تتواصل المناورات السياسية والإعلامية الأمريكية على خلفية العمليات القتالية الجارية لتحرير مدينة الموصل العراقية من قبضة عناصر تنظيم داعش الإرهابي.
هذه المناورات "الكلامية" الأمريكية تثير الكثير من اللغط، في ظل تحذيرات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والعديد من دول العالم، من انتشار الدواعش في سوريا ودول أخرى، وعودة الكثيرين منهم إلى بلادهم بما يحملونه من خبرات واسعة وعميقة ليس فقط في استخدام السلاح والتفخيخ والتفجير والذبح، بل وأيضا في كراهية البشر وإشعال نيران الطائفية والمذهبية. وقد بدأ مسؤولون ومنظمات وهيئات أوروبية يحذرون من إمكانية تدفق عناصر داعش إلى أوروبا نفسها.
وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت، في 18 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أن نائب وزير الخارجية أنتوني بلينكن سيتوجه بزيارة عمل إلى باريس يومي 20 و21 من الشهر الجاري للمشاركة في اجتماع وزاري لمناقشة عملية تحرير الموصل في العراق، والذي ينعقد بمبادرة من وزارة الخارجية الفرنسية لبحث ما أسموه بـ "استقرار الأوضاع بعد تحرير الموصل من داعش ونقل المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي ستشملها العملية".
إن الولايات المتحدة وفرنسا، وعددا من الدول الحليفة لواشنطن، مهتمون للغاية بمحورين أساسيين:
- استقرار الأوضاع بعد تحرير الموصل من داعش.
- نقل المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي ستشملها العملية.
وهناك نقطة أخرى، يجري الحديث عنها على استحياء، أو يتم التكتم عليها، وربما الالتفاف حولها عبر الحديث عن قضايا أخرى. هذه النقطة تتمثل في توزيع الحصص وتقسيم مناطق النفوذ من أجل ما سيطلقون عليه فيما بعد "إعادة الإعمار". ومن الواضح أن إعادة الإعمار ستكون في ظل وجود بعض فلول داعش أو وجود عناصر التنظيم الإرهابي على حدود العراق مع سوريا، لأسباب كثيرة نعلمها جميعا. هذا بطبيعة الحال، إذا لم يكن التنظيم قد انتقل إلى مناطق سورية لمواصلة "الذبح المقدس".
الطريف هنا أن وزارة الخارجية الأمريكية أكدت، وشددت على أن الولايات المتحدة لم تلعب أي دور في تحديد انطلاق عملية تحرير الموصل في العراق. وقال المتحدث باسم الوزارة مارك تونر لقد "قلنا بوضوح إن هذه العملية تتم تحت قيادة عراقية.. والسلطات العراقية هي من يقرر متى وأين ستنطلق... نحن نبذل قصارى جهدنا لنقدم لهم كل الدعم الممكن". هذا التصريح، إن لم يثر التساؤلات والشكوك، فهو يثير الغضب والشعور بالاستخفاف والاستهانة.
أما الدعم الممكن فهو توفير الغطاء الجوي، ووجود عناصر من القوات الخاصة والاستخبارات الأمريكية والغربية في مواقع محددة بطول العراق وعرضه، ونحو 5 آلاف عسكري أمريكي يقوم معظمهم "بدور استشاري أو يشارك في تقديم الدعم اللوجستي والتدريب للقوات العراقية". وإذا أضفنا إلى ذلك وجود تحالف دولي مكون من 66 دولة إلى جانب ما سبق سنكتشف أن هناك حلقات كثيرة مفقودة في كلام الولايات المتحدة. وأن هناك معركة بين كل تلك الحشود السابقة وبين نحو 3 - 5 آلاف إرهابي داعشي في العراق ككل. كل هذه الأرقام وردت في تصريحات وزارة الدفاع الأمريكية وعلى لسان المتحدث باسم البنتاغون بيتر كوك.
وما زاد الطين بلة، هو تصريح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بأن بلاده تشارك بقوة في الحملة العسكرية من أجل تحرير مدينة الموصل العراقية، حيث أكد خلال افتتاح أعمال الاجتماع الدولي بشأن الموصل، والذي تستضيفه باريس، أنه "تحت طلب السلطات العراقية قام التحالف ببدء عملياته لدحر داعش، والتنظيم يتراجع اليوم في كل المناطق... ولدينا 4000 عنصر يساهمون في العمليات، وفرقة تكتيكية مدفعية في الموصل".
في واقع الأمر، أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن ليلة 16 على 17 أكتوبر/ تشرين الأول هي موعد انطلاق العملية العسكرية لتحرير الموصل من قبضة تنظيم داعش، الذي استولى على المدينة في يونيو/ حزيران 2014. وأكد الجانب العراقي أن من يقوم بالعمليات العسكرية هو القوات المسلحة العراقية والشرطة الوطنية وقوات البيشمركة وغيرها من القوات العراقية، بدعم من طيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. هذا إضافة إلى 9 آلاف عسكري أمريكي وفرنسي!
البنتاغون من جانبه، قال إن "القوات العراقية بدأت هجومها قبل الموعد المحدد.. ولكن العمليات تسير على ما يرام، والقوات تقترب من أهدافها.. ومعركة الموصل تمثل لحظة حاسمة في الحملة ضد تنظيم داعش". أما البيت الأبيض فقد أعلن أنه "لا يمكنه تحديد الإطار الزمني المتوقع لانتهاء عملية تحرير الموصل". وأعلن الناطق باسم البيت الابيض جوش إرنست أن النجاح في الموصل، ومكافحة داعش عموما، يتطلبان الكثير من الوقت". ولكنه لم يحدد بالضبط معنى "الكثير من الوقت".
الولايات المتحدة التي تقود تحالفا دوليا من 66 دولة، ولديها 5 آلاف "خبير ومستشار" عسكري في العراق، و4 آلاف عسكري فرنسي، ومئات من عناصر الاستخبارات والقوات الخاصة من دول غربية كثيرة، تؤكد أن لا علاقة لها بالحرب الجارية لتحرير الموصل، وكأن الدواعش يتواجدون في الموصل حصرا، دوناً عن أي مناطق عراقية أخرى. وتقول أيضا، وهذا هو الأخطر والأكثر خبثا، إنه ليس هناك وقت محدد لانتهاء العمليات العسكرية في الموصل، وأن مكافحة داعش تحتاج إلى وقت طويل!
أشرف الصباغ