أسعد الله اوقاتكم ما إن يتناجى اثنان أو ثلاثة عن الشعر الفصيح في أي قطر عربي إلا وجنحت إلى أذهانهم مقولة أن موريتانيا بلد المليون شاعر. ولا أريد هنا الخوض في مدلول اللقب ومدى صدقيته أو تحقق مظهره بقدر ما أريد الإشارة إلى ارتباط هذه الأرض بالقريض وتشبث أهلها بالقصيدة في حلهم وترحالهم. لم تمنع البداوة أبناء هذه الصحراء من النهل من معين الثقافة العربية، والعب من حياض لغة الضاد، حيث كانت الفصاحة عنوانا لساكنة هذه الربوع، وإنشاد الشعر وإنشاؤه جزءا من هوية "الفتى" في المجتمع غير أن ذلك ظل في طابعه العام ذا بعد "رجالي"-إن صح التعبير- فلم تقتحم المرأة هذا الميدان إلا قليلا رغم أن بعضهن عرفن بالتبحر في العلوم والأدب، وكانت لهن حلقات تعليمية يؤمها حتى الرجال والعلماء لتلقي الفوائد، والتعمق في العلوم، لكن الصوت النسوي ظل خافتا في السياق الشعري، وتكاد الاستثناءات تعد على أصابع اليد، عبر حقب متعددة ازدهر فيها الشعر في هذا البلاد، وأضحى علامة فارقة فيها فكم من شاعر تنغى الجميع بشعره، وما دروا أن أبجديات ذلك كانت من الأم أو الجدة وأن جزءا من تكوين شخصيته يعود ل"تاء التأنيث" لكن طبيعة المجتمع كانت تحول دون أن تعبر "حواء" عما يجيش بخاطرها شعرا، ولعل هذا ما حدا بالمرأة الموريتانية إلى أن تتجه نحو أدب نسوي خاص بها هو"التبراع" حيث بثث لواعجها وأسرارها الدفينة بطريقتها الخاصة دون أن يعرف المجتمع المحافظ أن هذه الإبداع من فلانة أو فلانة.. بل ظل مجهول النسب لا تدرى من تقف وراء ذلك البوح العاطفي الرقيق. غير أنه مع تطور المجتمع بدأت بعض الأصوات النسوية الشعرية تفرض نفسها، وتثبت موهبتها وكفاءتها فغنت، للوطن وتنهدت عشقا له ..وتناولت مختلف الأغراض التي يتناولها الشعر ,وأثبت جدارتها في هذا السياق، حتى مثلت شاعرات موريتانيا في مهرجات شعرية كبرى. بيد أنه مع ذلك ما زالت ذائقة المجتمع تحتفظ ببعض الأفكار المتعلقة بعدم الانسجام بين أنوثة المرأة وقرض الشعر، فبالنسبة للبعض تعتبر من تتجه صوب الشعر مهتزة الأنوثة تخوض غمار معركة لم تخلق لها أصلا، ولا تناسب تكوينها وفق هذا المنظور لكن الوقت سيثبت أن المرأة الموريتانية شأنها شأن المرأة العربية تحس فتعبر وتكتب ما رق لها من أطايب الشعر كما يفعل صونها الرجل دون كبير فرق، وما الأصوات النسوية المعاصرة إلا برهان ساطع على هذه الفرضية.
حنان محمد سيدي