(CNN)— يحتاج المغرب لأيام قليلة حتى ينهي خمسة أشهر دون حكومة، منذ تعيين الملك محمد السادس لعبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة المغربية ومكلفا بتشكيلها، وهو وضع لم يعرفه المغرب طوال فترة الملك محمد السادس، إذ لم تتطلب أيّ حكومة كل هذا الوقت في تشكيلها، ممّا جعل المغرب أمام أزمة سياسية حقيقية تهدّد البلاد بإعادة الانتخابات، كواحد من السيناريوهات الموجودة على الطاولة.
ومنذ بلاغ "انتهى الكلام" الذي صدر عن بنكيران بإعلانه إنهاءً مؤقتا للمشاورات مع رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، والأمين العام لحزب الحركة الشعبية، امحند العنصر، لم تصدر أيّ مواقف كبيرة من الأطراف المنتظر مشاركتها في الحكومة، وخرج بنكيران قبل أيام بتصريحات قوية قال فيها إنه ينتظر فقط عودة العاهل المغربي من جولته الإفريقية حتى يخبره إما باكتمال لائحة الأطراف المشاركة في الحكومة، وإما بأنه، أي بنكيران، لم يوّفق في بلوغ هذا الهدف.
ونظرا لعدم إمكانية التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة صاحب المركز الثاني، فحزب العدالة والتنمية الذي يقوده بنكيران، يحتاج، علاوة على حزب التقدم والاشتراكية، حليفه الرئيسي، إلى حزبين آخرين، وقد رشح بنكيران التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، إلّا أن هاذين الحزبين، اشترطا دخول "الاتحاد الدستوري" و"الاتحاد الاشتراكي" الأمر الذي رفضه بنكيران، ممّا عرقل المشاورات.
وبسبب هذه الأزمة التي تُعرف داخليا بـ"البلوكاج الحكومي"، يدفع المغرب ضريبة سياسية واقتصادية، فنموذجه السياسي القائم على تقاسم السلطة بين القصر والإسلاميين في اختبار عسير، فرغم استمرار جولات العاهل المغربي في إفريقيا مسنودا بفريق سياسي واقتصادي يوقع الكثير من الاتفاقات، واستمرار عمل المؤسسات الحيوية في البلاد، ففي المقابل، تبقى كلفة تأخير الحكومة كبيرة جدا، وتؤثر على حاضر بلد يقدم نفسه استثناءً في المنطقة.
كلفة سياسية
ويقدم الباحث سعيد تمام عدة أوجه للخسائر السياسية التي يجنيها المغرب بسبب هذا البلوكاج، أولها تعطيل عمل مؤسسات دستورية في مقدمتها مجلسي البرلمان، وهو ما يُكلف البلاد داخليا وخارجيا، فعلى المستوى الداخلي يتم إهدار الزمن التشريعي ودليل ذلك أن الدورة الخريفية تنتهي بحصيلة الصفر، ممّا يزيد من تضرّر صورة مؤسسة البرلمان المهزوزة أصلاً لدى عموم المواطنين.
أما خارجيا، فالبرلمان المغربي "عاجز تقريبا عن أداء دوره الديبلوماسي في ظرفية دقيقة تشهدها علاقة المغرب مع دول الاتحاد الأوروبي على مستوى اتفاق التبادل الحر، وكذا ما يعرفه ملف الصحراء الذي يحتاج جبهة وطنية موحدة"، يقول تمام في تصريحات لـCNN بالعربية.
ثاني مظاهر هذه الكلفة السياسية هو إمكانية "قتل السياسة" حسب تعبير تمام، ويوضح ذلك بالقول: "كلما تأخر تشكيل الحكومة كلما ازدادت حدة توتر علاقة المواطن مع فعل المشاركة السياسية ومن اقتناعه بفكرة لا جدوى من الانتخابات، مادامت الطبقة السياسية فشلت حتى الآن في تقديم صورة إيجابية للممارسة السياسية".
هل هي محاولة لوقف نجاح الإسلاميين؟
حقّق حزب العدالة والتنمية، صاحب المرجعية الإسلامية، نتائج باهرة في الانتخابات التشريعية الأخيرة لعام 2016، فقد حاز 125 مقعدا داخل مجلس النواب، معززا صدارته للمشهد السياسي ولانتخابات 2011، وهو وضع لم يحققه الإسلاميون في أيّ دولة بالمنطقة بعد الربيع العربي، لذلك تشير بعض الآراء إلى وجود رغبة لدى بعض الأطراف لتحجيم دور الإسلاميين عبر عرقلة أيّ محاولة لتشكيل ثاني حكومة يرأسونها.
هذه الفرضية قد تزيد من تعميق الأزمة إلى مستويات أكبر، خاصة مع توفر حزب العدالة والتنمية على شعبية واسعة وتسيّده المشهد الحزبي مقارنة مع أحزاب، توصف بالإدارية، وأخرى تاريخية تراجعت بشكل كبير، وأخرى صغيرة غير مؤثرة، وحول هذه الفرضية يقول سعيد تمام، إنها قد تُعطي، نتائج عكسية ستتجلى "في توسع دائرة التعاطف مع الإسلاميين، سيما وأنهم يكسبون الكثير من المعارك الانتخابية عبر خطاب المظلومية".
كلفة اقتصادية
باعتبارها سلطة تنفيذية، تخاطب الحكومة الخارج، وتتعاون مع المؤسسات الاقتصادية والحكومات الخارجية، وبغيابها تضيع على المغرب فرصٌ هامة لجذب الاستثمار ومباشرة الاصلاحات وتنفيذ القرارات السابقة، هذه الخسائر الاقتصادية يوّضحها الباحث في العلوم الاقتصادية رشيد أوراز، في تأثر الجاذبية الاقتصادية المغربية، ممّا "يُكبّد الاقتصاد المغربي كلفة صورة سلبية ترسم عنه في التقارير الاقتصادية الأجنبية التي تُعتمد من طرف المقاولات الكبرى ومن طرف المستثمرين قبل المغامرة بالاستثمار في أي بلد".
ويتابع أوراز في حديث مع CNN بالعربية أن تعطيل المؤسسات، والصراع السياسي في البلدان السائرة في طريق النمو يعّد "دليلا على هشاشة الوضع المؤسساتي، ومصدرا لعدم الثقة"، مردفًا أنه: "لسوء الحظ، لن نستطيع أن نعرف بالتحديد كم تكبّد المغرب من كلفة نتيجة هذا التعطيل، لأنها أمور لا يمكن تقديرها حاليا، لكنها مكلفة" مشيرًا إلى وجود رجال أعمال يشاركون في عرقلة تشكيل الحكومة رغم وعيهم التام بحساسية مناخ الأعمال وتأثره بالأزمات السياسية.
أما على المستوى الداخلي، فالخسائر أيضا موجودة: "ترتبط مقاولات كثيرة بالاستثمارات العمومية، كما تعتمد دينامية المقاولات الصغرى والمتوسطة الحديثة على حجم الاستثمار العمومي، ولهذا فتعطيل الحكومة يساهم في تعطل هذا الاستثمار وهو ما سيكون مؤثرا بالنسبة لبعض المقاولات، كما سيكون سببا في إيقاف نهائي لمقاولات أخرى لنشاطها"، يقول أوراز.
ويعطي رشيد أوراز مثالا بآخر نسخة من تقرير مؤسسة إيريتاج فوندايشن حول الحرية الاقتصادية في العالم، وهو التقرير الذي حمل انتقادات للمغرب، فإصلاح الاختلالات الواردة في التقرير من صلاحيات الحكومة والبرلمان، المؤسستان المعطلتان حاليا بالمغرب، ويشّدد أوراز على أن الأعراض الاقتصادية لـ"البلوكاج الحكومي" ستبدأ في الظهور بشكل واضح خلال أسابيع إن استمر الوضع على ما هو عليه، ولن تبقى مستترة بالشكل الحالي.