هذه خريطة غامبيا، مجرد قطعة أرض صغير تكاد السنغال تحيط بها إحاطة السوار بالمعصم، لكن موريتانيا وجدت فيها خلال العقدين الماضيين موطأ قدم لفرض مستوى من التوازن الاستراتيجي في علاقتها المتأرجحة مع الجارة السنغال، فحين كان ولد الطايع يسعى لمواجهة مساعي السنغال لإحياء مشروع الأحواض الناضبة، وقبلها إبان أزمة أحداث 1989، وجد في غامبيا حديقة خلفية يلعب فيها بعض أوراقه للضغط على دكار، ومنفذا لدعم وتحريك "ثوار كازامس" لتأديب الجارة اللدود، وتعززت تلك الأواصر بزواج "يحيى جامي" من الموريتانية "توت محم بيدي"، ذلك الزواج الذي روج له "جامي" كنوع من الإمعان في التقارب والمصاهرة، إغاظة للسنغال التي اتسمت علاقته معها بالتوتر أحيانا والجمود أحيانا أخرى.
وقبل أكثر من أحد عشر عاما تدخلت وحدة من القوات الموريتانية الخاصة ذات ليلية في غامبيا لإنقاذ الرئيس "يحيى جامي" من الإطاحة به، بعد أن تحرك الانقلابيون المدعومون من السنغال ـ حسب تصريحات الإعلام الغامبي ـ لإزاحته أثناء زيارته لنواكشوط، حيث سارعت القوات الموريتانية ـ التي نقلت جوا إلى بانجول عبر الخطوط الجوية الموريتانية ـ إلى إحكام السيطرة على الأماكن الحساسة وأعادت "جامي" إلى سدة الحكم هناك.
اليوم تسعى موريتانيا لإنقاذ حليفها ثانية لكن هذه المرة من رصاصة الإعدام أو قيد الاعتقال، بعد أن تعنت أمام إرادة شعبه الراغب في إزاحته، لكن الإنقاذ الأكبر الذي تسعى له موريتانيا هو منع دخول القوات السنغالية إلى حديقتها الخلفية، بحجة تأمين حكم "آدما بارو"، فرغم أن الأخير يبدو حليفا إن لم يكن وكيلا للسنغال في غامبيا، إلا أن وجود القوات السنغالية على الأراضي الغامبية يعني إحكام السيطرة المطلقة عليها بما في ذلك المصالح التجارية الموريتانية هناك، وإقصاء أي دور لنواكشوط في بانجول، بينما قد يمنح وجود "بارو" في الحكم دون القوة السنغالية، موريتانيا فرصة لاستعادة بعض من دورها هناك، والتأثير في التوازنات الإقليمية في غامبيا، وهو أمر يتطلب جهدا دبلوماسيا إضافيا ووعيا استراتجيا بتحديات مرحلة ما بعد "جامي " الذي كان حليفا ودودا لنواكشوط وخصما لدودا لدكار.
** محمد محمود ولد أبي المعالي