عندما كنت أعمل على استنباط ( النص الغائب) من شعر الرائع أمل دنقل اضطررت الى قراءة التوراة والانجيل، تماما مثل اضطراري الى قراءة الملاحم الانسانية المعروفة ( الالياذة - الرمايانا - إيزيس - الشاهنامة - جلجامش- كريشنا - سيف بن ذي يزن - صمبا كلاديو ) .. وغيرها ..
ذلك أن سعة ثقافة الشاعر أمل دنقل انعكست في شعره فشكلت التوراة الانجيل والقرآن أهم نصوصه الغائبة إضافة الى ثقافات العالم المختلفة ... اقتنيت التوراة والانجيل وقرأتهما قراءتي لأي مصدر ثقافي أو أدبي لا يصل عندي درجة مقارنته بالقرآن ولا بالسنة المنبثقة منه...
ومن عظمة القرآن انه ليس متعدد الروايات عكس الانجيل الذي يتعدد بتعدد رواته ( انجيل يوحنا - انجيل متى - انجيل لوقا) .. وليس ناقصا عكس التوراة التي عمد اليهود الى حذف أكثرها ودسوا فيها حكايات غريبة، ويمكن الاطلاع على تلك المدسوسات من خلال كتاب ( حكايا محرمة في التوراة) لجوناثان كيرتش، وهو الكتاب الذي اكشفت بعد اطلاعي عليه انه عبارة عن سرقات من تاريخ العرب وغيرهم من الشعوب ذات الحضارات .. وكم شدني مدى التشابه بين قصة ( يفتاح الجلعادي) وقصة عنترة بن شداد..
وكم صدمني مستوى الصفاقة والتزييف والوقاحة في القصة التي وضعوا لسيدنا نوح عليه السلام .. بل ان هذا الكتاب يفسر كيف أن الجنس كسلاح يهودي لم يبدأ مع جهاز الموساد في العصور الحديثة، وانما هو جزء من تاريخهم الأسود .. كاذبا كان أو صادقا ...
المهم أن قصيدة ( العشاء الأخير) لأمل دنقل هي التي فرضت علي العودة لقراءة الانجيل والتوراة .. ثم تتالت قصص هذين الكتابين في ديوان الشاعر مضافا إليها العديد من حكايات وأساطير الشعوب : سبارتاكوس قائد ثورة العبيد في روما، الذي جسدته هوليود بعد ذلك في فيلم رائع من بطولة كيرك دوغلاس 1960، ازيس والكرنك ، زرقاء اليمامة .....
إنني اعتبر الاطلاع على المعرفة أيا كان مصدرها مهمة عادية ومطلوبة، ولكن الجانب المتعلق منها بالديانات، ينبغي أن يتاح - فقط - لاولئك الذي وصلوا مستوى معينا من النضج والحصانة الدينية والعقلية .
لكن الذي يثير التساؤل فعلا هو ترجمة هذه الكتب لأهداف تنصيرية او تهويدية وهو ما تمثله الترجمة الى اللهجات المحلية ... فالغرض هنا ليس معرفيا لأن التوراة والانجيل موجودان بجميع اللغات الحية ويملكان مؤسسات لترجمتهما الى تلك اللغات غير ان اللغات ليست هي اللهجات .. وهو ما يجعل اشارة استفهام أمام ترجمة الانجيل الى الحسانية رغم توفره بالعربية .. هل الغرض هو إتاحته للفئات غير المتعلمة و تلك التي ما زالت ضحية الامية والفقر؟ ...