في ظل بزوغ شمس الدولة الموريتانية الفتية البلد الذي يمتلك كل المقومات الضرورية التي تبوئه مكانة لائقة في محيطه الإقليمي البلد الغني بثرواته الطبيعية من ذهب وحديد ونحاس وسمك وثروة حيوانية إلى مساحات زراعية كبيرة صالحة للزراعة، ظهر في تلك الفترة حراك شبابي يطالب بالمساواة وبالعدالة الاجتماعية تبلور لدى هذا الحراك اتجاه وحدوي نتج عنه ما يعرف — بالكادحين — وكانت هذه الحركة تتميز بإطار تنظيمي يؤهلها بأن تترك اسمها من ضمن الحركات الإيديولوجيات التي ناهضت العبودية بكفاءاتها وتمكنت من خلق حاضنة شعبية لها ميدانيا بفعل الاحتكاك الميداني وبملامستها هموم الطبقات الهشة. فلم تكن هناك قواعد منظمة ومفسرة للسلوك السياسي لهذه للحركة فقد كانت مدرسة شعبية لا تمارس السياسة بمعناها العلمي ولكنها شكلت حاضنة للتكوين وللتأطير بحيث خلقت جيلا بالنسق السياسي والثقافة السياسية ومدركاً لها، وأهلت الفرد لكي يصبح مواطنا سياسيا يمتلك القدرة على التفاعل الايجابي ضمن نسق سياسي معين ولذلك لم يشفع لهذه الحركة النظام الذي اعتمدته ويحافظ لها على الاستمرارية في هذا النظام المخالف للبيئة السياسية آنذاك في التنشئة السياسية بدعمها الوحدة الوطنية وترسيخ روح الاندماج القومي الذي ساهم في رأب صدع الوحدة الوطنية ناهيك عن مساهمتها في تجسيد شعور قوي بالهوية الوطنية. فالوطن هو القاسم المشترك والجامع لهذه الحركة فأرغمت بذلك السلطة الحاكمة على وضع استراتيجيات للتنمية وخضعت للمطالب وقامت بتخطيط لها في المستقبل. وفي ظل الأنظمة المتعاقبة ومع إقرار التعددية السياسية والإعلامية المفروضة من الغرب ظهرت بفعل تلك التعددية حركات إسلامية لكنها عاشت ضمورا سياسيا وخمولا ميدانيا حيث كانت تعاني من ضبابية حادة في الرؤية في تعاملها مع النظام القائم آنذاك وقد يرجع ذلك لعدم الواقعية السياسية لهذه الحركة. فهي كانت مدعومة خارجيا وعن طريق تجمع سياسي دولي وغاب عنها النسق الاجتماعي والتركيبة الـ “جيو ثقافية” وسياسية للمجتمع الموريتاني مما أصابها بعزلة طيلة الفترات الماضية وبالتضييق من طرف السلطة الحاكمة مما أدى إلى مطالب تدعو والتكيف مع متطلبات الواقع، ولمعرفة سيكولوجيا الجمهور وانطلقت من عملية عقلانية في فهم الواقع واستطاعت تفسيره والتفاعل معه ولم يخطئوا في قراءة الواقع بعيدا عن الأحلام السياسية، وفهمت بذلك قواعد الممارسة السياسية فكانت تستوعب وتتنازل و تتحالف وتتجنب وتهادن وتواجه من أجل المكاسب السياسية، ولكنها لم تكسر البراديغمات الثابتة بعلاقة المواطن بالسلطة والتي بنيت على ثقافة المنفعة والخوف من المعارضة بسبب الجماعات الضاغطة التي تحركها السلطة والتي تتحكم بها في سلوك الأفراد، ووظفتها من أجل الانتصار السياسي، وهذه الجماعات الضاغطة مثل القبيلة والجهة تأتمر بأمر السلطة الحاكمة، ولم تنجح هذه الايدولوجيا في إحداث قطيعة مع الثقافة السياسية السلطوية الموروثة عن الأنظمة السابقة مما أحدث عائقا سد الطريق أمام احتمال التحول الديمقراطي فانصرفت هذه الحركات لكي لا أعمم إلى ترميم البيت الداخلي والانشغال بثقافة التناوب السياسي كنوع من التكريس الديمقراطية الداخلية فجميع هذه الإيديولوجيات والانتماءات السياسية لم تكن قادرة على توافق سياسي تعمل من خلاله على تذويب الصعاب وتنأى بنفسها عن مسار البرغماتية السياسية الضيقة