القدس العربي: استمر المشهد السياسي الموريتاني أمس في اهتمامه بتصريحات الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز التي أكد فيها قبل يومين أنه لا ينوي تعديل الدستور ولا الترشح لانتخابات 2019 الرئاسية.
وتزامنت هذه الـتأكيدات مع نشاط سياسيين ونواب وعمد في الموالاة يطالبون الرئيس في تظاهرات يومية أمام قصر الرئاسة، بتعديل الدستور وبالترشح لانتخابات 2019 «لاحتياج موريتانيا لذلك»، حسب قولهم.
وكان الرئيس الموريتاني قد توقف خلال عودته قبل يومين من بروكسل لتحية تجمع المطالبين ببقائه في الرئاسة وهو ما اعتبرته المعارضة «تصرفا مقلقا».
وأعرب الاتحاد الأوروبي على لسان السفير جياكو ما ديرازو رئيس بعثته في موريتانيا عن «ارتياحه لتأكيد الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مقابلته الأخيرة على عدم ترشحه لولاية ثالثة بعد انتهاء ولايته الحالية بعد عام».
وقال في مؤتمر صحافي أمس «لقد سجلنا قرار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز والتزامه باحترام الدستور».
وأعربت المعارضة الموريتانية في بيان أخير لها حول الموضوع «عن كامل ارتياحها للموقف الذي أعلن عنه الرئيس محمد ولد عبد العزيز مؤخرا، والمتمثل في نيته احترام المواد الدستورية المتعلقة بعدد المأموريات، وعدم عزمه الترشح لمأمورية ثالثة».
وأكدت المعارضة المنتظمة بأحزابها ونقاباتها وشخصياتها المرجعية في منتدى الديمقراطية والوحدة في بيان وزعته أمس الأول «أنها ستبقى مع ذلك يقظة تجاه كل المناورات»، معتبرة «أن موقف الرئيس يعتبر خطوة إيجابية على طريق تكريس التناوب السلمي على السلطة، إلا أن هذه الخطوة، تضيف المعارضة، تبقى ناقصة المفعول إذا لم تصاحبها الإجراءات الكفيلة بضمان عبور البلاد لهذا المنعطف الحاسم».
وعلى رأس الإجراءات التي طالبت بها المعارضة الموريتانية «تنظيم تشاور وطني يمكن القوى الحية والفاعلة من التلاقي والحوار لتحديد قواعد ترسم مسارا يضمن تنظيم انتخابات توافقية مفتوحة وشفافة وحرة، توفر الضمانات الكافية لتكافؤ الفرص بين الفرقاء السياسيين، وتضمن حياد السلطة وعدم توظيف الإدارة وهيبة الدولة ووسائلها لصالح مرشح ضد الآخرين».
«إن الإصرار على منهج الانفراد بالسلطة، والأحادية في تسيير المسلسل الانتخابي، والاستمرار في اختطاف الدولة لصالح فريق سياسي ضد الآخرين، تضيف المعارضة، من شأنه أن يفرغ هذه الخطوة من محتواها وأن يحيدها عن المغزى الذي ينتظره منها جميع الموريتانيين، والذي هو التبادل السلمي والديمقراطي على السلطة».
وطالبت المعارضة كذلك الرئيس بإظهار «إرادة سياسية حقيقية في وضع حد للتوتر وتهدئة الساحة السياسية عن طريق وضع حد لسياسات القمع والإقصاء، وتحرير السجناء السياسيين، ووقف المتابعات القضائية التعسفية»، مبرزة «أن الإصرار على الاستمرار في نهج قمع وإقصاء الخصوم السياسيين لا يعبر عن حسن النية وليس من شأنه حلحلة الأزمة الراهنة وتهيئة الاستحقاقات القادمة في الظروف الملائمة».
ويأتي بيان المعارضة إثر إعلان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز في مقابلة نشرتها مجلة «جون أفريك» أمس «أنه لن يعدل الدستور الموريتاني ليترشح للانتخابات الرئاسية المقررة منتصف عام 2019»، لكن الرئيس أكد في تصريحاته عزمه على دعم أحد المترشحين.
وأكد الرئيس الموريتاني «أن هناك شكوكا تحوم حول قضية ترشحه لمأمورية إضافية»، مضيفا قوله «أنا ملتزم بالدستور الذي يحدد مدد الرئاسة بمأموريتين وقد قمنا بالفعل بتعديلات في الدستور لكننا لم نتعرض للمواد الخاصة بمدد الرئاسة ولن ألمس هذه المواد أبدا».
وردا على سؤال حول ما إذا كان سيعد خليفة له في الانتخابات الرئاسية المقبلة قال الريس الموريتاني «المستقبل سيحدد ذلك، وأنا لم أحدد اختياراتي بعد، فبإمكان أي واحد من الثلاثة ملايين ونصف موريتاني الذين هم ساكنة البلد، أن يترشح وأنا سأدعم أحد المترشحين».
وحول ما إذا ذلك المترشح الذي سيدعمه الرئيس هو الفريق محمد غزواني قائد أركان الجيوش الحالي وساعده الأيمن، قال الرئيس الموريتاني «أحتفظ بعلاقات ممتازة مع غزواني منذ أكثر من ثلاثين سنة شأنه شأن آخرين يعملون معي في تنمية البلد». وبخصوص ما إذا كان سينسحب نهائيا من الحياة السياسية في موريتانيا، أوضح الرئيس ولد عبد العزيز «أنه موريتاني وسيظل، وأنه سيبقى ما دام حيا، مهتما بما يجري في بلده».
واستبعد الرئيس الموريتاني في تصريحاته إجراء حوار جديد مع المعارضة مؤكدا قوله «لسنا نغلق الباب لكن لن أظل منشغلا بتنظيم الحوارات بشكل مستمر، لا يمكنني أن أصرف ولايتي الرئاسيتين في تنظيم الحوارات فأنا بحاجة لأن أعمل وأن أبني بلدي وأن أنفذ برنامجي».
وكان محمد جميل منصور الرئيس الأسبق لحزب التجمع (المحسوب على الإخوان) والذي يقود أكبر كتلة معارضة في البرلمان، قد أكد في تدوينة له أمس «أن جواب الرئيس كان واضحا »سألتزم بالدستور الذي يحد المدد المأموريات الرئاسية باثنتين»، ثم أكمل » لقد راجعنا الدستور لكننا لم نمس هذه المادة ولن ألمسها مستقبلا »، ودون شك ليس في هذه الإجابة لبس والبحث عن تأويلات لا يخدمها ظاهر الجواب لا داعي له وبالتالي في هذا المستوى الأمر يستحق التسجيل ولا بأس بالترحيب والتشجيع حتى ولو كنا نعرف أن الالتزام بالدستور واجب وأن الدستور يمنع تعديل مواد المأموريات».
وقال « شوش ونغص على هذه الإجابة الواضحة أمران أولهما توقف الرئيس في طريقه من المطار ليحيي مجموعة خارجة على القانون وتدعو صراحة لانتهاك الدستور وهو الذي أقسم على احترامه وعلى ألا يسهم مباشرة أو على نحو غير مباشر فيما يؤدي إلى تعديله في محور المأموريات وتحديدها باثنتين».
«وأما الثانية، يضيف ولد منصور، فالأخبار التي نقلها موقع «موند أفريك» عن محاولات لسحب الإجابة محل الارتياح والتي وصلت حد مفاوضات أجرتها شخصية معروفة مقربة من النظام مع» جون أفريك» من أجل هذا السحب، دون التسليم بصحة المعلومة».
واختار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز وسيلة إعلام أجنبية هي أسبوعية «جون أفريك»، لإبراز مواقفه من الملفات المحلية والدولية الآنية وهو أمر لم يرض عنه المدونون الموريتانيون واعتبروه «إبعادا للإعلام الوطني أو مخاطبة للداخل من الخارج»؛ غير أن تصريحات الرئيس كانت مهمة لكونها كشفت، بعد صمت طويل، عن مواقفه من عدة قضايا يتقدمها عدم ترشحه لانتخابات 2019 التي تربك الساحة السياسية المحلية منذ فترة طويلة.