في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، في دورتها الواحدة والسبعين، انتصب الرئيس الأمريكي في هيأة قديس رحيم، ليوجه "وابلا" من المواعظ إلى أعضاء الجمعية، ومن خلالهم إلى شعوب العالم. ولقد ظهر أوباما ، في تبتلاته، نظير ذلك السنور ، في قصة الأطفال، الذي جاء ، يوما، إلى رئيس الفئران ، وزعم له أنه قادم من حجه إلى بيت الله في مكة، وأنه قد تاب مما فعل من سيئات في حق الفئران ، وحق كل من لحق به أذى منه. وهو الآن يدعو إلى التعايش والسلم بين السنورات والفئران. فاستمع إليه رئيس الفئران باهتمام بالغ وحذر شديد. وبعد أن أنهى السنور موعظته ، توجه كبير الفئران إلى بني قومه ، قائلا: [ السنور الحاج عاد من حجه كما يزعم ، وأمارات الحج بادية عليه: فعيناه تقدحان بشر مستطير ، وهو أكبر لياقة على الانقضاض على طرائده. وما أنصحكم به هو أن من له " غار" فليعمل على تعميقه وتعريجه ، ومن ليس له " غار" فليبادر إلى حفره ]. فالرئيس الأمريكي ، الذي تحدث ، طويلا، عن الانسانية وقيمها المشتركة، وعن ضرورة احترام القانون الدولي والتعاون بين الشعوب ، يكذبه تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، البعيد منه والقريب. هذا التاريخ ن الذي كتبت سطوره الأولى بدم الهنود الحمر ( السكان الأصليون لأمريكا)، ومن بعد، بدم الزنوج ( السود) الذين جلبوا، مقرنين في الأصفاد ، أرقاء، إلى أمريكا. لتتواصل كتابة جميع فصول هذا التاريخ بالدم وإبادة الشعوب وتحطيم الحضارة البشرية ، في كل مكان وطئته أقدام الغزاة الأمريكيين. فلا يخلو مكان من الكرة الأرضية ، على اتساعها ، إلا ونال قسطه من الشر الأمريكي المستطير. هذا عن تاريخ أمريكا البعيد. وأما عن تاريخها المتوسط وحاضرها ، فأمريكا أبادت شعب افيتنام؛ وهي التي تعهدت عصابات الصهاينة بالرعاية وأمدتهم بأسباب القوة لقتل شعب كامل وتهجيره من وطنه في فلسطين، وليس له من ذنب إلا أن قطعانا من شذاذ الآفاق اليهود الصهاينة رغبوا في اغتصاب أرضه؛ فأبرموا عهدا مع البريطانيين ، الذين سلطوهم على أرض فلسطين ، قبل ان تتولى الولايات المتحدة الامريكية أقذر مهمة متمثلة في حماية مغتصبين والدفاع عنهم ، وقتل وتهجير أصحاب الحق، الفلسطينيين. وهي مهمة منافية للإنسانية ولقيم السماء وقيم الأرض. والولايات المتحدة الأمريكية هي التي احتلت العراق في القرن والواحد والعشرين تحت غطاء من الأكاذيب ، وسلمته، بعد تحطيمه ونهبه، لحفنة من نفايات البشر، من عباد الخيانة وعشاق العمالة والرذيلة. وهي التي تحمي بالقوة ، بالشراكة مع إيران، هذه الحثالات التي تحترف السرقة وتتعبد بالقتل في حق شعب مقهور ببوارج أمريكا وأساطيلها الجوية. وأمريكا هي التي تتعمد اختلاط الأوراق وتفتعل التخبط في المواقف ، في تواطؤ مفضوح مع نظام بوتن المجرم لإبادة أكبر عدد من الشعب السوري، ولتخريب منجزات الحضارة الانسانية في بلاد الشام والرافدين، حيث توجد أقدم هذه المنجزات. والولايات المتحدة الأمريكية – التي لا سبيل لحصر فظائعها ضد الانسانية – هي التي تسرق ودائع الأنظمة، من أموال الشعوب، التي سرقوها وخبؤوها في البنوك الأمريكية . وهي التي تغدر بعملائها وحلفائها ، من عرب الجنسية، الذين سلموها رقابهم وأرصدتهم ومصير شعوبهم، وضيعوا ، في سبيلها، كل حق وروجوا لباطلها وظلمها في كل محفل وكل ماخور. وبرغم هذا التاريخ الأمريكي المترع بالوحشية والفقر إلى أقل درجة من الانسانية ، وبرغم هذا الحاضر غير المشرف والمشحون بجرائم أمريكا ضد حقوق الانسان ونهب ثروات الشعوب ، وتدمير ما شيدته سواعد البشر عبر آلاف السنين ، فإن الرئيس أوباما يريد ، في كلمته الوعظية، أن يودع العالم ، كرئيس لدولة ، هي الأقسى والأكثر وحشية وافتراسا للإنسان ولحقوقه ، كقسيس يفهم بعمق حقيقة الانسانية والحياة والعظمة الكامنة فيهما، ويفيض بالرحمة والشفقة على عالم أثخنته امريكا بالجراح، في كل نقطة من جسمه. يريد الرئيس الأمريكي ، أوباما، أن يصدق هذا العالم لطائف خداعه ، ويكذب دم الشعوب السائل مع لعابه وروائح الموت التي تفوح من أنفاسه ، وحطام الحضارة المتناثر بما كسبت يديه وأيدي أسلافه الدمويين، من قبله. يريد أوباما أن يجمع في خطابه "الوداعي" بين حقيقة القبح التي هي أصل حكام أمريكا، وبين بهاء الروعة في مواعظه التي يتصنعها، دون أن تعلو وجهه حمرة الخجل من طوفان الأكاذيب والتضليل، في طي الكلمات، التي يلوكها، بينما هو يولي دبره ، تاركا العالم ، بفعل جرائم دولته، على جرف ينهار...