في الهجمة الأولى للرئيس في مؤتمره ليلة البارحة، زعزع توزان محاوريه من الصحافة، حيث لم يعودوا-منذ البداية- يعرفون بأي لغة يخاطبونه، عبر "حوار الطرشان" ذلك، ثم سقطت هيبة الدستور، وشرعية تصويت البرلمان، "لليدين وللفم"، إذ لا يمكن - في الدسترة الرئاسية المزاجية الجديدة- أن تلغي أصوات 33 شيخا أصوات أكثرية البرلمان، وعلى مقربة من هنا، تَجَنْدَلَتْ -على الأرض- صفة" المليون شاعر"، أسطورتنا الجميلة، بقذيفة موصومة بـ: "الشعر وما شابه"، وتردَّت اللغة العربية، من صرْح عرشها المُمَرَّد، ملْء "بلاد شنقيط/ المنارة والرباط"، منتحرة على أسوار عقَبَة "تنتشلون"، منتهكة الشرعية، والمشروعية، بمقولة الرئيس الطافحة بـ "البَرَاء" من العربية، و"الولاء" لغيرها، حين سأل متهكِّما: عن معنى كلمة "ما تسمُّونه أنتم أهل العربية"؟، دون أن نعرف : رئيسنا من أهل ماذا؟
وقد خرَّت "العلوم الإنسانية"، صريعة بشظايا الخطاب الرئاسي، انتصارا لــ "العلوم
الحيوانية"، حيث لا توجد- في نظري- علوم غير "إنسانية"، إلا إذا كانت من ابتكار " الحيوانات" أو "الجِنِّ"... وإن "العلوم الطبيعية"- كما تسمَّى تجوُّزا- لتفقد كل قيمتها، عندما تفقد" إنسانيتها"، زدْ على كل ذلك أن الدول الغربية الأرقى في نظركم، لا تفتخر بعباقرة علومها الفيزيائية، والكيميائية.... الموسومة بـ "الطبيعية"، وإنما تزهو وتتيه بشعرائها، وأدبائها، وفلاسفتها...، وتختزل كل هويتها في التماهي بهؤلاء، فلغة الشعب الفرنسي، تسمى "لغة موليير"، والشعب الإنجليزي، يسمي لغته" لغة شكسيبر"، و"سرفانتس" هو رمز الثقافة الإسبانية.... فبمن يمكن لموريتانيا، أن تفتخر، إن لم تعتز بأدبائها وشعرائها وعلمائها، عبر التاريخ؟! وإذا لم ترسِّخْ وجودها في الذاكرة الجمعية من خلال الشعر، واللغة العربية الفصحى، فمتى تفرض نفسها عالميا، عبر تألقها في "العلوم الطبيعية"، في ظل تعليم اعترف حتى الرئيس، الذي ليس من "أهل العربية"، بأنه مازال "فاسدا" وليس وحده في ذلك طبعا؟!
وعلى كل حال يبقى التفريق هنا بين " العلوم الإنسانية" وغيرها، لا يكاد يختلف عن التفريق الذي ابتكره الرئيس ليلة البارحة، بين الجيش والعسكر، معطيا للأول معنى إيجابيا، وللثاني آخر سلبيا.... مبدلا "ثاء" ثكناته "سينا"، لتصبح "سكنات"، وليته "سكنَ" فيها، ولم يتسلل منها إلى كرسي الحكم السياسي، عبر" الانقلاب المستمر"، حتى اليوم.. على الدستور..
ولست أرى داعيا للإطالة في تتبع التشوهات اللفظية والمعنوية، التي ألحقها-كذلك- هذا المؤتمر الرئاسي بـ "المعاردة" وأخواتها.
غير أني -في الختام- أهمس في أذن الشعراء، والأدباء، والفلاسفة.. الملحقين في ديوان الرئاسة: أين أنتم من هذه الخطابات الرئاسية المدمنة للإساءة إلى العربية، والشعر، والعلوم الإنسانية؟ كيف يتكرر ذلك وأنتم "مستشارون" شاهدون؟ ..
أخبروني بأي صفة عينتم هناك؟ إذا كنتم عينتم بصفتكم كيمياتئين، وفيزيائيين، وخبراء ذرة، فلا تثريب عليكم أبدا.. يغفر الله لنا ولكم.
----------------
من صحفة الأستاذ ادي ولد أدب على الفيس بوك