استقلت موريتانيا 1960 عن استعمار إستنزف ثرواتها و لم يخلف فيها من شيء يذكر سوى قطار يعد من أطول القطارات في العالم آنذاك و هو دليل على أن المستعمر كان ينوي نهب كل الثروة المعدنية في البلاد ، لم يترك مؤسسات و لا حتى بنايات حكومية موريتانيا تكاد تكون المستعمرة الوحيدة من بين المستعمرات الفرنسية التي تركها المستعمر يبابا ليس بها ما يعتمد عليه في بناء الدولة
إذا أنشأت الدولة الموريتانية من العدم و خلال عشر سنوات استطاعت حكومة ولد داداه تشييد عاصمة بها كل مقومات المدنية من مباني حكومية ومؤسسات تعليمية مازالت الدولة تعتمد عليها إلى الآن و ربط العاصمة بشرق البلاد بطريق يمتد ألفا و مائتي كلم فعلت كل هذا من خلال ترشيد ما لدي البلاد من موارد و استخدام الثقافة و رصيد البلاد الوافر منها في جلب المال العربي و الإسلامي فعلى سبيل المثال أوفدت البلاد آنذاك وفدا جاب كل البلدان العربية و قدم منها بتمويلات ومساعدات مالية معتبرة قام هذا الوفد بالتعريف بالدولة الوليدة من خلال الثقافة المحظرية و من خلال الشعر و الأدب الميزة المطلقة للبلاد .
تلك كانت أول حكومة مدنية حكمت البلاد فخلف من بعدها خلف أضاع البلاد و العباد ؛ أطيح بحكومة ولد داداه بإنقلاب عسكري كان نذير شؤم على البلاد و توالت الانقلابات فكانت كل لجنة تلعن أختها حتى وصلت البلاد إلى أزمة خانقة حتمت عليها الرضوخ لشروط برنامج الإصلاح الاقتصادي المطبق من طرف مؤسسات التمويل الدولي التي لا تنشد سوى الخراب و لا تجلب غير الضرر البين ثم جاءت فترة ولد الطايع و انتقلت معه البلاد من الاستبداد العسكري إلى الاستبداد الاقتصادي حيث باتت حاشية الرئيس تسيطر على جل مقدرات البلد و من لم يرضخ لهم من رجال الأعمال حورب و ضيق عليه و كان ذات الشأن مع معارضي النظام السياسيين حتى وصلنا الى فترة خيل إلينا فيها ان الكل حتما سينحاز للنظام وتنجرف مع تيار التصفيق والتطبيل الجارف ؛ في عهده منعت الحريات و داست أقدام الاستبداد على حقوق الإنسان و لكي ينج من المساءلة الدولية أقام علاقات دبلوماسية مع الصهاينة تشوبها الخيانة لعمق البلاد الاسلامي و العربي في عهده ترسخت ثقافة نهب المال العام و التعيين على أساس الجدارة في النهب لا الجدارة في العمل
و على غفلة منه و من الشعب اطيح به في ليلة غراء بإنقلاب عسكري شهدت بعده البلاد فترة وجيزة من الرفاه الديمقراطي غير مسبوق وفي انتخابات حرة ونزيهة أوتينا من قبلنا وجيء بشخصية ضعيفة ليس لها رصيد مذخور من الكفاح السياسي أو القدرة على المناورة والجذب والشد في مضمار السياسة وبعد حين غرقت البلاد بأزمات متتالية كان تتويجا لها اصطفاف النواب ضد الرئيس المنتخب وحكومته الفتية بشكل واضح جلي لا يضع مجالا للشك بأن مسألة الإطاحة بالرئيس برمت بليل أسود شاحب على البلاد و العباد و لأن النخبة السياسية لا تعرف غير الانقلابات العسكرية سبيلا للتغيير اتفقت بشكل مبطن مع قائد الجيش- المعزول بقرار جاء في الوقت الضائع- للقيام بانقلاب عسكري وعادت البلاد إلى المربع الأول مع تغييرات طفيفة عرفت معها البلاد لأول مرة الاحتجاج دعوة للعودة إلى الديمقراطية ، شكلت بعد تؤججها شوكة في حلق الجنرال الجديد لكن وبغباء فطري و قصور نظر استراتيجي وافقت الأحزاب المعارضة على اتفاق داكار الذي لم يغير سوى بدلة الجنرال العسكرية و أبدله بها بدلة مدنية قشيبة في الثامن عشر من يوليو 2009 عادت حليمة لعادتها الأولى و لم يعد يذكر سوى ذلك التاريخ والانجازات تنسب إليه و كأن ما سبق هذه الفترة من أحكام عسكرية ومدنية على طول تاريخ البلاد لم يكن شيئا مذكورا .
هكذا إذا شغلنا بالأزمات السياسية والانقلابات العسكرية عن التنمية واللحاق بركبها وبتنا على هامش متن كتاب الحضارة ؛ ليس لنا ذكر لا في الانجازات الاقتصادية و لا العمرانية و إذا ذكرنا قيل إننا في ذيل قائمة الدول الأكثر فقرا مع اننا نجلس على ملايين الأطنان من الذهب و الحديد و النحاس و نجاور أغنى شواطئ العالم بالسمك.
إلى متى هذا الهوان ؟ سؤال يصعب الجواب عليه في ظل الظروف الراهنة و المستقبل لا يبشر بخير في ظل التعديلات الدستورية التي صوت عليها البرلمان.