كتبتُ أمس تدوينات تنحاز للوقفة الاحتجاجية التي نظمها بعض الأطباء ضد الحالة المزرية التي يعانيها قطاع الصحة، وذلك تزكية لنشاط قام به أطباء أعرف بعضهم عن قرب، وأعرف فيه الكفاءة والمهنية والأخلاق، ثم تأييدا لأي موقف من شأنه تسليط الضوء على واقع قطاع بهذه الأهمية، ومن بين ما نشرت جملة كنتُ أظنها من أبلغ ما صرح به الأطباء في وقفتهم رغم بساطة لغتها، وقد جاءت ضمن تشخصيهم لحالة القطاع ، وهي من كلام الأطباء لا من كلامي، وهذا نصها: "أطباء: ترك مريض دون علاج بسبب عجزه عن تكاليف الأدوية والفحوصات أمر غير إنساني!". فثارت ثائرة أطباء شباب، وصب عليّ بعضهم جام غضبه، وبعضهم تأدب وأحسن الأخلاق ـ وهي عادته ـ لكنه ظن أن كلامي يحمل الأطباء مسؤولية عجز بعض المواطنين عن توفير أسعار الدواء، رغم أن نقطتي التفسير توضحان أن الكلام للأطباء وليس للناقل، وناقل الكفر غير كافر، أحرى ناقل كلام شخص آخر في موضوع آخر، مع أن الكلام الأصل نفسه لا يحمل الأطباء أي مسؤولية، بل جاء ضمن احتجاجهم وموجه للإدارة والسلطة، فهل تكون المشكلة من علامات الترقيم مثلا؟
أحد الدكاترة المحترمين كتب معلقا ما يلي: "يا دكتور هذا كلام نخبة شفت هذا مدون كبير و صحفي من المفروض انه من النخبة. انه الحقد الدفين على الطبيب لانه اولا دخل التخصص العلمي في الثانرية و ذهبو هم الى التخصص الأدبي. انه دخل كلية الطب اللتي لايمكنهم الولوج اليها لسوء معدلاتهم في الباكلوريا. لانه ذهب للدراسة الى الخارج بمنحة دراسية هي من عرق جبينه الشخصي و توفوقه و امضو هم سنوات الزهور في غيابات جامعة انواكشوط التعيسة. وتبقي الضربة القاضية لهذ الحقد الدفين هي تلك الصورة النمطية ان الطبيب يتقاضى الملليين و الله اعلم بحالة.
انهم نخب الدهماء و الغوغاء. تبا لهم".
ثم علق آخر : "دكتور لاحياة لمن تنادي الأفضل هو تجاهل أمثال هؤلاء" وآخر : "للأسف غياب الموضوعية وعند النخب هو أكثر مايضر بالطبيب". وبأريحية علق طبيب ثالث: "صراحة عندنا في موريتانيا نقص حاد في الوعي الصحي والثقافة الصحية من نخبنا ومن المواطن البسيط ، يعتقدون أن الطبيب هو المستشفي وهو الصيدلية ، ليس هنالك أي انصاف بل العكس التهكم والتشويه هو السائد". هذا مع تعليقات أخرى وتدوينات منفصلة بعضها يرد برأي محترم ومهذب ووارد ولكن لا علاقة له بالجملة المنشورة والتي هي من كلام الأطباء، وتوجه اللوم للإدارة، وأنا نقلتها مؤيدا لها، فأين المشكل.
ملاحظات
1ـ علامات الترقيم تُدرَس في برنامج الإعدادية وقبل توجيه الطلاب للتخصصات العلمية، هذا أولا، ثانيا التخصصات الأدبية والإنسانية عموما ليست مسبة إلا لدى الرئيس عزيز بما أن تخصصه غير أدبي، أو بعض الأطباء الأفاضل مؤخرا. ثم إن مسألة المعدلات لا يعرفه من لم يدرس مع من يعني، والكلام عنها فيه تجاوز حتى لا أقول عبارة أكثر حدة !
2 ـ من يريد أن ينتقد الأطباء سيجد ما يقول بكل تأكيد، وهذا يدركه السادة المعلقون أو على الأصح الشامتون المتسرعون، ومن ذلك أن بعض الأطباء هنا يحمل شهادات مزورة نعم مزورة، وبعضهم لا كفاءة له ونجح بعد سنوات كثيرة من الرسوب المتكرر، ولم يتطور بعد وصوله "السوق" المحلي لأنه لم يبحث ولم يبذل جهدا، ولم يتلق تكوينات كافية، وكثير من الأطباء هنا مع الأسف يمتلكه الجنوح الجامح إلى المال بدرجة ينسى مهنيته وإنسانيته، ولا يبالي بغير المكاسب النقدية. وبعضهم وقع ويقع في أخطاء طبية أكثر وأخطر من أن تحسب ضمن الأخطاء العادية التي تحصل هنا أو هناك، وبعضهم ـ قد لا يكون كثيرا ـ يحتاج أبجديات الأخلاق العامة حتى مع المرضى وهم على فراش الموت!
3ـ ليست الصورة السلبية هي الوحيدة، فهناك أطباء ـ خاصة من الشباب ـ على مستوى رفيع من الكفاءة والمهنية والأخلاق والنزاهة، وبعضهم ـ أعرفه شخصيا ـ يكرس وقته للمرضى حتى خارج أوقات دوامه الرسمي، ويساعد بماله وعلاقاته في علاج المحتاجين، لكنهم مع الأسف ليسوا أغلبية، كما أن السياسيين الجادين، والكتاب الصادقين، والموظفين النزهاء، ليسوا أغلبية، وهذا تحصيل حاصل، وعلى كل شخص أن يختار الكفة المناسبة له، ولحقيقته!
وختاما، وقفة الأمس شارك فيها أطباء محترمون جدا كفاءة ومهنية وسلوكا، ومن كتبوا عن هذا الموضوع ـ أو من ردوا على افتراض أن ما نشروه ردا ـ كثير منهم من الصنف الإيجابي من الأطباء، لكن ليس هذا مناط التوفيق في مشكل علامات الترقيم، أو في أساليب الرد والنقاش!
وعودا على بدء وللتوضيح، أكرر ما قاله الأطباء أمس في وقفتهم الاحتجاجية أنه من غير الانساني أن يتم طرد مريض من المستشفى دون علاج لأنه فقير. وأزيد أن هذا مشكل الدولة والسلطة والإدارة، وليس الطبيب طبعا. لكن للأطباء مشاكل أخرى كثيرة تتعلق بكثير منهم، وهم أدرى بها من غيرهم لا يمكن نكرانها.
-----------------------
من صفحة الأستاذ محمد الأمين سيدي مولود على الفيس بوك