في محاولة منها للتصدّي لمسألة حصار الدول الأربع لها، قامت قطر الاثنين الماضي بتقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية تعتبر ما تقومه السعودية والإمارات والبحرين ومصر ضدها مخالفاً لقوانين هذه المنظمة.
الدول الأربع ردّت طبعاً بزعم أن الإجراءات الاقتصادية والمالية التي تقوم بها ترتبط بقضايا الأمن القومي لتلك الدول وليس بممارسات عقابية وانتقامية هدفها إخضاع القرار السياسي والإعلامي للدوحة.
كان الأمر متوقعاً بالطبع، ولكن ما كان غير متوقع هو وقوف الولايات المتحدة الأمريكية للدفاع عن تلك المزاعم بتأكيدها، هي أيضاً، على أن منظمة التجارة العالمية «يجب ألا تفصل في قضايا تتعلق بالأمن القومي»!، وهو أمر يتناقض أشد التناقض مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون الذي كان موجوداً شخصياً في قطر قبل يوم واحد من جلسة منظمة التجارة العالمية المذكورة للمساهمة في حل الأزمة الخليجية.
حسب أقوال وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أبلغ الدول المعنية «أن الوقت قد حان لإيجاد حل لهذا النزاع»، وأن الولايات المتحدة مستعدة «لتيسير الحوار، إما من خلال تيسير المفاوضات، أو وضع خارطة حل».
ليست هذه المرة الأولى طبعاً التي يتناقض فيها موقف الخارجية الأمريكية مع جهات رسمية أمريكية أخرى، والعادة المعروفة أنه كلما أدلى مسؤول أمريكي كبير برأيه في قضية خطيرة، أكانت بشأن الأزمة الخليجية أو غيرها، يخرج مسؤول أمريكي آخر (غالباً ما يكون الرئيس ترامب نفسه) ليناقض ما قيل وليوقع صورة السياسة الأمريكية حول شؤون العالم في التباس عظيم.
تصريحات تيلرسون الأخيرة لم تكتف باقتراح قيام واشنطن بتيسير الحوار ووضع خارطة حل له بل ألقت بشكل واضح باللوم على المملكة العربية السعودية وأقرّت بأن ولي عهدها محمد بن سلمان هو وراء امتناع الحوار، ولكنّها، من جهة أخرى، أشارت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقوم بضغوط حقيقية لتغيير موقف المملكة.
قام تيلرسون أيضاً بكشف أحد التناقضات الكبيرة في موقف دول الحصار فيما يخص الموضوع الإيراني، بتوضيحه أن مواجهة التدخلات الإيرانية الواسعة في المنطقة العربية تستلزم توحيد المواقف الخليجية، وبحصار الدول الأربع لقطر فإن المجال الجغرافي الوحيد الذي ترك لها كان المجال الإيراني، وبدلاً من حصار إيران فإن الدول الأربع قامت عملياً بدفع قطر للتعاون معها، وهو ما يعني اضطرار قطر أيضاً للانفتاح أمام التجارة الإيرانية، وهو أمر يضرّ بالاستراتيجية السياسية للولايات المتحدة الأمريكية، ولكنّه يضر بمصالح الدول الأربع أكثر.
وإذا كان تيلرسون قد استطاع شرح هذه المفارقة في مزاعم دول الحصار فإن وقوف ممثلي بلاده في منظمة التجارة العالمية يكشف بدوره المفارقة في مزاعم وزير الخارجية الأمريكية أيضاً، فالموقف المنطقيّ بعد تصريحات تيلرسون الواضحة كان وضع الدول الأربع أمام تناقضاتها، ولكن الذي حصل فعليّاً هو العكس.
رأي القدس