الدكتور محمد بكر
تتوالى ثمرات التعاون السعودي الاسرائيلي بالنضوج تباعاً، نتلمس يقيناً أن اللقاءات بين مسؤولين سعوديين ونظرائهم الاسرائيليين لم تأت من فراغ مطلقاً لامن حيث التوقيت أو حتى المضمون، لن يقنعنا كل ماقدمه السيد أنور عشقي من مبررات وذرائع لجهة أن زيارته للأراضي المحتلة كانت بصفة شخصية أو لحضور فرح لابن مروان البرغوثي كما قيل، أو حتى لمناقشة مبادرة السلام العربية مع السلطة في رام الله،” فالظاهر ” أعظم، وجملة الممارسات والسلوكيات السياسية التي تبديها المملكة تشي بالضرورة عن سيل من الخطوات تم المباشرة بها فعلياً على الأرض للذهاب بعيداً إلى حيث جر المنطقة إلى سيناريوهات خطيرة، مساراتها ووجهتها الجغرافية الإيرانية تحديداً، مصدر مطلع كان قد كشف لصحيفة المنار المقدسية نقلاً عن تقارير أمنية بأن مناورات سعودية – إسرائيلية جرت قرب الحدود الأردنية بالتوازي مع مناورات اسرائيلية أميركية في النقب، وأن طائرات إسرائيلية تحط بالجملة في قواعد عسكرية في السعودية، هذه المناورات التي لن تجلب لنا أي قناعة أيضاً بأن هدفها هو القضاء على تنظيم ” الدولة الإسلامية” أو حتى مواجهة الإرهاب، فكلا الطرفين يتحدثان بزخم، وفي مناسبة وغير مناسبة عن الخطر الإيراني ونفوذه المتغلغل في المنطقة، وكيف ترى العربية السعودية في الجمهورية الاسلامية داعماً للارهاب نتيجة تدخلاتها في الشؤون العربية، وكذلك أعلن المسؤولون الإسرائيليون غير مرة أن إيران تشكل تهديداً لاسرائيل أشد من تهديد داعش لا بل ذهبوا لأبعد من ذلك عندما وجدوا أن الأخيرة لا تشكل أي تهديد حقيقي في المرحلة الحالية للمصالح الإسرائيلية.
في الملف السوري كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية العامل الرئيس في نسف أي نجاح سعودي على الأرض، وكذلك في الملف اليمني الذي بات كمسلسل الرعب الذي يجثم على الصدر السعودي لجهة مآلاته المحرجة جداً للعربية السعودية وتحالفها في اليمن، من هنا تقرر السعودية ربما وعبر البوابة الإسرائيلية نقل المعركة إلى جبهة إيران ولاسيما بعد الخذلان الأميركي للرغبات السعودية في توجيه ضربة عسكرية للدولة السورية خلال أحداث الغوطة والقصف الكيماوي للمنطقة، وما شكله الاتفاق النووي الإيراني من نكسة للسياسة السعودية وما استولده من تحول في لهجة الخطاب الغربي تجاه ايران، هذا القرار الذي يبدو بالفعل بمثابة ” ردة فعل المهزوم ” الذي غالباً ما يهرول أمام هزائمه باتجاه مطارح خطرة جداً، فالتحول في الاستهداف وصولاً لجبهة ايران يعني اشتعال المنطقة برمتها وهي المشتعلة أصلاً، ولكن نقصد امتدادات نيرانها وانتشارها، ومن هنا نقرأ ونفهم الاتهام الايراني الرسمي للمملكة بأنها ترسل الارهاب إلى إيران عبر اربيل وذلك خلال العملية الأمنية الأخيرة لطهران التي أجهضت خلالها محاولة كبرى لتنفيذ سلسلة تفجيرات في الداخل الإيراني، وإن كل الأحداث والمشاهد الأمنية التي يتم الاعلان عنها داخل إيران هي بمنزلة الإيذان لنقل الفوضى للداخل الإيراني وما سيشكله من أرضية ممهدة في المستقبل لاستهداف مباشر.
النقطة الأهم في اعتقادنا في تلك الجزئية هو ماستفرزه الانتخابات الأميركية، سيما وأن محللين ومراقبين كانوا قد أكدوا أن السعوديين ينتظرون بفارغ الصبر انتهاء ولاية أوباما.
نعتقد أن نظرية تركي الفيصل فيما سماه العقل العربي والمال اليهودي قد بدأت تؤتي أكلها، وإن الحماسة والاندفاعة التي أبداها الأمير الفيصل خلال مؤتمر المعارضة الإيرانية في فرنسا والتي تجاوزت كثيراً في مستوياتها ومعدلاتها قيمة مثيلاتها في نفوس المعارضين الإيرانيين أنفسهم، قد بدأت ترسم خطواتها قدماً.
ربما لن يطول الزمن حتى تمزق إيران الاتفاق النووي كما أعلن سابقاً مرشد الثورة اذا ما أخلت به الولايات المتحدة والتي يبقى هدفها ثابت( أي أميركا) في اسقاط النظام الإيراني لكن التكتيك يختلف، بحسب ماوجده ممثل المرشد علي سعيدي، فالحضور الإيراني القوي في جبهة سورية والعراق، قد يُصرف ثمناً باهظاً في الداخل الإيراني غير البعيد عن العين الأمريكية لجهة استهدافه والعبث به، وبرغم مما تباهي به طهران من قدرات صاروخية نوعية لن تعرف في اعتقادنا قاعدة المكان والوقت المناسبين إذا ما تعرض الداخل الإيراني لهزات كبيرة، إلا إن عليها أن تقلق.
* كاتب صحفي فلسطيني مقيم في ألمانيا.