فوز بوتفليقة وردّ ‘القاعدة’
الثلاثاء, 22 أبريل 2014 16:28

في اليوم نفسه لاعلان فوز عبد العزيز بوتفليقة ‘الكاسح’ (السبت الماضي) ردّ مسلّحون يرجّح انهم من تنظيم ‘القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي’ بهجوم أدى الى مقتل احد عشر جنديا واصابة آخرين في كمين بتيزي وزو شرق العاصمة الجزائرية.

يلخّص هذا الخبر المؤلم المصير الذي ينتظر الجزائر التي قرّر حكّامها الاستمرار في النهج نفسه الذي سارت عليه البلاد منذ 15 عاماً، مبشّرا 38 مليون جزائري بتفاقم مضطرد لهذا ‘الاستقرار’ الطويل الأمد الذي يرزح تحته أبناء البلد الأكبر مساحة في افريقيا، والذي يتمتع بامكانيات اقتصادية قلّ نظيرها.

على عكس البلدان القريبة منها، استطاعت الدولة العميقة في الجزائر صدّ مفاعيل الثورات العربية، مستثمرة في رصيد الألم الجزائري أثناء العشرية السوداء الدامية والتي بدأت عام 1992 وكرّست بالقوة فكرة امتناع الديمقراطية في الجزائر، ولم تكتف بذلك بل صارت أحد أكبر المساندين للتنظيمات الاستبدادية ضد شعوبها، كما فعلت في الشأنين الليبي والسوري.

بالمقابل، فقد عجزت النخبة الجزائرية عن الخروج من الدائرة المغلقة لهذا الاستقطاب، فتجربتا الديمقراطية والثورة، تفضيان بالنتيجة الى تصادم هائل مع الدولة الجزائرية العميقة، فكلا الثورة والديمقراطية لا يملكان عمقا إقليميا أو عالميّا داعما لهما وحاميا لإنجازاتهما، فالموضوع الجزائري، بسبب الجاليات المغاربية الكبيرة في اوروبا، هو موضوع أمني اوروبي بالدرجة الأولى، وأوروبا مستعدة دائماً للتنكّر للديمقراطية وحقوق الإنسان اذا رأت مصالحها مهددة.

انسداد الأفق هذا فتح الطريق أمام منظومة الفساد والقهر للتحكّم بالجزائريين، وأقفل طرق النضال السلمي والمدني، وهي المعادلة المثلى لقيام وازدهار التنظيمات المتطرفة. هذه المنظومة التي تتعيّش على ثروات هائلة من الغاز والنفط واحتياطي كبير من العملات الصعبة يزيد على 180 مليار دولار وتعشش في كل دوائر الكسب حصدت طيفاً كبيراً من الانتهازيين السياسيين الذين تجمعهم مصلحة استمرار منظومة الأمن والفساد المالي حتى لو كان ممثلها، بوتفليقة، واقفاً على صراط بين الحياة والموت.

هذه الثروات الجزائرية الكبيرة تتجه صعوداً بطبيعتها نحو إغناء الأغنياء وافقار الفقراء فيما تتوزع هوامشها الصغيرة على المنافحين والمتكسبين وتستخدم في شراء الولاءات مما يشكل اساءة كبيرة لمئات آلاف الشهداء الذين قتلوا لتحرير الجزائر من الاستعمار، ليقع ابناؤهم تحت حكم الاستبداد.

فوز بوتفليقة المبرمج لا يمثّل بالتأكيد أصوات الجزائريين الطامحين الى بلد يتمتع أبناؤه بالكرامة والحقوق الطبيعية للبشر والعدالة الاجتماعية وحكم القانون بل يمثّل تكالب المنظومة الحاكمة على تثبيت مرشحها الأنسب لمصالحها، لكنه أيضاً يدلل أيضاً على إحساس بالعجز عن التغيير او حتى بعدم الرغبة في التغيير خوفاً من عودة الايام الصعبة السوداء التي مرّت بها الجزائر.

واذا كان هذا شعور نسبة من الجزائريين فهو دليل أيضاً على إحساس باليأس من البدائل الموجودة بمن فيهم المرشحون الآخرون، الذين تعرّض بعض مندوبيهم الانتخابيين الى الإهانات، مثلهم مثل بعض ممثلي بوتفليقة ورموزه.

إصرار منظومة بوتفليقة على ‘تحنيطه’ في صيغة الرئاسة لولاية رابعة مجازفة خطيرة جديدة بتاريخ الجزائر ومستقبل أبنائها.

 

رأي القدس