تغييرات دراماتيكية في الارض المحروقة، تجسد مقولة “النار تاكل بعضها ” بعد ان اكلت الاخضر واليابس. هذا هو مختصر ما يدور في اليمن، وهاهي الحرب تتبدل، من حرب لاعادة الشرعية ، لحرب لقصف الشرعية.
فلقد بدأ العصف الناري من قبل احدى دول التحالف “الامارت” على الشرعية “حكومة هادي وحليفها حزب الاصلاح” التي جاءت حرب التحالف لاعادتها الى صنعاء بعد الانقلاب عليها من قبل الحوثيين.
لكن ثمة حروب اخرى سرية لم يعلن عنها، وهاهي تفصح عن نفسها، بعد معركة الساحل الغربي، الذي بسط السلطة الاماراتية على الركن الغربي للجزيرة العربية ، عبر الساحل اليمني المطل على باب المندب، هذه البقة الذهبية لممر الملاحة الدولية.
تصدع الحلف، ينذر بحروب طويلة في اليمن، فمنذ خطت الامارات خطوتها الاولى خارج الحدود الجنوبية، وحزب الاصلاح وقيادته العسكرية “علي محسن الاحمر” كشر عن انياب الليث، الذي كنا نظن انه يبتسم للامارات طوال الوقت، طيلة شهور الحرب.
ظهر الشرخ واضحا بين الاصلاح والامارات، بعد معركة السيطرة على مطار عدن، وخاضت الشرعية اولى حروبها ضد التحالف ولاول مرة يقصف التحالف الشرعية رسميا ، دون ان يقول انه خطاء ، ليس فقط قصفا عسكريا، بل ايضا سياسيا واعلاميا.
فقد فتح الباب للهجوم على عبد ربه هادي “الرئيس الشرعي الذي ينال اعتراف العالم وجاءت عاصفة الحزم لتعيده لسده الحكم في بلاده بعد انقلاب الحوثين عليه”
الرجل الذي يفترض انه بحماية التحالف، اصبح هو هدف التحالف، او جزء منه، بعد ان شرعن استهداف بلاده لطائرات التحالف. فالشرعية التي تحارب من اجل حصتها في مطار، ثم تدير ظهرها عن جرائم قتل المدنيين من قبل غارات التحالف، ليست اكثر من عصابة.
انه الان الرجل الذي يأوي خصوم الامارات التاريخين ، ويمثل قناعهم السياسي للعودة . هنا تظهر السعودية بصفتها القائد العام في اليمن، وكانها اعقل الاطراف، وتفض الاشتباك بين الحلفاء، بينما تتلقى الصواريخ الحوثيين وهم الطرف الذي لايقل جنونا في هذه الحرب العبثية
فض الاشتباك على الطريقة السعودية “بين التحالف والشرعية” ليس اكثر من حل مؤقت ، يمهد لحرب قادمة بين اجنحة التحالف.
فالامارات بشكل ما سحبت اعترافها بحكومة “هادي”، وتدفع بخالد بحاح الى الواجهة، حيث كان حضوره في قمة الحكومات العالمية للعام الثاني على التوالي، مع تجاهل حكومة “هادي” رسالة امارتية واضحة.
ان سياسة الحزم الخليجية ليست موجهة فقط ضد الحوثيين، بل ايضا ضد الاصلاحيين، وصورة الامارات وهي تعقد صفقة مؤخرا لشراء اسحلة باكثر من مليار دولار، يعني ان حربها في اليمن سوف تستمر مع خصوم جدد.
فهي لم تضحي بحزمة من ضباطها وجنودها وقياداتها المهمة من الصف الاول، لتمهد الطريق لحزب اسلامي ليحكم اليمن، وهي تراه بنفس العين الذي ترى فيه الحوثين، وترى علي “محسن الاحمر” بنفس الملامح التي يظهر فيها “عبد الملك الحوثي”. الامارات هي الوحيدة في اليمن التي تحارب الحوثيين والاخوان معا. ضد يران وضد داعش في اليمن، وهي من يشن عليها الاثنان حملات واغتيالات.
لقد شهد العام الماضي عدد من عمليات الاغتيال النوعية لرجال الامارات في عدن، سواء من الجنوبين او حتى من الامارتيين انفسهم ، بعض هذه العمليات جرى التكتم عنه لانها حدثت بوحشية .
حسم تعز
الامارات تتواجد بعدن بقوة ولن تسلمها لاي قوة اخرى، ولن تسمح بسيطرة الاصلاح عليها او على بوابتها الجنوبية “تعز″ ، لذلك لن يحدث حسم في تعز قريبا، فكلما اقتربت مقاومة تعز من دحر الحوثيين، تراجعت الصفوف، وسحب الدعم ، كما تم اخراج كبار قادة الاخوان من تعز “حمود المخلافي” وفضح ذمته المالية من قبل الاعلام الاماراتي الذي لم يتوقف منذ عام ونصف على شن هجوم منظم على حزب الاصلاح.
الاصلاح يخوض معركته الاشرس في الجنوب، ويعتبر عدن اكثر اهمية من صنعاء، حيث يتمركز الحوثيون، وهذا يعني ان ثمة معارك بين التحالف والشرعية قادمة.
وهذا يهدد سلطة “هادي” وشرعيته في حال تمسك بحزب الاصلاح الاسلامي، الذي دخل في مواجهة مباشرة ومسلحة مع الامارات.
في هذه الحالة يمكن للامارات ان تطيح بهادي وتعيد “بحاح” رئيسا للوزراء في قمة جبل الشرعية اليمنية ، لاسيما انه اخر رئيس وزراء تم التوافق عليه بين كافة الاطراف بعد اقتحام صنعاء، وكانت اقالته عملية مستفزة للامارات، ومفاجئة للتحالف، وخطوة غير موفقة سياسيا، وتوقيتها خاطيء، وليس لها اي مبرر.
هكذا يظهر “هادي” ورجاله في الشاشة، وسط مازق كبير، فلا هم قادرين على فض تحالفهم مع الاصلاح، لانهم واجهته السياسية، للعودة الى اليمن والى صنعاء بعد فرارهم ، وهو سب صعودهم، وهم لا قادرين على مواجهة الامارات – التحالف الذي جاء يحارب في اليمن لاعادتهم.
في هذه الاجواء المشحونة في الجنوب، يقبع الحوثيون في قعر حفرة الفشل السياسي ، والاقتصادي والحربي، وتسمح الاعتداءات المتكررة للتحالف على اليمن، والابرياء، بمده باكسجين التواجد ومبرر البقاء، بصفته الجهة التي تحارب ضد العدون، فكل صاروخ يطلقه الحوثيون خارق الحدود المحرمة بين اليمن والسعودية، يحسب في رصيد هذه الحركة العكسرية، و قدرتها على المواجهة العسكرية، وكسر قواعد الاشتباك مع المملكة. لكن هذا لا يعني اي نصر عسكري او سياسي ولا يسجل نقاط كبيرة ، لانه ايضا يهدي السعودية المبرر للقصف والتدمير.
انها لعبة الكر والفر ، التي ينشغل بها كلا الطرفان ليثبت انه يسيطر على الاحداث، وكليهما يعلم انه فشل، فكما فشل التحالف بانجاز مهمته بدحر الحوثيين ، فشلو الحوثيون بانقلابهم على السلطة في صنعاء.
فرغم اعلان حكومتهم قبل 4 اشهر ، الا انهم لحد الان لم يظهروا اي حراك سياسي، لهذه الحكومة لانقاذ الوضع في المناطق التي يسيطروا عليها، وان كان وضع صنعاء افضل من تعز وعدن.
لكن صنعاء تعيش قصة فشل ادراي وليس فقط سياسي من قبل الحوثيين، وسط عجز اقتصادي وفساد مالي ، وكارثة انسانية، وغباء سياسي ، وقمع اعلامي، وتعالي حتى على المستوى الشخصي، وتعبئة طائفية، وتفريط في استخدام تهم الارتزاق والعمالة، فالحوثيون اخر من يمكنه ادارة دولة.
فان كانوا قادرين على ذلك لكانوا قد فعلوا ذلك في مدينة صعده التي خرجت عن سيطرة الدولة قبل 13 عاما، ومنذ سيطروا عليها بقوة السلاح.
انهم يحولون صنعاء الى صعده جديدة، مدينة مقفلة، قاحله، معزولة، تعطي ظهرها للعالم، خاصة بعد اغلاق المنافذ البحرية عليهم ، بعد عملية الامارا ت في الساحل الغربي.
وبرغم ان الحوثيين هم المتضرر الاكبر من سيطرة التحالف على الساحل الغربين الا ان الاصلاحيين هم من كان رد فعلهم اسرع بالمواجهة.
لان هذا يعزل تعز ايضا ، وليس فقط صنعاء، الامارات تصرفت بدهاء بسيطرتها على الساحل الغربي، حيث عزلت كلا الخصمين، الحوثيين في صنعاء، والاصلاحيين في تعز، وبدات معركتها المؤجلة منذ تحرير عدن مع الاصلاح، وتركت المواجهة مع الحوثيين للسعودية
الان السعودية هي من ستحسم الموقف، فهل يتصدع الحلف، ام يتم صلح بالاستغناء عن الاصلاح، ام تتم الاطاحة بهادي بانقلاب ناعم “تغيير وسحب صلاحيات وتعيين بحاح نائب رئيس″ ورئيس وزاء.
المشروع القديم المعروض من قبل وزير الخارجية في عهد اوباما “جون كيري” ، والذي رفضه “هادي” واعتبره هدية للانقلابيين، المضحك ان الانقلابيين فشلوا بانقلابهم، ولم يجدوا دولة او حكومة تعود وتسد الفراغ ، وتستفيد من فشلهم ، لانها ايضا حكومة فاشلة.
فسواء الحكومة التي يعترف بها العالم، او الانقلاب الذي يرفضه المجتمع الدولي ، فان كليهما غير قادر على السيطرة على اليمن، والدليل فشل الشرعية في عدن، وفشل الانقلاب في صنعاء ، انهما بحث ثنائي متسق جدا ، ومتناغم، فهم: افشل انقلاب على افشل دولة.
كاتبة يمنية