حذرت روسيا بشكل مبكر من شبهة هروب، أو بالأحرى تهريب الدواعش من العراق إلى سوريا قبل حوالي أسبوع تقريبا من بدء العمليات العسكرية لتحرير الموصل.
وظلت روسيا تحذر ليس فقط من عواقب ذلك، بل وأيضا من أهداف تهريب الإرهابيين ونقلهم، لأن هذا الأمر يشكل خطورة ليس فقط على العسكريين، بل وعلي المدنيين، ويستنزف قوى وموارد كل القوى التي تحارب داعش في سوريا والعراق، وربما أيضا ليبيا.
مجلس الوزراء العراقي شدد أيضا على ضرورة عدم السماح بتسلل أو تهريب عناصر داعش من العراق إلى سوريا أو إلى الحدود العراقية مع الدول المجاورة. وبالطبع فالمخاوف تجتاح جميع الأطراف الحريصة على مواجهة الإرهاب عموما، وداعش على وجه الخصوص، بعيدا عن المراوغات أو استخدام إرهابيين لمواجهة إرهابيين. لأن مبدأ استخدام الإرهابيين بهذا الشكل لا يمكن أن يفيد الدول التي تعاني من الإرهاب على أراضيها بشكل مباشر وتدفع ثمن وجوده من أرواح أبنائها ومن مواردها المالية، وإنما يخص الدول التي تبعد جغرافياً، وتتمتع بحق الرفاهية في مكافحة الإرهاب التي تتخذ، في حقيقة الأمر، ذريعة لتحقيق مصالح محددة، سواء كانت اقتصادية أو جيوسياسية أو جيوأمنية.
روسيا تحذر أيضا من كارثة إنسانية في الموصل، لأن الدواعش يتخذون المدنيين من نساء وأطفال وعجائز دروعاً بشرية. وربما تقع مسؤولية ذلك على الولايات المتحدة وتحالفها. وفي الواقع، فقد اتهم الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصيا تنظيم داعش الإرهابي بأنه يستخدم المدنيين في الموصل كدروع بشرية ويمنعهم من مغادرتها. وبالتالي، فهناك صعوبة في القتال ضد التنظيم. ولكن في الوقت نفسه، أعرب أوباما عن ثقته بتحقيق النصر وهزيمة التنظيم.
أما الذي لا يقال، فهو أن الكثير من عناصر التنظيم غادروا الموصل قبل بدء العمليات العسكرية وانتقلوا بالفعل إلى مواقع أخرى داخل العراق أو على حدوده مع سوريا، أو نجحوا في التسلل إلى الأراضي السورية. وهناك صور وتقارير ومعلومات محددة حول قوافل سيارات الدفع الرباعي التي شكَّلَت طوابيرَ وصفوفاً في الصحراء قبل بدء العمليات. أما السؤال الذي يبرز على استحياء: إلى أين سيتجه الدواعش بعد معارك التحرير المجيدة في العراق وسوريا؟ وهل هناك خطط وسيناريوهات للتعامل مع هذه المرحلة المهمة والخطيرة؟!
قد يكون السؤال سابق لأوانه، لأن المعارك بدأت للتو بشكل نشط ضد التنظيم الإرهابي، سواء في الموصل أو في حلب. ولكنه من جهة أخرى، سؤال مهم لأن كل المؤشرات تؤكد أن هناك أطرافا ترغب بإطالة أمد الحرب، وذلك على عكس ما يتصوره بعض المراقبين بأن الولايات المتحدة وروسيا تتسابقان على من سيكون "المحرر الأول"، سواء للموصل أو لحلب. قد يكون الأمريكيون والروس يرغبون في إثبات قدراتهم، والتأكيد للرأي العام الدولي على أن كلا منهما قادر على مكافحة الإرهاب. ولكن ما نراه على أرض الواقع يشير ليس بالضبط إلى عدم قدرتهما، وإنما إلى أن مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تتم بشكل فردي وفي إطار منعزل. بل على العكس تماما، يكمن جوهر مكافحة الإرهاب والقضاء عليه في العمل الجماعي. أما النهج الفردي فيؤدي إلى تصادم المصالح أحيانا، والحرب المحدودة في أحيان أخرى، وإطالة زمن العمليات العسكرية في أحيان ثالثة.
روسيا والأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية أبدت قلقها بخصوص مصير وسلامة ما يقرب من 2 مليون مدني في الموصل: تلك المدينة الاستراتيجية من حيث الموقع والحجم من جهة، ومن حيث عدد السكان من جهة أخرى. ماذا يجري الآن لسكان الموصل؟ وماذا عن عناصر داعش؟ وهل سنرى جثثهم، أو سنشاهد اعترافاتهم على شاشات التلفزيون؟ بمعنى أنه إذا كان من الطبيعي أن تعلن الجيوش ووزارات الدفاع عن مواعيد شن الحروب وساعة الصفر، فالأولى أن تؤكد للعالم على بعض نتائج نجاحاتها!!!
وإذا كانت روسيا والأمم المتحدة والمنظمات والهيئات الدولية الإنسانية والحقوقية مهمومة للغاية بمصير 2 مليون عراقي في الموصل، فالولايات المتحدة مهمومة بإعادة الإعمار وبتوزيع الحصص وتقسيم النفوذ، مع أن العمليات قد بدأت للتو، وذلك بعد عامين أو ثلاثة من المراوحات والمناورات التي أدت إلى توحش التنظيم الإرهابي ليس فقط في العراق، وإنما في سوريا وليبيا أيضا. وعموما فالرئيس الأمريكي، وعلى الرغم من أنه سيخرج قريبا من البيت الأبيض، أعلن أن لديه سيناريوهات وخططا في المجال الإنساني من أجل الموصل بعد تحريرها!! بينما أهالي الموصل يعانون الأمرين من أجل النزوح خارج المدينة. وما تعرضه التقارير الميدانية بشأن النازحين يثير العديد من الأسئلة والتساؤلات، لأن هناك بعض المخاوف التي بدأت تساور الكثيرين من إمكانية تسلل عناصر داعش بين النازحين، أو التعامل بعشوائية مع المدنيين على اعتبار أنهم دواعش.
المشهد السابق، يعيدنا مرة أخرى إلى فكرة التعاون والتنسيق والعمل الجماعي لتفادي الأخطاء والعشوائية، سواء بشأن المدنيين أو في عمليات القصف من جهة، وتحقيق أكبر قدر من النتائج الإيجابية في دحر الإرهاب، بل وتوجيه ضربات استباقية دقيقة ومحسوبة إليه، سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا من جهة أخرى. ولكن يبدو أن الولايات المتحدة وحلفاءها لديهم خطط وسيناريوهات أخرى، إذ أن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر سيبدأ بزيارات مكوكية إلى دول الحلفاء، وسينهي جولته باجتماع لحلف الناتو، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات في ظل إصرار واشنطن على نسق معين من الإجراءات ورفض أي عمل جماعي إلا بشروطها. الأمر الذي يعطي انطباعا بأن الحرب في الموصل قد تستمر لأجل غير مسمى، أو إلى أن يطمئن بعض الأطراف إلى أن الدواعش جاهزون في سوريا، ومن ثم يجب الانتقال إلى هناك!
أشرف الصباغ
روسيا اليوم