المهاترات العلنية على حساب القضية الفلسطينية
الاثنين, 29 ديسمبر 2014 01:09

altد. ناصر عبد الرحمن الفرا كم هو مخجل ما يعيشه الشعب الفلسطيني أحياناً من مهاترات أبطالها بعضاً من القيادات المفروضة عليه بدون أدني خاطر أو أي سند شرعي أو قانوني. بين الحين والآخر وهذا الشعب منبهر من تدني مستوى سلوك بعض من هؤلاء، ما يعكس ذلك من حقيقة انحدار مستوي الإدراك الوطني.

من يعرف عن قرب وكثب كثيراً من العاملين فى المؤسسات الوطنية على دراية بأن مثل ذلك ليس بجديد أو غريباً عليهم، خاصة وأن نسبه عالية منهم لا تملك الحد الأدنى من المؤهلات التى تمكنهم من التصرف بشكل أخر، ناهيك عن تبؤ أقل المناصب وزناً للدفاع وإدارة شؤون القضية الوطنية.

لكن هو القدر وما يخفيه من لعنات تظهر أفرازاتها أحياناً لكي تثبت فعلاً أن الشعب الفلسطيني شعباً مغلوباً على أمره، غير قادراً على السيطرة على زمام المبادرة وأن من يمثلونه لا يعكسون غالبية الأحيان رغباته وتطلعاته. بل وليس على حجم المسؤولية الواقعه على عاتقهم. رغم ذلك أثبت أنه شعباً متعالي عليهم وملتزم بسموا بقضيته، يدافع عنها وعن خيره رجالها حين يواجهون حقاً وفقط المحتل.

أما في ما دون ذلك فهو لهم بالمرصاد. من الخطأ أن يعتقد شخصاً ما أنه هو بذاته القضية وأن القضية ليس سواه. المؤسف جداً هو أن بعضاً من هذه القيادات لا تعي، لا تقيم ولا تفرق بين كل هذا وذاك. والمؤذي أنها تتعامل مع قيادات دولية وإسرائيلية على درجة فائقة من الوعي ومستوي هائل من المقدرات، المعرفة والخبرة.

أي مقارنه بين فحوي النبذة الذاتية فى المجال السياسي، العسكري، الأمني، الدبلوماسي، الاقتصادي، الثقافي والمدني، تثبت بأن من يدير شؤون الشعب الفلسطيني، مقارنة بمن يدير شؤون الشعب اليهودي، أدني بكثير من المستوي المطلوب. بالتالي لا يمكنها أن تكون على حجم الحدث وقدرة التعامل مع الصديق قبل العدو.

 التدني الواضح في مثل هذه المستويات يدفع بأمثال الكثير منهم إلى التخبط حيناً وتجاوز حدود المنطق حيناً أخر.

وما يزيد المشكله تعقيداً هو ظن كل من فاوض يوماً، ناضل، حمل السلاح أو دخل السجون مؤهل لقيادة كافة المؤسسات الوطنية وبشكل دائم. وهذا، رغم التقدير البالغ لجميع هؤلاء، خطأ واقع. مثل هذا العمل يتطلب مقدرات تفوق وتتجاوز ذلك.

بمعني أن مقارعة العدو شيء وتأسيس الدولة الحديثة، الرقي بالإنسان، ضمان الرفاهية، العدالة الاجتماعية، النمو الاقتصادي وإرساء دولة الحريات والقانون شيء أخر يتطلب كفاءات، خبرات ومعرفة عالية ومتنوعة.

كافة المؤسسات الإسرائيلية تعمل على هذا الأساس لذلك تراها متفوقة على غيرها فى كل واحده من المجالات المذكورة سابقاً. ما أثبت فعلياً هو أن من يتعامل مع شؤون الشعب الفلسطيني يتعامل معها بطريقة لا تخلوا كذلك من النعرات والعنجهيات اللاعقلانية. والأهم، تحوم حول بعضاً منهم شبهات بعدم حفظ الأمانة والعهد الوطني. وهذه مأساة يجب أن يحاسب عليها قانونياً وأدبياً كل من يثبت عليه صدق القول.

في لحظة معينه من تاريخ هذا الشعب مثل ذلك كان يستحق وتقع عليه أحكاماً فاصلة، لا رحمة فيها ولا شفقة. من يدرس مسار التاريخ يعلم بأن ذلك يحدث فجاءه وبطريقة غير منتظره. حالياً المؤكد هو أن هنالك رجال ونساء من هذا الشعب يتضرعون إلى الله بأن تكون هذه اللحظة عاجلة وليس أجلة. مثل هذا الدعاء يتفاقم فى غياب مؤسسات قادرة على وضع حد للتجاوزات الفردية ومحاسبه كل مخالف للحدود القانونية وللمصالح الوطنية.

أي دراسة لعقلية البعض ممن يزعمون التحدث باسم الشعب الفلسطيني تسمح بمعرفة درجة السذاجة التي وصل لها كثيراً منهم. من المؤكد أن العدو قد قام بمثل هذه الدارسة ويعلم نفسية ومؤهلات كل من يتعامل معه بشكل مباشر أو غير مباشر. كذلك على دراية بمجري الأمور وما لها من تأثير فى صناعة وأخذ القرار. ما يقال هنا ليس مجرد اعتقاد وإنما معرفة قائمة على شهادة أحد خبراء التحليل النفسي تابع عن كثب منهجية القيادات الإسرائيلية، والذي أكد بأنها تقوم قبل وبعد التعامل مع القيادة المختلفة بمثل ذلك لدعم مواقفها واستغلال نقاط القوة والضعف فيها.

فى الوقت التى تعمل إسرائيل على هذا الأساس، القائم على التعمق فى ذات الآخر، نقوم نحن ونسهل لها المهمة من خلال سلوكيات فاضحة تفوق فى حدتها معايير المنطق وتساهم فى فهم التركيبة الذهنية لبعضاً من القيادات الوطنية.

تركيبة حسب ما أتضح، أنها لا تخلوا من عدم الثبات، التناقض، الانفصام والتشرذم. علمياً مثبت بأن حين يتراكم كل ذلك يحاول الشخص تعويض مختلف أوجه النقص من خلال زيادة حده الفصحنة، الفشخرة والفهلوانية. ما يحدث بين الحين والآخر من مسابقة ردح واتهامات بين كثير من الشخصيات الوطنية سيثبت لإسرائيل صحة دراسات وأهمية تحاليل خبرائها المختصين بالتحديد فى علم السيكولوجية السياسية.

بل وسوف يسمح لها أيجاد أنجع الطرق للتعامل مع الغير ومع من هم من حولهم، بما يصب فى مصلحه شعبها. وهذا يا سادة أحد أعظم الأخطار القائمة في علاقة المواجهة مع العدو، وبالتالي على مصير قضيتنا. كيف لا يكون ذلك إن كان القائمون عليها غير قادرون على كتمان العيوب والأسرار من جهة وحماية طرق العمل والأهداف الوطنية من جهة أخري. فى عالم السياسية، أحياناً الجزء الأول يفوق فى الأهمية الجزء الثاني.

ما لا يمكن انكاره هو أن هذه الشخصيات لا ينقصها الخبث والدهاء. لكن، وهنا السر، تستغل هذه الصفات، إضافة، لأسم الحركة ولخيرية رجالها، بهتاناً وبهدف تصفية حسابات تتجاوز المصلحة العليا. بمعني، يتم الاستشهاد بالواقع وبالإرث التاريخي كوسيلة يضرب كل طرف بها عنق الطرف الآخر وليس كغاية تمجد بحد ذاتها. وما تبقي دون ذلك، رغم أهميته، فمجرد مزايدات بينهما على حساب القضية وبفعل مفعول المصلحة الشخصية.

لقد أثبت الشعب الفلسطيني من خلال عدم استدراج غالبيته أنه أرفع بكثير ممن يزعمون أنهم قياداته. هذا الشعب بريء تماما من أفعالهم وأقولهم الخادشة للحس الوطني. من الأفضل عدم الدخول فى فحوي الشتائم والتهم المتبادله التي تظهر بعض الأوقات، لأن ذلك يعمق الجرح ويؤذي الأخلاق والضمير العام.

وبغض النظر عن صحة ما يقول كل واحد منهم بحق الأخر، المثبت واقعياً هو أن الكثير منهم يعري نفسه بنفسه، ما سمح وسيسمح للعدو والصديق الحكم عليهم من خلال التعابير والأساليب المستخدمة.

بصراحة من يتابع تعليقات أبناء الوطن على كل ما حدث لاحظ أنهم أكثر ادراكاً ووعياً منهم. وأن ما تفهوا به ليس سوي اسقاطات تتم رغماً عن رفض الشعب لها ولهم. بلا شك، الظروف العارضة التى أوجدت أمثال هؤلاء في اماكن معينة سوف توجد حتماً من هم أرقي منهم حساً، التزاماً ومسؤولية.

خاصة وأن الشعوب تتعلم أكثر ما تتعلم من أخطائها. بغض النظر عن بعض مسيرات الدعم المحركة من قبل هذا أو ذاك، فأن عامة الفلسطينيين، التى لم تساندها بتاتاً، تشعر بالخجل والاشمئزاز من كل ما يدور فى العلن ومن خلف الكواليس.

فعلاً أنه شعب لا يستحق بتاتاً كل ما يجري له من كسرة خاطر. المؤكد أن معظم أهلة يسألون الله فى السر والعلانية بأن يدفع أمثال هؤلاء ثمن من قاموا به من أهانه لعزة ولكبرياء هذا الشعب. وأن يتغمد كل شهيد، فقيد، محروم، جائع ومشرد فلسطيني برحمته وأن لا يحشرهم معهم يوم العرض عليه. هذا ما يُطلب من الله.

أما من عامة الناس، عليها توخي الحذر وعدم الانزلاق نحو متاهات الغدر المتبادل ومساندة القوي السالبة للإرادة وللثروة العامة. وأن لا تعطي فرصة أخري لأمثالهم لتبوء مراكز الصدارة وشرف الدفاع عن قضيته السامية.

لأنهم حقاً غير مؤهلون لذلك. الشعب الفلسطيني شعب واعي ودرجة ذكاءه تفوق الواقع والخيال، وما عليه أثبات ذلك فعلاً وليس فقط قولاً. وسوف يأتي اليوم على ذلك.

بدورة مطلوب من كافة القوي المدنية وسائل الإعلام، والتى معظمها على دراية بكثير من أسرار وفضائح هذه القيادات، أن تساهم على خلق بديل واعي وقادر على إدارة دفة الأمور بحزم ونزاهة. بصراحة لقد فاض الكيل منهم ومن المحتل فى أناً واحد.

وقد حان الوقت لكي يحاسب هؤلاء انفسهم قبل أن يأتي زمن محاسبتهم. وليكن عندهم شيء من النخوة ويتركوا هذا الشعب وشأنه، حفاظاً على كرامته ومستقبله. خاصة وأن الغالبية العظمي منه تعتقد بأنهم أضحوا عباً وعاله عليه، وبالتحديد على الطبقات الصابرة، المناضلة والكادحة منه. هذا الشعور هو الشعور العام الجارف. من المؤكد أنهم على دراية والماماً تاماً به.

إذا كانوا فعلاً يعشقون هذا الشعب كما يزعمون، فمن الأحرى عليهم عدم الاستمرار في المهزلة القائمة وترك الساحة لمن هم أكثر كفاءة وحرصاً على مصيره ومصير قضيته العادلة.

*كاتب فلسطيني-إسبانيا د. ناصر عبد الرحمن الفرا

فيديو 28 نوفمبر

البحث