انتهت الخميس الماضي القمة الأوروبية الأفريقية المنعقدة بالعاصمة الإيفوارية أبيدجان، تعهد فيها قادة دول الاتحاد الأوروبي والأفريقي بتعزيز التعاون في عدة مجالات، واتفق قادة أكثر من 80 دولة في البيان الختامي للقمة التي استمرت يومين، على تعزيز التعاون في أربعة مجالات، تشمل الهجرة والأمن بالإضافة إلى الاستثمارات في التعليم والتنمية المستدامة.
لكنّ ما ميّز هذه القمة بعيدًا عن بياناتها هي مشاركة المغرب والصحراء الغربية جنبًا إلى جنب، في مشهد اعتبرته الجزائر انتصارًا لدبلوماسيتها ولرؤيتها في حلّ الأزمة بالصحراء الغربية، واعتبرته المغرب انتصارًا لدبلوماسيتها هي الأخرى بانفتاحها على قارتها، وتركها سياسة المقعد الشاغر واتخاذها مسارًا أكثر برجماتية وواقعية، وسارعت الجزائر من جانبها من ثم في تتويج جهودها بالإعلان عن مساعدات مالية وعسكرية لبعض الدول الأفريقية لمكافحة الإرهاب الذي ترى فيه الجزائر أحد أكبر التحديات التي تواجهها، في هذا التقرير نستعرض أبرز السياسات الجزائرية في مواجهة مد النفوذ المغربي في أفريقيا.
مسح الديون سلاح الجزائر للتمدد في أدغال أفريقيا
تعيش معظم الدول الأفريقية على المساعدات الأمريكية والأوروبية والأممية، وذلك بسبب الفقر الشديد الذي تعاني منه مجمل الدول الأفريقية، وهذا ما جعل البوابة الأفريقية تتحوّل إلى ميدان صراع بين الجزائر والمغرب، امتد لسنواتٍ عديدة، كانت الجزائر أكبر منتصرٍ في هذا الصراع الذي أدى بالمغرب إلى الانسحاب التام قبل 33 سنة من منظمة الاتحاد الأفريقي، ومباشرة بعد انتعاش خزينة الجزائر وذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط، انتهجت الجزائر سياسة مسح الديون، التي فتحت لها باب النفوذ على الدول الأفريقية بمصراعيه، ما جعل غالبية الدول الأفريقية في صف الجزائر في القضايا الإقليمية والرؤية المشتركة للمستقبل الأفريقي.
ففي مايو ( أيار) عام 2013، أعلنت الجزائر عن انتهائها من عملية مسح ديون 14 دولة أفريقية دفعة واحدة كانت قد شرعت فيها بدءًا من سنة 2010 ، حجم الديون الممسوحة كان 902 مليون دولار، وكشف بيان صادرٌ عن وزارة الخارجية الجزائرية وقتها عن أنّ الدول التي شملها قرار مسح الديون هي بنين وبوركينا فاسو والكونغو وإثيوبيا وغينيا وغينيا بيساو وموريتانيا ومالي وموزمبيق والنيجر وساو تومي وبرينسيبي السنغال سيشيل وتنزانيا، وهي دول معروفة بعلاقاتها الجيدة بالجزائر، وأضاف بيان الخارجية الجزائرية أن موريتانيا كانت المستفيد الأكبر بين الدول الأفريقية الممسوحة ديونها، حيث أعفتها الجزائر من ديون تبلغ نحو ربع مليار دولار.
وتشدد الجزائر على أن إجراءات شطب الديون تأتي في سياق تنفيذ التزاماتها الدولية بدعم التنمية بأفريقيا، وكذلك تعزيز علاقاتها الدبلوماسية بالجوار الأفريقي، وقال «عمار بلاني» الناطق الرسمي باسم الخارجية الجزائرية «إن هذه المبادرة تندرج في سياق مواصلة دعم الجزائر للشعوب العربية، خاصة في الأوضاع التي تستدعي أعمالًا تضامنية مباشرة، تتعلق بدعم إعادة الإعمار وجهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية»، ولم يختلف وزير الخارجية السابق «رمطان العمامرة» عن بلاني حينها في وصفه لخطوة الجزائر بمسح ديون الدول الأفريقية بأنها تندرج في إطار الأعمال التضامنية العاجلة والتقليدية للجزائر تجاه هذه البلدان لا سيما في مجال المساعدة على إعادة البناء والجهود الرامية إلى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية.
وفي السياق ذاته أكد مدير الشؤون الاقتصادية والمالية الدولية في وزارة الخارجية «بلقاسم بلقايد» أن الجزائر ستلتزم بالإبقاء على المساعدات السنوية التي اعتادت تقديمها إلى بعض الدول الأفريقية الصديقة، التي تعاني من مصاعب اقتصادية، ويشمل هذا مسح الديون والإبقاء على كافة برامج التدريب، ومنح الدراسة في الجامعات والمعاهد الجزائرية المتخصصة.
بالوقــت الذي عرف فيه نفوذ المملكة المغربية في أفريقيا بالاتساع، وذلك بانتهاجها لسياسة الانفتاح، نتج عنه سحب عدة دول أفريقية لاعترافها بالجمهورية العربية الصحراوية، ونجاحها في اقتناص صفقة الغاز النيجيري من الجزائر، ناهيك عن عودتها لمنظمة الاتحاد الأفريقي ومحاولاتها تجميد مقعد الصحراء الغربية من الاتحاد الأفريقي، هذه التطورات دفعت بالجزائر للتحرك سريعًا لاسترجاع مكانتها الأفريقية.
فعلى هامش القمة الأفريقية الأوروبية المنعقدة في أبيدجان الإيفوارية كشف الوزير الأوّل الجزائري، «أحمد أويحيى»، أن بلاده قدمت مساعداتٍ ماليةٍ بأكثر من 100 مليون دولار لدول الساحل الأفريقي، لمساعدتها على مكافحة الإرهاب. وأضاف أويحيى إن الجزائر وعلى مدار السنوات الأخيرة، قدمت مساعدات لكلٍ من تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا بأكثر من 100 مليون دولار، لتكوين نحو 10 فرق قوات الخاصة، وبناء قواعد عسكرية على أراضي هذه الدول، إضافة إلى منحها عتادًا عسكريًا كبيرًا.
غياب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عن القمة الأفريقية الأوروبية
جديرٌ بالذكر أن الجزائر رصدت مساعدات مالية وعسكرية سنوية لدول الساحل الأفريقي، قيمتها 80 مليون دولار سنويًا قبل أن تخفضها للنصف بسبب الأزمة المالية وانخفاض أسعار النفط، وتضع الجزائر لدول الساحل أهمية بالغةً نظرًا للخطر المحدق الذي يتربص بحدودها الجنوبية، التي يرابط عليها مئات الآلاف من الجيش الجزائري، كما حرصت الجزائر على التنسيق العالي بين دول الساحل والصحراء في مجال مكافحة الإرهاب.
المساعدات الجزائرية.. مكافحة الإرهاب أم حرب نفوذ؟
خلفت سياسة الجزائر القائمة على تعزيز ثقة الأفارقة عن طريق مسح الديون وتقديم المساعدات إلى الدول الأفريقية والجزائرقلقًا مغربيًا، نتج عنه اتهام المغرب للجزائر بالقيام بحملة ضد عودتها إلى الاتحاد الأفريقي، اتهاماتٌ نفاها الوزير الأوّل الجزائري أحمد أويحيى بطريقةٍ مثيرةٍ؛ إذ بادر بمصافحة الملك المغربي «محمد السادس» في القمة الأفريقية الأوروبية الأخيرة، في مشهدٍ أشاد به الكثيرون من شعبي البلدين، حيث كشف أويحيى عن فحوى حديثه مع الملك محمد السادس معربًا له عن تحية الشعب الجزائري للشعب المغربي.
اقرأ أيضًا: الجزائر والمغرب في أفريقيا.. صراع الإخوة الأعداء على النفوذ في القارة السمراء
وتأتي المساعدات الجزائرية للدول الأفريقية ضمن سياسة الجزائر في حماية أمنها القومي من الخطر الذي تشكله المناطق الساخنة بالصحراء الكبرى والساحل الأفريقي، وفي حديثه للإذاعة الجزائرية قال الوزير الأوّل الجزائري أحمد أويحيى أن الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة، أعلن عن تقديم مساعدة بقيمة 50 مليون دولار لقوة «جي -5 أفريقيا» التي غيّبت الجزائر عنها وأعلن عنها أثناء زيارة الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» لباماكو، لافتًا إلى أنه لا علم له إن كان هذا المبلغ قد صرف لهذه القوة أم لا.
وأضاف أويحيى: «الجزائر بذلت مجهودات مضاعفة في مساعدة الدول الأفريقية في مكافحة الإرهاب، دون أي إعلان عما تقوم به، غير أن ذلك لم يفهم من قبل البعض، الجزائر ساهمت أيضًا بتجربتها الكبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، من خلال مجلس رؤساء أركان بلدان لجنة الأركان العملياتية المشتركة لدول الساحل المعنية بظاهرة الإرهاب، وذلك منذ أكثر من 10 سنوات».
جدير بالذكر أنّ الجزائر أنشأت قاعدة عسكرية جوية بمدينة تمنراست بأقصى الجنوب الجزائري لمواجهة التهديدات الآتية من منطقة شمال مالي ومنطقة الساحل، وتسهل عمل ونشاط الاستطلاع الجوي العسكري وملاحقة أية مجموعات مشبوهة في المنطقة.
المصدر : ساسة بوست