعديل الذي طرأ وأرسى وضعية التفرد في السلطة التشريعية. إن صيغة الإلغاء السابقة ترتب فعليا وقانونيا إلغاء نظام الغرفتين، لذلك كان المنتظر أن يبوب في مشروع القانون الدستوري الاستفتائي (م -ق-د-إ) على صيغة انتقالية تضمن عدم حصول فراغ في الوظيفة التشريعية بالنص مثلا في فقرة انتقالية على:
- استمرار البرلمان القائم بوظائفه حتى إجراء انتخابات تشريعية تأتي ب «برلمان الجمعية الوطنية " 
-أو حتى –تعسفيا – بإسناد الوظيفة البرلمانية ل "الجمعية الوطنية -الغرفة السفلى" لحين إجراء تلك الانتخابات. ولعل ذلك هو الإرادة غير المعبر عنها، ولا الممهد لها: -
ا-يستشف كونه الإرادة الكامنة من خلال الإشارة الواردة في المادة 07 من (م -ق-د-إ) التي جاء فيها: "إن مشاريع واقتراحات القوانين المودعة لدى مجلس الشيوخ أو قيد الدراسة من طرفه وقت إصدار هذا القانون الدستوري، تتم إحالتها، في وضعيتها المسطرية الراهنة، إلى الجمعية الوطنية.
ب-وغير الممهد لها؛ فحتى ولو كان التعبير عن تلك الإرادة أكثر صراحة، فإنه يحتاج -فوق ما يمكن ان يقال فيه أصلا-وفقا لمبدأ توازن المساطر أن يأتي في نص صريح بقيمة الدستور ما يعطى لتلك الغرفة التي طالها الإلغاء الذي مس برلمان ما قبل التعديل أهلية الاضطلاع بدور "برلمان الجمعية الوطنية " لحين انتخاب أعضائه. 
إن النص على إحالة مشاريع ومقترحات القوانين التي كانت أودعت لدى مجلس الشيوخ قبل صدور القوانين في وضيعتها المسطرية التي هي عليها إلى الجمعية الوطنية. يعنى بشكل صريح إنهاء دور مجلس الشيوخ متى صدر القانون الدستوري المعروض على الاستفتاء في 05 / 08 /2017، لكنه بالمقابل لا يصلح أساسا للقول بتفويض الغرفة السفلى –المشمولة فعليا بالإلغاء – التشريع بصفتها تلك أو نيابة عن "برلمان الجمعية الوطنية ". 
إن غياب نص يقر أحكاما انتقالية بخصوص السلطة التشريعية التي طالتها أهم التغييرات التي حملها (م-ق-د-إ) يفتح الباب للتفسيرات التحكمية والغائية وقطعا يبرر الكثير من النقاشات القانونية.
لقد راعى (م _ق_د _إ) الحاجة لتنظيم المرحلة الانتقالية لعمل وسير المؤسسات التي تم تجميعها وتلك التي عرفت إضافة بتوسيع مجال تدخلها أو زيادة أعضائها واستثنى المؤسسة البرلمانية، في مفارقة غريبة؛ فكل تلك الهيئات –على أهمتها -لا تقارن مع مؤسسة بمحورية السلطة التشريعية. لقد عني ذلك القانون بإفراد مواد أو فقرات لتنظيم تلك المؤسسات خلال مرحلة انتقالية كما هو الحال بالنسبة للمجلس الدستوري ومجلس الفتوى والمظالم والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: -
1- المجلس الدستوري: الذي حملت المادة الأولى من (م-ق-د-إ) تعديل تشكيلته من خلال مقتضيات (المادة 81جديدة) التي نصت على: "يتكون المجلس الدستوري من تسعة(9) أعضاء فترة انتدابهم تسع(9) سنوات غير قابلة للتجديد. يتم تجديد ثلث(3/1) أعضاء المجلس الدستوري كل ثلاث(3) سنوات.
يعين رئيس الجمهورية خمسة(5) أعضاء أحدهم بناء على اقتراح من زعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية ويعين الوزير الأول عضوا واحدا(1) ويعين رئيس الجمعية الوطنية ثلاثة (3) أعضاء، اثنان منهم يقترح أحدهما ثاني حزب معارض من حيث ترتيب الأحزاب المعارضة الأكثر عدد نواب في الجمعية الوطنية ويقترح الثاني ثالث حزب معارض حسب نفس الترتيب".
ففوق ما جاء في المادة الانتقالية الجامعة (المادة 08 /م-ق-د-إ) التي نصت على: "تستمر مؤسسات المجلس الدستوري ... في العمل طبقا للنصوص المعمول بها قبل إصدار هذا القانون الدستوري، وذلك حتى إصدار النصوص النظامية التي تعنيها أو تعني المؤسسات التي تحل محلها..." تولت (المادة 09/م-ق-د-إ) تحديد تاريخ مباشرته الفعلية لمسؤولياته حين قضت أنه :"بصفة انتقالية وبالرغم من أي انتداب جار، فإن المجلس الدستوري ستتم إعادة تشكيله كليا طبقا لأحكام المادة 81 (جديدة) من هذا القانون الدستوري، على الأكثر ثلاثة أشهر بعد بداية مهام الجمعية الوطنية المنتخبة في أقرب انتخابات تشريعية..." – وإن كانت الفقرة الأخيرة من هذه المادة لا تتعدى مقتضياتها الانتقالية تقديم حظوة لأعضاء المجلس الدستوري القائم بشكل لم تقدم مبرراته! فقد نصت تلك الفقرة على: "...للسلطات المختصة أن تعين من جديد أعضاء المجلس الدستوري الحالي دون اعتبار للفترة الماضية من مدة انتدابهم."
2- المجلس الأعلى للفتوى والمظالم: الذي ألغت (المادة 03/م-ق-د-إ) أحكام (المادة 94) من دستور 20 يوليو المنظمة له. لتحل محلها المادة 94 (جديدة) التي جاء نصها عليه أنه:" ينشأ لدى رئيس الجمهورية، محل المجلس الإسلامي الأعلى ووسيط الجمهورية والمجلس الأعلى للفتوى والمظالم كما تحددها النصوص المعمول بها، مجلس أعلى للفتوى والمظالم يتشكل من تسعة(9) أعضاء.
يعين رئيس الجمهورية رئيس وبقية أعضاء المجلس الأعلى للفتوى والمظالم لفترة انتداب مدتها أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. 
يكلف المجلس الأعلى للفتوى والمظالم بإصدار الفتاوى، أي الآراء الفقهية، طبقا لتعاليم المذهب المالكي.
يستقبل مطالبات المواطنين المتعلقة بخصومات عالقة، وذلك في إطار علاقاتهم مع إدارات الدولة، والمجموعات العمومية الإقليمية والمؤسسات العمومية أو أية هيئة تضطلع بمهمة المرفق العمومي.
ليس للمجلس الأعلى للفتوى والمظالم أن يتدخل في نزاع معروض أمام محكمة ولا أن يشكك في تأسيس حكم قضائي، لكن له أن يتوجه بتوصيات إلى الهيئة المعنية.
لرئيس الجمهورية وللحكومة الطلب من المجلس الأعلى للفتوى والمظالم إبداء رأي حول مسألة فقهية أو منازعات بين المواطنين والإدارة. ويحال الرأي المذكور في غضون 15 يوما..."
كما وأحالت نفس المادة إلى قانون نظامي لتنظيم سير المجلس " ... يحدد قانون نظامي تنظيم وسير عمل المجلس الأعلى للفتوى والمظالم".
وكسابقه "المجلس الدستوري تكفلت (المادة 08 / م-ق-د-إ) بضبط المرحلة الفاصلة بين إقرار الدمج وتحققه فنصت على:" تستمر مؤسسات ... المجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الاقتصادي والاجتماعي في العمل طبقا للنصوص المعمول بها قبل إصدار هذا القانون الدستوري، وذلك حتى إصدار النصوص النظامية التي تعنيها أو تعني المؤسسات التي تحل محلها. 
وينطبق نفس الشيء على مؤسستي وسيط الجمهورية والمجلس الأعلى للفتوى والمظالم كما تحددهما النصوص المعمول بها."
3- المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: الذي تعاطت معه (المادة 04/م-ق-د-إ) من خلال المادة 94 (جديدة) التي حددت مجاله بالنص على: "يعطي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي رأيا في مشاريع القوانين والأوامر القانونية أو المراسيم وكذا اقتراحات القوانين ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمحالة إليه من طرف رئيس الجمهورية.
للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن يعين أحد أعضائه لإبداء رأي المجلس أمام الجمعية الوطنية في مشروع أو اقتراح قانون أحيل إليه".
في حين جاء في (المادة /م-ق-د -إ) الغاء المادة 96 من دستور 20 يوليو 1991 وأحلت محلها المادة 96 (جديدة) التي حددت مجالات الاستشارة التي يقدمها المجلس، وأسندت للقانون تحديد تشكيلته وقواعد سيره:" لرئيس الجمهورية أن يستشير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في كل مسألة ذات طابع اقتصادي أو اجتماعي أو بيئي تهم الدولة.
يحدد قانون نظامي تشكيلة وقواعد سير عمل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي". 
4 – الجهات: وهي الهيأة الوحيدة التي استحدثها مشروع التعديل والتي تضمنتها (المادة 06 /م-ق-د -إ) من خلال إلغاء وتجديد المادة 98 عن المجموعات الإقليمية التي أصبحت تعرف أنها:" المجموعات الإقليمية للجمهورية هي البلديات والجهات. تنشأ كل مجموعة إقليمية أخرى بقانون..." والهيئات المستحدثة هنا " الجهات "حددت نفس المادة (98 جديدة) جهة إدارتها بالنص على:" تدار المجموعات الإقليمية للجمهورية بصورة حرة من طرف مجالس منتخبة وفق الشروط التي ينص عليها القانون". باستثناء تلك الهيأة المستحدثة فإن غيرها من الهيئات التي طالها الجمع أو الإضافة روعي في (م-ق-د-إ) وجود مرحلة انتقالية بين القائم والمصار إليه منها. خلافا لما اعتمد في حالة مؤسسة البرلمان رغم أنها جاءت نتاجا ل: 
-الإلغاء –مجلس الشيوخ-
-الدمج –صلاحيات الغرفتين 
-الإضافة – إضافة النواب الممثلين للخارج 
على ذلك يجب التفكير قبل حلول صباح السادس من أغسطس 2017 ، وبدرجة أكثر إلحاحا قبل صدور القانون المقر للتعديلات الدستورية، في إجابة للسؤال الذي سيطرح – عن حق وعن مناكفة -عن الجهة المخولة ممارسة السلطة التشريعية؟

 

العنوان الأصلي للمقال: باعتبار ماسيكون

**** الأستاذ الجامعي يعقوب ولد السيف