أزمة بين الجزائر وموريتانيا؟
الثلاثاء, 28 أبريل 2015 14:34

آراء الكتاب- توفيق رباحي

موريتانيا طردت الأربعاء الماضي دبلوماسياً جزائريا. والجزائر ردت، يوم الأحد، بالمثل. هذا آخر فصول العلاقات العقيمة بين الدول المغاربية. وهو كذلك آخر فصول العلاقات الجزائرية المتقلبة مع أكثر من جار: علاقات في مرحلة

 تشبه العداء مع المغرب، غامضة وغير مفهومة مع ليبيا، باحثة عن هيمنة مع مالي والنيجر، طبيعية إلى حد ما مع تونس، وهادئة مع موريتانيا. الحكومة الموريتانية اتهمت المستشار الأول بالسفارة الجزائرية بنواكشوط، بلقاسم شرواطي، بالوقوف وراء مقال يتهم المغرب بإغراق مناطق شمال موريتانيا بالمخدرات، فصُنّف ذلك إساءة للعلاقات المغربية الموريتانية.

للتذكير فقط، موريتانيا كانت طردت قبل أربع سنوات مدير مكتب وكالة الأنباء المغربية الحكومية في نواكشوط بعد اتهامات بنشر مقالات تسيء لعلاقاتها مع الجزائر. واضح إذاً، أنه المغرب مرة أخرى! لم يعد ممكنا ان تحدث ازمة في المنطقة المغاربية تكون الجزائر طرفا فيها ولا يحضر المغرب.

ولا يمكن أن تحدث أزمة يكون المغرب طرفاً فيها ولا تحضر الجزائر. أي دليل أكثر من هذا على مستوى التسمم الذي بلغته العلاقات الجزائرية المغربية، وتأثيرها السلبي الفادح على الجوار؟ بصعوبة تستطيع موريتانيا الحفاظ على علاقات راقية، وطويلا، مع الجزائر والمغرب في آن واحد، فعلاقات جيدة مع هذا تؤدي إلى عدم رضا ذاك وإلى شعوره بأن تلك الجودة هي على حسابه. في العادة، العلاقات الموريتانية الجزائرية سوّية تصل أحيانا إلى درجة القريبة من الجيد.

ذلك ان البلدين يختلفان في الطموح، ولا يتنازعان نفوذاً أو همينة استراتيجية، ولا يتصارعان على حدود أو أرض. إضافة إلى أن البلدين لا يتوفران على ما يسمم علاقاتهما منذ نفضت نواكشوط يديها من ملف الصحراء الغربية، وإن كان انسحابا لم يرق للجزائر او لم يكن كما تمنته الأخيرة لأنه اتاح انتشاراً أكثر للمغرب على الأرض. في السنوات الأخيرة لوحظ تنسيق جزائري موريتاني لافت في ملفات إقليمية، إفريقية بالتحديد. ثم أُضيف ـ نظريا ـ سبب آخر لتقارب محتمل بين البلدين، هو التعاون الأمني والتنسيق في محاربة التنظيمات الإسلامية المتشددة التي تتحرك في الصحراء المتاخمة للبلدين ومالي والنيجر.

أقول نظريا، لأن التعاون الأمني يبدو مفروضا املته الظروف ومصلحة البلدين وضغوط القوى الغربية، ولم يكن قراراً سياديا إراديا اختاره قادة البلدين. وهو ليس ميزة أو استثناء، فكل الدول تقريبا تتعاون ثنائيا وإقليميا منذ أصبح التهديد الإرهابي يرعب القارات الخمس. لقد بات الجميع ينسق مع الجميع، حتى الاعداء في ما بينهم، وحتى مع إسرائيل.

إذاً لا فضل للتنسيق الأمني في التقارب بين البلدين، ولا يمكن التعويل عليه. الفضل في مكان آخر: أحد أسباب تطور العلاقات الجزائرية الموريتانية في السنوات القليلة الماضية، فتور العلاقات الموريتانية المغربية.

صحيح أن الأمر لم يصل إلى درجة الأزمة بين البلدين، لكن أيّاً منهما لم يستطع إخفاء الفتور الذي لف هذه العلاقات منذ وصل الرئيس محمد ولد عبد العزيز إلى الحكم في نواكشوط بانقلاب عسكري على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله في الأسبوع الأول من آب (أغسطس) 2008. اللافت أكثر أنه برود في علاقة زعيمي البلدين اللذين يتأخران في تبادل الرئاسل ويتعمدان عدم إخفاء الفتور. هل هي صدفة أن ولد عبد العزيز لم يقم بزيارة رسمية للمغرب على الرغم من كل هذه السنوات التي قضاها في الحكم؟ علما انه خريج المدارس العسكرية المغربية وله صلات شخصية وعائلية مع أسر في المغرب.

وهل هي صدفة أن تبقى السفارة الموريتانية في الرباط بلا سفير سنتين أو أكثر؟ لكن 2008 ليست البداية بل فصل آخر يضاف إلى فصول سابقة من علاقات (بين الرباط ونواكشوط) لم تكن دائما سليمة ولم تشهد تطبيعاً طويلا وثابتا وقويا. قبل آخر الانقلابات في نواكشوط بكثير، هناك حالة نفسية تعود نحو نصف قرن إلى الوراء عنوانها الطموح المغربي جنوباً والذي جعل مكونات سياسية رئيسية في المغرب ترفض الاعتراف باستقلال موريتانيا ولا تخفي نواياها التوسعية تجاهها.

وبعد ان أصبح استقلال موريتانيا أمراً واقعا وتقبله طيف من المغاربة على مضض، تحولت نواكشوط إلى عاصمة انقلابات لا تختفي إلا لتعود، وفي كل مرة تتجه الأنظار إلى الرباط وموقفها من الواصل للحكم بانقلاب، وكيفية تصرفها مع المطاح به. وفي كثير من المرات تناهى إلى مسامع القادة الجدد في نواكشوط أحاديث عن مواقف مغربية لا تريحهم. وفي ثمانينيات القرن الماضي وصل الأمر إلى القطيعة الدبلوماسية. هذه التفاصيل وهذه العلاقة المتقلبة بين نواكشوط والرباط هي التي من شأنها دفن الأزمة الناشئة قبل أيام بين الجزائر وموريتانيا في المهد.

المنطق يقول ان البلدين سيعملان على تجاوزها بسهولة. ليس من مصلحة الجزائر فتح جبهة أخرى مع جوار متوتر ويبعث على القلق، ومن ثمة زيادة احتمال ارتماء موريتانيا في الحضن المغربي. وليس من مصلحة موريتانيا إضافة عداء الجزائر إلى سجلاتها بينما لا يبدو في الأفق ما يفيد بتحسن علاقاتها مع المغرب. ولذا لن يكون مستغربا ألا نسمع عنها تصعيداً في وسائل إعلام البلدين في المدى القريب. هذا بالمنطق والعقل، أما إذا غاب الاثنان أو أحدهما، فكل شيء وارد.

٭ كاتب صحافي جزائري

توفيق رباحي

نقلا عن القدس العربي

فيديو 28 نوفمبر

البحث