خالد الجيوسي
خطوةٌ نحو الديمقراطية ربما، تلك التي أقدمت عليها السلطات السعودية، باتخاذ مليكها قرار إعدام أحد أمراء الأسرة الحاكمة، وربما يحق للشعب السعودي الشعور ببعض “الاطمئنان” حول “استقلالية” القضاء، وعدم تفريقه بين الأمير والفقير، لكن هناك عدة تساؤلات تبقى مطروحة هنا، ففي المملكة لا تتم الأمور هكذا عبثاً، ولا تصدر الأحكام غير المسبوقة، إلا وقد وجد “المليك” فيها ضالته، أو رسائله المُبطّنة، سواء للداخل السعودي، أو خارجه “المُمتعض” هذه الأيام، من “مغامرات” بلاد الحرمين “الفاشلة” في الدول الشقيقة!
نقول هذا، لأن هذا الإعدام الذي تم بحق الأمير الشاب تركي بن سعود بن تركي الكبير آل سعود، لا يُعبّر تماماً، أو لا يُمثّل ديمقراطية كاملة، فالأمير الشاب، واحدٌ من أمراء كُثر اعتدوا على سيادة القانون، ومن يُقيم على الأراضي السعودية، يعلم تماماً كم التعديات التي يُقدم عليها الأمراء بحق المواطنين، لكن الحقوق لا يمكن أن تعود لأصحابها، فالمُذنب هنا يحمل وسام التبعية للعائلة الحاكمة، والنقاش مُجرّد النقاش في تعدياتهم، يعد حرقاً صارخاً لقدسيتهم، وتعدّياً بالأساس على ولاة الأمر، ونحن هنا لا نتبلّى على أحد، بحثٌ بسيط في أرشيف الفيديو على محركات البحث على شبكة الإنترنت، وسنجد العديد من القصص التي وثّقها أصحابها، وكان أبطالها المعتدون برتبة أمراء، ويبدو أن وحده الحظ العاثر، والعقاب الثائر من رافق الأمير المذكور.
تعيش العربية السعودية هذه الأيام حالة من التقشف، وللأمراء الذين يعيشون خارج أراضيها أيضاً “نزوات” تتعلق بقضايا اغتصاب، واتجار بالمخدرات، وهنا لا داع لذكر القضايا الشهيرة إعلامياً، وكما هو متعارفٌ عليه تسارع حكومة السعودية، إلى التعتيم الإعلامي، ومساعدة المتورّطين من الأمراء، والتغطية على نزواتهم، والمال في هذه القضايا هو العامل الأساسي في “إسقاط” التهم عنهم، لكن فيما يبدو أن الثروات المهولة التي تمتلكها المملكة بدأت بالتبخر، وهي غير قادرة على “المساعدة”، وبالتالي هي معنية بإبلاع الجميع أن “يقلعوا أشواكهم بأيديهم” خارجياً، وستسارع إلى معاقبتهم كالأمير تركي الذي تحول إلى “كبش فداء” الأمراء الخارجين عن القانون داخلياً، في رسائل “عدالة” قد تحفظ ماء وجه السلطات التي يتهمها معارضوها بتطبيق عدالة منقوصة.
“العدالة” يجب أن تُطبّق على الجميع دون استثناء، وقضية الأمير تركي التي راح ضحيتها صديق الأمير المواطن عادل المحيميد بإحدى مخيمات الثمامة بالرياض، وقعت منذ أربعة أعوام، وبالرغم أن الوقائع تشير أن الحادثة وقعت بالخطأ بحكم الصداقة التي تجمع القاتل بالقتيل، بالإضافة إلى أقوال النشطاء، وشهود عيان الذين يؤكدون أن القاتل الأمير الشاب كان “مخموراً”، صادقت المحكمة العليا على قرار الإعدام دون أي التفات لوجود دلائل القتل غير العمد، ولم يتم تنفيذ قرار المحكمة إلا بعد الأمر الملكي.
نحن هنا أمام أمرين قد يشوبان العدالة السعودية، الأول لو صح أن الأمير كان تحت تأثير الكحول يعني أنه تم معاقبته على جرم لم يتعمّد ارتكابه، وهذه مظلومية ارتكبت بحق “كبش فداء” الأمراء الآخرين، والثاني أن استقلالية القضاء السعودي أمرٌ مشكوك فيه، فذلك القضاء “النزيه” لا يستطيع تنفيذ أحكامه، وخاصة بحق أفراد العائلة الحاكمة، إلا بقرارات ملكية، ولو بعد أربعة أعوام على أحكامه الصادرة!
بالرغم ما تطرقنا له في السطور العلوية، بلا شك هي خطوة “ملكية” نادرة، لا يُمكن التقليل من شأنها في كل الأحوال، فالديمقراطية السعودية لها أوجهٌ كثيرة، وإعدام أمير يمكن أن يكون خطوة “إصلاحية” تجاري الرؤية، والرؤى المُستقبلية التي تطمح لها “القيادة الشابة”، لكن ومع كل هذا لا بد للقيادة التي تأمل بالانفتاح، أن تُطبّق ديمقراطيتها “الرشيدة” على كل هؤلاء النشطاء، والمشائخ، والدعاة، والمُعارضين على اختلاف توجهاتهم، هؤلاء أيضاً يحتاجون إلى محاكمة عادلة، وإرادة ملكية صريحة، قبل الأحكام “الشفهية” التي أودت بهم إلى عقوبات “فعلية” لم تتوقف على الجلد، ولم تنتهِ بالسجن، هؤلاء ربما يكتمل بهم وجه العدالة!
كاتب وصحافي فلسطيني