صادق مجلس نواب الشعب التونسي الأسبوع الماضي في حضور وزيرة المرأة والأسرة والطفولة، على إلغاء أحكام الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية، والذي يقضي بإيقاف التبعات ضد المغتصب الذي يتزوج ضحيته، علماً أن هذا الفصل لا يستثني القاصرات. وجاء هذا القرار إثر مطالبة المجتمع المدني بإيقاف العمل بهذا القانون الذي يضاعف الضرر المسلّط على ضحايا الاغتصاب.
وكانت تعالت في تونس أخيراً الأصوات المطالبة بإنزال أشد العقــــوبات بمـــــنــفــذي جريمة الاغتصاب وإلغاء كل المواد القانونية التي توفر لهم فرص الإفلات من العقاب.
ونفـذ نـــاشطـــون وسيــاسيون وحقوقيون حملات وتظاهرات من أجل إلغاء الفصل 227 مكرر الذي اعتبره بعضهم «مادة تشرع للعنف ضد المرأة المغتصبة وتجعلها فريسة لقرارات العائلة بحجة التهرب من فضيحة الشرف».
هذه الحملات انتظمت على خلفية إصدار محكمة تونسية قراراً قضائياً يسمح لشاب في العشرين من عمره بالزواج بطفلة في الثالثة عشرة إثر باغتــصابها وتسببه في حملها.
وأثارت القضية استنكار وزيرة المرأة التي سارعت إلى المطالبة بالرجوع عن القرار القضائي وإبطال الزواج وهو ما تم فعلاً، على رغم معارضة عائلة الضحية التي عبرت عن رغبتها في إتمام الإجراءات.
وفي محاولاتها المتكررة من أجل التصـــدي لهذا القانون أمضت 32 جمعية أواخر السنة الماضية على رسالة مفتوحة وجهتها إلى رئيس الجمهــــورية دعته فيها إلى إلغاء الفصل المـــذكـــور، وجاء فيها «إن قرارات تزويج القصـــّر بضحايا الاعتداءات الجنسية أو الاغتصاب من الجناة يمثل خرقاً لفصول دستور تونس الجديد وهتكاً لكرامة الأطفال والقصّر ويمثل اعتداء على حقوقهم في الرعاية والتربية والصحة».
واعتبرت المنظمات الحقوقية بغالبيتها أن القرار القضائي الذي يصب في مصلحة الجاني ويعبث بالسلامة الجسدية والنفســـية للأطفال يعدّ تجاهلاً للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحامية حقوق الطفل ومساً بكرامة المرأة التونسية وتشجيعاً على اقتراف المزيد من الجرائم في حقّها.
وفي حديث مع «الحياة»، اعتبرت الإعلاميــة وفاء الهمامي أن «المصادقة على إلغاء هذا القانون الجائر هي نجــــاح جديــــد يضاف إلى قائمة نجــــاحات منظمـــات المجتمع المدني في تونس، ومكـــسب مهم للمرأة التونسية التي تناضــل في شكل يومي لتحصيل حقوقها والدفاع عن حريتها وكرامتها».
وتضيف الهمامي: «من الناحية القانونية، يلغي هذا الإجراء ظروف التسهـــيل التي كان المغتصب في تونس يتـــمتع بها، والتـــــي كانت تشجع على الإقــدام على ارتكاب هذا الجرم الأمر الذي سينجـم عنه انخفاض في معدل جرائم الاعتداء الجنسي والاغتصاب».
ونجحت منظمات المجتمع المدني في تونس، بمساعدة ناشطين مستقلين وسياسيين، في حسم كثير من المعارك القانونية المتعلقة بالحقوق الفردية والجماعية والحريات.
هذا النجاح تواصل منذ الثورة حيث حافظت هذه الأطراف على لحمتها من أجل خـــدمة المصـــلحة العامة والدفاع عــــن حقوق الفئات الضعيفــــة والأقليات والتصدي لمحاولات بعض الأطراف السياسية والأجهزة الأمنية التضييق على المواطنين والحد من حرياتهم التي تم تضمينها بوضوح في الدستور.