لم تكد شائعات نزع الثقة الضاربة التي يحظى بها رئيس الوزراء والأمين العام لرئاسة الجمهورية سابقا الدكتور مولاي ولد محمد الاغظف تنتشر عبر أفواه ومنابر المرجفين في المدينة حتى تبددت وتحطمت على رؤوس أشهاد مروجيها خلال زيارة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الخميس الماضي لولاية الحوض الشرقي. ولم تنجح أماني من أرادوا أن يثبت أمام الملإ الإبعاد الرسمي للدكتور مولاي عن مكانته اللائقة؛ فعلى العكس من مرادهم أنصفت القيادة العليا معالي الوزير واستدعته لمكان يليق به، ويؤكد سمو اعتباره وتنامي الثقة في شخصه، ثم واصلت صحبته الوفية خلال بقية الزيارات المتلاحقة، تأكيدا لعرى الثقة ومتانة الصلة، ما يجعل حتمية عودة الرجل إلى صدارة المشهد السياسي ودائرة القرار العُلوي تحل مكان الشائعات وأماني الخصوم.
العودة المتوقعة للدكتور قد لا تقتصر على أدواره ومناصبه السابقة التي أدارها بكل حنكة وحصافة ورزانة كسب بها ثقة خصوم النظام مثلما نال بها ثقة القوى الفاعلة في المشهد السياسي الرسمي، وإنما سترفعه ـ في نظر كثيرين ـ إلى مراتب أعلى من المرحلة القادمة التي تصارع كل القوى الفاعلة في المشهد الحالي على حظوتها ومناصبها. إن الثقة التي يحظى بها الرجل لدى دوائر القرار الخارجية والاحترام الذي فرضه بسمو نفسه وحسن أخلاقه على المعارضة وغيرها، وإن ماضيه المفعم بأعمال الخير والبذل والعطاء والتفاني في خدمة أهله ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، صحيح البخاري)
ـ الذين سخر شركته الخاصة بحفر الآبار لري عطشهم، قبل قيام النظام الحالي، كما عرفوا خدماته الجليلة أثناء تسييره الرشيد لأحدى أهم وأطول مراحل قيادته لحكومات هذا النظام، وإن فترة الإنجازات الذهبية، التي لم تتحقق إلا على يده الميمونة، ولم تشهدها موريتانيا سابقا ولا لاحقا، والتي كان لسكان ولايته منها نصيب الأسد ـ لهي أمور وخصال تشد رباط تعلق سكان الولاية به وتزيد ثقتهم الرئيس محمد ولد عبد العزيز فيه، مما سيعزز عودته بطريقة تفند الأكاذيب وتبدد أحلام شماتة صغار العقول ومرضى القلوب، وتجعله محل ثقة وإجماع وطني وشعبي دائم ومستمر. كما أن وفاءه المشهود لبرنامج رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز منذ وصوله للسلطة، وتعلقه المعهود بخيارات الإصلاح ومحاربة الفساد وترشيد التسيير…
ـ الذي رفعه الرئيس شعاراتٍ وظلت أول حكومة في هذا النظام بقيادته تنفذه على أحسن وجه ـ لم تتزعزع قناعة الرجل إزاءها خلال أي فترة، ولم تصبه أي ارتكاسة ولا شكوك، تحت ضغط أي ظرف، بحسب العارفين بالرجل عن قرب. وليس من الغريب على مجتمع أنجب حفاظا وصلحاء وعلماء أفذاذا؛ مثل العلامة محمد الأغظف الشنقيطي الذي تولى تعليم الأمراء والقضاة في المغرب وشهد له اهلها مطلقا بالعلم الغزير والورع الكبير؛ (وهو جد معالي الوزير) ليس من الغريب أن ينجب ذلك المجتمع وذلك الجد أكاديميا ذكيا وسياسيا متمرسا، يتمسك بخصال العهد والوفاء والحنكة والحكمة، وحسن التسيير ونظافة اليد ودماثة الأخلاق، ويحظى بالقبول من طرف الجميع.
فما كان من خير أتوه فإنما توارثه آباء آبائهم قبل هل ينبت الخطي إلا وشيجه وتغرس إلا في منابتها النخل؟