صباح علي الشاهر
لنفترض جدلاً أن إيران، لجذر متأصل فيها، عدوة للعرب، وهي تسعى لتدميرهم ، والحيلولة دون تقدمهم ، لأنهم إن كانوا أقوياء ومتحدين سيعرقلون تمددها ، ولسنا بحاجة هنا للإتيان بأمثلة وشواهد من التأريخ، فالتأريخ يسعف الجميع ، وهو منظور له دوما من زاوية نظر معينة ، فما يراه الإيراني أو الفارسي ، وكذا التركي ، في حدث من أحداث التأريخ قد يكون مختلفاُ كلياُ عما يراه العربي، تماما مثل وصف البعض لإحتلال بلد بإنه “فتح “، في حين يراه البعض الآخر “غزو”، وقد يتفقان في الرؤية لو كانت النظرة عقلانية ، وما يحدد إختلافهم وإتفاقهم ، المصالح الراهنة وقت إستجلاب التأريخ، وإستثمار معطياته ، وحتى لو كانت حقائق التأريخ لا تشير إلا إلى صراع أبدي ودموي وصفري ، فهذا لوحده لم يعد كاف في زمننا هذا لمواصلة التناحر ، بل هو مدعاة لتغيير التعامل ، وأبدال موّلد الخراب وعدم الاستقرار هذا بشي آخر ، يعزز الأمن والسلام بين شعوب المنطقة ، ويجعل كل منهم سندا للآخر، عبر السياسة المجربة التي أفلح غيرنا في إنتهاجها وجنى منها المكاسب الكبرى ، ألا وهي سياسة تبادل المنافع، وصولاً للتكامل عوضاً عن الإزاحة، والإلغاء، والتهميش الذي لا جدوى منه، فكل شعوب الأرض وجدت على هذه الأرض ليكون لها دور وإسهام صغر أم كبر، لكنه مكمل وضروري لأدوار الآخرين ، ومحاولة الإستغناء عنه تسقط من البشرية جزءاً من كيانها ، تماماً كما لو أسقط من الإنسان عضواً من أعضائه ، التي لم يوجد أي منها عبثاً .
ليس ثمة بلاهة أكثر من تلك التي ترى أن الله العادل الرحيم يمكن أن يخلق جماعة أقل شأناً من أخرى، وليس ثمة من هو أكثر غباء من ذاك الذي يؤدي العبادات كلها، ثم لا يدرك قول الله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )، ولم يقل العربي أو الفارسي أو الكردي أو التركي ، أو أي آخر. ” الإنسان” في كليته ، مخلوق في أحسن تقويم ، وهذا المخلوق في أحسن تقويم مساو لغيره، ليس في رحمة الله الواسعة، وإنما في حقه في العيش الكريم على هذه الأرض التي ماخلقت وما خلق ما عليها إلا لكي يتمتع بها “هذا المخلوق في أحسن تقويم” ويعمرها ويستثمرها ، لا عن طريق الحروب والدمار ، وإنما عن طريق التعاون، والعمل .
وليس ثمة منافق أكثر نفاقاً من ذاك الذي يتغنى بحقوق الإنسان، والإنسانية ، ويتبتل في محراب ماركس وانجلز، وجيفارا، وماو، وهوشي منه، ويتمشدق بكلام الفلاسفة والمصلحين العظماء، ويتلو تراتيل الليبرالية ، ثم يحتقر الناس، ويكرههم بسبب أصلهم أو فصلهم ، أو قوميتهم أو مذهبهم أو دينهم !
هل حقاً، أنك لا تأمن إلا إذا كان جارك ضعيفاً؟ هل هذا المنطق سليم أم هو منطق إنتحاري ، ألا يبرر ضعف الضعيف إستنجاده بالقوي، وإستعداءه عليك، خصوصاً إذا تجبرت، فلنراجع أحداث التأريخ القريبة، ولنتأمل بها.. كانت الكويت ضعيفة قياساً بالعراق، إستصغروها فوصفوها، وحسبوها لقمة سائغة، فاستعدت الأقوياء على من حسب نفسه قوياً ، فماذا كانت النتيجة ؟ و مثال سوريا التي ما زال شاخصاً أمامنا الآن، حسب البعض نفسه الأوقوى ، لأنه الأغنى ، والأكثر تأثيراً ، فجند أكثر من أربعين دولة، وجيش الجيوش ضد سوريا التي كانت وحيدة ولفترة من حرب الدمار التي شنت عليها، ثم إذا بالأقوياء يدخلون على الخط، ربما ليس حباً بسوريا، وليس نصراً لضعيف، وإنما لمصالح بعيدة ، جعلناها بتهورنا، وعملنا غير المبرر قريبة ، ولا يملك أحد الآن حتى مجرد النقاش فيها، وبعد أن فقدنا ليبيا، ها هي اليمن على الطريق، أما العراق فقد أضحى على كف عفريت .. مشكلة البعض أنه يريد أن يتصرف كالأصيل، علماً بأنه ليس سوى وكيل ، وربما أقل من وكيل، وعندما يدرك حجمه تكون الفاس قد وقعت على الراس .
لماذا لا تنعكس الآية وتصبح قوة جاري قوة لي، وقوتي قوة لجاري ؟ لماذا لا يسود مثل هذا المنطق؟
نعم سيسود مثل هذا المنطق، ولكن ليس قبل أن يزول رعب الحاكم من شعبه ، وليس قبل أن تحسن الإنظمة تدبير شؤون من هم في الداخل، وليس قبل أن يصبح الحكام بشراً وليس آلهة، لا يسألون عما يفعلون أو يقولون، وعندما تصبح طاعتهم ليست واجبة في كل الأحوال، على قاعدة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهذا يستوجب باديء ذي بدء أن يعترفوا بأنهم ” مخلوقون” ، شأنهم شأن خلق لله .
أسألة برسم الأغبياء:
1-الحرب التي يشنها العرب ضد العرب ، لمصلحة من؟
2-تحويل الصراع السياسي إلى صراع طائفي سني شيعي ، لمصلحة من؟
3-إندفاع بعض العرب للتطبيع مع إسرائيل والتعامل معها كدولة ، لمصلحة من؟
4-محاصرة النضال الفلسطيني وإحهاضه ، لمصلحة من؟
5- تدمير سوريا وليبيا واليمن ، بعد تدمير العراق، لمصلحة من؟
6- عندما ننهمك في حروبنا الداخلية، ونتفانى في تدمير بعضنا البعض ، وينصرف الآخر ، المفتروض أنه عدونا إلى بناء نفسه وقدراته، فلمصلحة من ستكون النتيجة في نهاية المطاف؟
لو عقلتم لأصلحتم أنفسكم ، وأنظمة حكمكم، ولما بحثتم عن أوراق قديمة ، عمرها أكثر ألف وأربعمائة عام ..
كاتب عراقي