شارك يوم الجمعة 14 يوليوز 2017، رئيس منتدى تعزيز السلم الشيخ عبد الله بن بيه، في مؤتمر دولي لمواجهة التحريض على العنف بتنظيم من الأمم المتحدة في مقر المنظمة بمدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وذالك استجابة لدعوة وجهها له الأمين العام . ويهدف هذا المؤتمر الذي هو الأول من نوعه إلى إشراك القادة الدينيين في إطلاق خطة عمل لمكافحة التحريض على العنف الذي قد يؤدي إلى ارتكاب الجرائم الفظيعة.
وقد افتتحت أشغال المؤتمر بكلمة ترحيبية للسيد الأمين العام للأمم المتحدة “آنتونيو غوتريز”، تلتها الكلمة التأطيرية للشيخ عبد الله بن بيه، والتي تناول فيها أبعاد إشكال التحريض على العنف وخطاب الكراهية من منظور لاهوتي وديني، يرتكز على فلسفة الدين الإسلامي العميقة ومقاصده السامية، معتبرا أن دور رجال الدين في هذه المرحلة هو ” نزع اللبوس الأخلاقي الذي يستقوي به الخطاب التحريضي وسلبه الشرعية الدينية التي تلبّس بها”.
بن بيه: مركز اعتدال رافد كبير لمواجهة خطاب الكراهية
وفي هذا الصدد استعرض الشيخ بن بيه جهود المنتدى في مكافحة التحريض على العنف من خلال التذكير بالمبادرات الفكرية والميدانية التي اضطلع به المنتدى في تفكيك خطاب العنف، وخاصة مبادرة إعلان مراكش التاريخي لحقوق الأقليات في الديار الإسلامية الذي أصدره المنتدى مطلع سنة 2016، والذي اعتبر من طرف المراقبين نقطة تحول ومرحلة جديدة من محاولات الفهم العميق للتراث الديني لبناء تعايش في الحاضر والمستقبل.
كما استبشر الشيخ عبد الله بن بيه بإنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) في الرياض، معتبرا أنه يمثل رافدا كبيرا لمواجهة خطاب الكراهية.
بن بيه: الإعلام غير المسؤول من أهم محرضات العنف
وفي سياق تحرير مفهوم التحريض، دعا رئيس منتدى تعزيز السلم إلى “ربط مبدأ حرية التعبير الذي أصبح مبدأ مقدسا في الحضارة السائدة بمبدإ المسؤولية عن نتائج التعبير”، مشيرا إلى أن خطاب التحريض الذي تمارسه بعض وسائل الإعلام يعتبر من أهم محرضات العنف ومؤججات الكراهية، مما يستدعي القيام بمراجعة فكرية لمبدأ حرية التعبير بشكل براغماتي نفعي ينظر إلى التأثير الميداني له.
بن بيه: ازدراء الأديان وتدينس المقدسات من أسباب العنف والكراهية
وفي نفس السياق دعا معالي الشيخ عبد الله بن بيه إلى ملائمة القوانين المكافحة لخطاب الكراهية والعنف للبيئات التي يراد تنزيلها عليها، مع مراعاة الخصوصيات والتفاوت بين المجتماعت واعتبار التراكمات التاريخية في كل مجتمع مجتمع. وشدّد الشيخ بن بيه على أن الدعوة إلى حرية ” تدنيس المقدَّس وشتم رموز الإنسانية الذين نؤمن بأن معنى الوجود وصل إلينا من خلالهم، هي من هذا الصنف من حرية التعبير المحرّضة على العنف والكراهية والمؤذنة بخراب النظام العام للمجتمعات”.
بن بيه: التجربة الإماراتية ريادية في مكافحة خطاب العنف والكراهية
وختم الشيخ بن بيه كلمته بالتنويه بالتجربة الإماراتية في معالجة خطاب التحريض على العنف، والتي اتسمت بالواقعية في مراعاة خصوصية السياق المحلي وبوضوح الهدف بسنه قانون لمكافحة التمييز وخطاب الكراهية وازدراء الأديان، يحصن المجتمع ويحميه ضد خطابات الكراهية والتحريض على العنف. هذا ويجدر بالذكر أن هذه المرة الثانية التي تدعو فيها الأمم المتحدة الشيخ عبد الله بن بيه لإلقاء كلمة في فعالياتها، وكانت المرة الأولى في شهر أكتوبر 2015 في قمة القادة لمكافحة الإرهاب. وفِي مايلي نص مجتزأ من الكلمة :
بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلِّ على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى إخوانه من المرسلين. السيد الأمين العام للأمم المتحدة، السيد “آداما ديانغ”، السيد فيصل بن معمر، أيها السيدات والسادة،
إن هذا الموضوع الذي اجتمعنا اليوم للتذاكر فيه مهم في حياة الأمم منذ وضع بنو آدم أقدامهم على هذه الأرض في رحلة الاستخلاف، فمنذ قصّة ابْنَي آدم قابيل وهابيل لم تزل قضية العنف الشغل الشاغل للأنبياء والمصلحين والفلاسفة ورجال السياسة والقانونيين.
ومع ذلك لا يزال العنف بمحرضاته الباطنة والظاهرة والداخلة والخارجة يشكِّل أهمَّ داء لا يوجد له دواء وأهم خلل بل أهمّ فشل للحضارة الإنسانية المعاصرة التي وضعت لأول مرة مصير البشرية بين يدي مخترع إنساني يتمثل في أسلحة الدمار الشامل التي تتحكم بها نزعات الانسان ونزواته، تلك نتيجة تغييب، سؤال الأخلاق: لماذا !
وإنّكم أيها السادة تجتمعون اليوم لمعالجة أحد جذوره الراسخة وتقارعون أحد حصونه الشامخة ألا وهو التحريض على العنف. فالتحريض هو الدعوة المباشرة أو غير المباشرة إلى إعمال القوة بغير وجه حقّ ضد شخص أو مجموعة، لدينها أو لونها أو عرقها أو مستواها الاجتماعي أو أي شيء من ما يميزها.
ورغم تعدّد المقاربات التي تم تناول هذا المفهوم منها – قانونيا وأخلاقيا وفلسفيا– لا يزال مفهوما غائما يثير من الإشكالات ما يستوجب من أهل الاختصاص أن يعيدوا فيه النظر لبيان حدوده وضبط متعلقاته وجلاء الغموض الذي يشوبه باعتبار المعيارية الأخلاقية من جهة والقانونية من جهة أخرى.