في السلطوية | 28 نوفمبر

في السلطوية

أحد, 08/13/2017 - 18:33

سيناتور مُنتخَب له حصانة اختُطِف من بين ذويه لأنه أثار الحديث في الرصاصة المشهبوه التي تعرّضَ لها حاكم غير نزيه وغير واضِح في معاملاته. وقبل ذلك ضُربَ الشّْيخ حتّى أشرف على الهلاك لأنّه احتَجَ. وقبل ذلك سُرِّبت اتصالاتُه الهاتِفية (أحياناً من قِبل "قانونيين" و"مدوِّنين"). كلّ هذا حدث باسم ما يُقرِّرُ السلطان إنه خطٌّ أحمر.

يُقال الآن إن الشمولية ليست أيديولوجيا بقدر ما هي تألّه الدولة بفعل التكنولوجيا التي أصبحت تُتيحُ لها القدرة على النفاذ إلى الحياة اليومية الدقيقة ومباشرة جسد المواطن في أخصِّ خصوصياته بما فيها مناجاتُه وأحلام يقظته. ولكن هذا القمع يُباشر بمنتهى الميكانيكية والعقلانية، بحيث إن من يُباشر العنف لا يكون عنيفاً في حياتِه اليومية بالضرورة. وهو ما سمّته آرندت بابتذال الشّرْ. ويقال إن علمنة الدولة الوطنية إلى لعب دور الإله هي جوهر الحداثة السياسية.

قلت: ذلك صحيح. إلاّ أنه ليس حداثياً بدون جينيالوجيا. وجذور النقلة بالدولة البدوية إلى دولة قمعية هو تيمة إسلامية قديمة. وقد قام به الجيل الأول من السلطوية الإسلامية (زياد بن أبيه وعبيد الله بن زياد والمختار بن عبيد والحجاج بن يوسف وعثمان بن أبان وقُتيبة بن مسلم وخالد بن عبد الله القسري حتّى نصر بن سيار والجيل الثاني من الديكتاتورية الإسلامية الذي تأمّره أبو مسلم الخراساني وأبو جعفر المنصور والمهدي).

وكان زياد بن أبيه على وعي بضرورة تعهيد حقوق الله إلى حقوق السلطان حتّى يمكِنُه الهيمنة. فالسلطوية كانت أولاً حالة حرب ثم تعمّمَت. وكان هنالك حديث يقول "إن المرء ليُلقي كلمة لا يُلقي لها بلاً فتهوي به في النار سبعين خريفاً" فأخذه زياد بن أبيه وعلمَنه قائِلاً: "إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة لا يُقطَعُ بها ذنَبُ عَنزٍ مَصورٍ، لو بلغتْ إمامَه سفكَ بها دمه".

وهذه هي روح المرحلة العربية حالياً. إنها ليست فقط ابتذال الشرّْ؛ بل هي تعهيدُه من مخيالِه اللاهوتي (فالعنف الذي واكب الربيع العربي كان متسيِّقاً في لاهوتات بلاطية وشوارعية معيّنة) إلى أجهزة الدولة.

--------------------

من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك