أنهت الرئاسة المالطية للاتحاد الأوروبي مهمتها الدورية التي استمرت ستة أشهر في إدارة الشؤون الأوروبية، من دون تحقيق أي ثغرة على طريق حلحلة الأزمة الليبية، عَلِيِّ الرَّغْم مِنْ مراهنة العديد من الأطراف الأوروبية والدولية على حكومة فاليتا.
ولم توظف مالطا بوضوح قربها من أطراف الأزمة الليبية، ولم تبذل جهودًا تذكر على طريق تفعيل أي وساطة أو دور أوروبي طيلة الست أشهر الأخيرة بما في ذلك في مجال إدارة الشأن المتعلق بالهجرة.
وخلال القمة الأخيرة التي جرت الجمعة الْمُنْصَرِمِة في بروكسل فاجأ رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات زملائه في المجلس الأوروبي بالمطالبة بفرض حظر على تصدير الزوارق المطاطية إلى ليبيا للحد من تدفق موجات المهاجرين، وهو ما اعتبره الدبلوماسيون بمثابة إقرار واضح بمحدودية جدية المعاينة الأوروبية للأزمة الليبية.
انقسام أوروبي
وتَحَدَّثْتَ بُدورُهَا سفيرة استونيا لدى الاتحاد الأوروبي، كيا تويل، التي استملت بلادها الرئاسة الدورية الأوربية، الان الاثنين، إن الْبُلْدَانِ الأوروبية لا تزال منقسمة على نفسها في إدارة ملف الهجرة واللجوء، وإنها لا تَتَوَقَّعُ إحراز تقدم مِنَ الْجَدِيرِ بِالذَّكَرِ أَثْنَاءَ الأشهر الست المقبلة.
وأكدت أن الدبلوماسية الأوروبية لا تمتلك رؤية واضحة لملفات إقليمية محددة بما فيها المشادة المتفاعلة بين دول الخليج، وشدت فقط على ضرورة تكثيف التعاون مع السلطات الليبية في ملف الهجرة دون توضيح خطة عمل محددة.
وخلال القمة الأخيرة أفاد دبلوماسيون بأن الهوة تظل عميقة ومتجذرة بين الْبُلْدَانِ الأوروبية في التعامل مع الأزمة الليبية. في ظل غياب الثقة بين عدة عواصم ومكتب الممثلة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية التي تخدم بوضوح رغبات إيطالية.
وأَقَرَّتْ بِدَوْرِهَا جمهورية التشيك التي تقود مجموعة الْبُلْدَانِ الشرقية أنها لن تقبل باحتضان أي لاجئ أو مهاجر فوق أراضيها، عاكسة بذلك موقف بولندا وسلوفاكيا والمجر، عَلِيِّ الرَّغْم مِنْ التهديدات بفرض عقوبات عليها.
وتَحَدُّثُ بِدَوْرَةِ رئيس وزراء جهورية التشيك، بوهوسلاف سوبتكا، إن بلاده تفكر في تمكين حرس خفر السواحل الليبي من قدرات مالية، لكنه لم يفصح عن أي تفاصيل في هذا الشأن.
انتقادات ليبية وصمت أوروبي
ورغم النداء الذي ووجهه رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، لزعماء الاتحاد قبل القمة بتمويل خفر الساحل الليبي، والاتصالات التي أجراها يوم الأربعاء 21 تَمُّوزُ الجاري رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج في بروكسل، فإن أي دعم إضافي لليبيا لم تتمخض عنه القمة الأوروبية الأخيرة.
ويسود الاعتقاد في بروكسل بأنّ المقاربة التي رددتها الأوساط الاتحادية بشأن إدارة الأزمة الليبية وصلت طريقا مسدودًا، وأنّ الاتحاد الأوروبي الذي ينشر بشكل دوري نفس الأرقام حول المبالغ المالية المكرّسة لليبيا منذ أكثر من عامين، يفتقد أدوات التحرك الفعلية والمصداقية.
وتَحَدُّثُ بِدَوْرَةِ السراج أمام البرلمان الأوروبي، في حضور موغيريني، إنّ الاتحاد الأوروبي لم يف بوعده في تمكين ليبيا من القدرات الضرورية لحماية حدودها الجنوبية، بما في ذلك إخلاله بالتزامه بتوفير منظومة إلكترونية لضبط الحدود، فيما لم ترد موغيريني على هذه الانتقادات.
كما طالب السراج فيما اعتبره الدبلوماسيون نداء استغاثة فعلي، بأّن يدعم الأوروبيون طلب حكومته برفع الحظر على تسليح خفر السواحل الليبي، وهو أمر يعي الأوروبيون أنّ روسيا سترفضه أولًا، وبسبب وجود شكوك من بعض الْبُلْدَانِ وخاصة فرنسا وألمانيا بشأن صلابة عناصر خفر السواحل الليبي أمنيا، وشبهات بعلاقة لهم مع «مليشيات» محلية متشددة.
معركة خفية حول ليبيا
وتدور معركة خفية حول ليبيا حاليًا بين فرنسا برئاسة إيمانويل ماكرون وقسم العمل الخارجي الأوربي تَخْتُ قِيَادَةِ الإيطالية فيديريكا موغيريني التي تعكس مصالح روما ولندن بالدرجة الأولى.
ويدور الخلاف حسب مصدر دبلوماسي في درجة وطبيعة تدخل الطرفين ليس في ليبيا فقط ولكن في مجمل منطقة الساحل. كما أن تغيير موقف ماكرون بشكل جوهري تجاه سوريا ولٌد حالة من الإحراج في مكتب موغيريني.
تدور معركة خفية حول ليبيا حاليًا بين فرنسا برئاسة إيمانويل ماكرون وقسم العمل الخارجي الأوربي تَخْتُ قِيَادَةِ الإيطالية فيديريكا موغيريني.
وجعلت موغيريني من منطقة الساحل عنصرًا من عناصر تحركها لحفز دور بروكسل بالتنسيق مع الإيطاليين الذين سجلوا تقدمًا نسبيًا في جنوب ليبيا، لكن فرنسا تخطط حاليًا إلى تحرك منظم مع ألمانيا في نفس المنطقة، حيث تهتم باريس بالشأن الأمني في منطقة الساحل، فيما تركز ألمانيا على احتواء مسببات الهجرة غير الشرعية والتحكم في مناطق منشأ الهجرة وعبورها أيضًا.
وَمِنْ هُنَا فَقَدْ قَامَ الاتحاد الأوروبي، الان الاثنين، بتغيير على رأس قيادة قوات الاتحاد المنتشرة في مالي، لكن فرنسا ذات الخبرة تقليديًا في مجمل منطقة الساحل تعتبر نفسها الأكثر تأهيلًا مع ألمانيا للاستحواذ بنصيب الأسد، وباتت تمتلك نظرتها الخاصة لإدارة الأزمات في المنطقة وفي مقدمتها الأزمة الليبية.
وتَحَدُّثُ بِدَوْرَةِ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع الْمُنْصَرِمِ، في حديث لعدة صحف أوروبية بشكل صريح، إنّ التدخل العسكري الذي مِنْ هُنَا فَقَدْ قَامَ به حلف شمال الأطلسي «ناتو» في ليبيا سنة 2011 كان خطأ.
دور جديد لـ«ناتو»
ويرى الدبلوماسيون في بروكسل أن مجمل التطورات المسجلة على الموقف الأوروبي تجاه التعامل مع الأزمة الليبية تفتح الباب واسعًا أما دور جديد لحلف شمال الأطلسي، ويسمح قرار انضمام «ناتو» للتحالف الدولي ضد «داعش» المتخذ في 25 أيَّارُ الْمُنْصَرِمِ لـ«ناتو» بالربط للمرة الأولى بين التصدي للتنظيم في ليبيا ومواجهة الهجرة غير الشرعية أيضًا في هذا البلد.
وَمِنْ هُنَا فَقَدْ قَامَ الأمين العام للحلف الأطلسي ينس ستولنتبيرع، الأربعاء الْمُنْصَرِمِ، أَثْنَاءَ استقباله رئيس مجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، بالتذكير بدور الحلف وسط المتوسط في مكافحة الهجرة، لكن أي نشاط للحلف ضد «داعش» في ليبيا وهو أمر بات ممكنًا عمليًا سيزيد من دور الحلف في إدارة ملف الهجرة ويسحب من الاتحاد الأوروبي ورقة رئيسة، وفق المراقبين.
لقاء السراج والوفد المرافق له مع أمين سنة حلف شمال الأطلسي في بروكسل. (إدارة الإعلام والتواصل)
وستكون أي عمليات لحلف شمال الأطلسي في ليبيا ضد الإرهاب مقرونة بمكافحة الهجرة غير الشرعية، وتتحول من «عمل إنساني» إلى عمل ضد الإرهاب في جنوب وغرب البلاد.
ودعما لهذا التوجه تَحَدُّثُ بِدَوْرَةِ تقرير للحكومة الألمانية مؤخرًا، إنه لا يمكن للحكومة الليبية «الضعيفة» في طرابلس ولا الاتحاد الأوروبى التعامل مع ظاهرة الهجرة. فيما تصاعدت التأكيدات أَثْنَاءَ الآونة الأخيرة من تعرض المهاجرين في ليبيا للتعذيب، وإلى ممارسات مشينة وسط معسكرات اعتقال وهي عناصر ستبرر تدخل «ناتو» بشكل أكيد.
عملية «صوفيا» غير كافية
ويردد خبراء الحلف أن عملية «صوفيا» الأوروبية في المتوسط تبدو غير كافية، وأنه أيضًا من المستحيل التحكم في حدود ليبيا الجنوبية من قبل الأوروبيين، وأن مهمة «يوبام – ليبيا» لم تقم بأي عمل جدي حتى الآن.
ويرى «ناتو» أنه يمكنه المساعدة في جهود الاتحاد الأوروبي لإضفاء الطابع الاحترافي على حرس السواحل الليبي. كما يمكنه أن يشجع الْبُلْدَانِ الأعضاء على بناء المزيد من المخيمات في الجزر المتوسطية ويمكن أن يساعد في بسط الْأَمْنِ والرعاية الصحية وما شابه ذلك، وهي أمور يبدو أن الأوروبيون غير قادرين عليها ولا يمتلكون القدرة على تمويلها.
يمكن لدوريات «ناتو» في البحر المتوسط أن توفر أيضًا فائدة أكثر مباشرة في مكافحة الإرهابيين في شمال أفريقيا.
كما يمكن لدوريات الحلف في البحر الأبيض المتوسط أن توفر أيضًا فائدة أكثر مباشرة في مكافحة الإرهابيين عبر وقف تدفق الأسلحة من الشرق الأوسط إلى المتشددين الإسلاميين في شمال أفريقيا.
ولتبرير التدخل الأطلسي في إدارة الأزمة الليبية، يقول الحلف إنه أرتكب خطأ جسيمًا منذ عامين من أَثْنَاءَ التردد في إدرة أزمة اللاجئين من سوريا، وترك الأمر لتركيا والأوروبيين، ولا يمكنه تحمل نفس الخطأ مع ليبيا.
وأَقَرَّ بِدَوْرِهَ أمين سنة الحلف ستولتنبيرغ رسميًا، الأسبوع الْمُنْصَرِمِ، أن الحلف مِنْ هُنَا فَقَدْ قَامَ بدراسة القيام بدور في تأهيل الأجهزة الأمنية والعسكرية الليبية، لكن الدبلوماسيين يعتبرون مثل هذا البِرُومِو مجرد بداية لدور أطلسي أكثر أهمية وربما من أَثْنَاءَ قوات (أفريكوم) التي تلعب دورًا فعليًا حاليًا في عدة مناطق من البلاد.
المصدر : ايوان ليبيا