واصل الرأي العام الموريتاني والدولي أمس متابعته النشطة لاستمرار السلطات القضائية والأمنية الموريتانية في اعتقال السناتور المعارض محمد ولد غده الذي مضى على حبسه أسبوعان اليوم.
وبينما دخلت الحكومة الاتحادية الألمانية على الخط مبدية قلقها لاستمرار حبس السناتور، أطلق محاميه أحمد سالم بوحبيني نداء استغاثة للرأي العام دعاه فيها للوقوف مع «هذه القضية العادلة وقفة سلمية وفق الضوابط القانونية لنضع حدا لمثل هذه الانتهاكات في حق السياسيين المعارضين»، مؤكدا أنه «يعول بصفة خاصة على الشباب والمدونين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي وجالياتنا المقيمة في الخارج التي ظهر دورها الفعال والمهم خلال الاستفتاء الأخير».
وأضاف المحامي» تابعتم جميعا ما يتعرض له السناتور محمد ولد غدة منذ حادث السير، الأليم وغير المتعمد، الذي تم استخدامه من قبل السلطات العليا للبلد لتصفية الحساب معه عبر أقذر عملية تجسس عرفتها البلاد تم خلالها نشر مراسلاته الشخصية في سيناريو هوليوودي محكم يهدف إلى إلحاق أكبر قدر ممكن من تشويه صورته، واليوم، وبعد فضيحة الخامس من أغسطس/آب التي جعلت النظام يصر أكثر من أي وقت مضى على تصفية الحساب مع خصومه السياسيين، يقبع محمد في سجنه وحيدًا لا لجرم اقترفه سوى أنه حاول تسليط الضوء على خفايا ملفات الفساد وصفقات التراضي التي يراد لها أن تظل في العتمة».
«إن ما يجب أن تبرزه قضية ولد غدة»، يضيف المحامي، «هو أننا نشهد انتكاسة ديمقراطية مثيرة للقلق، فقد أدى الاستفتاء إلى إحياء الأساليب القديمة التي كنا نعتقد أنها ماتت من تورط الإدارة واستخدام وسائل الدولة والاحتيال وحشو صناديق الاقتراع وقمع المتظاهرين، وها نحن نعود إلى الاعتقالات التعسفية وعمليات الاختطاف وأماكن الاحتجاز السرية».
وزاد: «ربما يختلف بعضنا مع السناتور غدة، لكن هذا الواقع المؤسف يحتم علينا جميعًا أن نتوحد في وجه الظلم والتعسف ومصادرة الحقوق بالوقوف معه كي لا يضيع الحق في هذه الأرض ويختفي المطالبون به».
هذا وأكدت باربل كوفلر مندوبة الحكومة الاتحادية الألمانية لسياسة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية: «أن سرية المكان الذي يوجد فيه السناتور محمد ولد غدة منذ اعتقاله من دون أمر قضائي في الحادي عشر أغسطس/آب 2017، يسبب لها قلقا كبيرا».
وأضافت: «بصفته عضوا في مجلس الشيوخ فإنه يتمتع بالحصانة البرلمانية وهذا ما يجعل اعتقاله مخالفا لمبادئ دولة القانون».
وأكدت المندوبة الألمانية: أنها «قلقة كذلك لوجود مضايقات في حرية التجمع وحرية التعبير وللانتكاسة العامة في حالة حقوق الإنسان في موريتانيا، تزامنا مع استفتاء الخامس من أغسطس /آب».
«إنني أدعو الفاعلين السياسيين»، تضيف باربل كوفلر، «إلى البحث عن طريق للحوار من أجل حل سلمي للتوترات القائمة في إطار أسس دولة القانون المعترف بها على المستوى الدولي». وأكدت «أن الوضع الحالي يلزم الموريتانيين بتوحيد جهودهم لصون السلام والانسجام الاجتماعي».
وكانت النيابة العامة في موريتانيا قد أكدت في بيان أخير لها «أن اعتقال ولد غدة يأتي بعد توصلها لمعلومات موثقة تتعلق بتشكيل منظم يهدف إلى زعزعة السلم العام»، مبرزة أنها «فتحت تحقيقات ابتدائية معمقة وشاملة، تتعلق بالتمالؤ والتخطيط لارتكاب جرائم فساد كبرى عابرة للحدود».
«وفي إطار تلك التحقيقات، تضيف النيابة، تم حتى الآن توقيف المشتبه به محمد ولد أحمد ولد غدة، طبقا لأحكام وترتيبات القوانين المعمول بها، وأتيح له اللقاء مع محاميه ضمانا لحقوق الدفاع«.
وأضافت: «وكان المشتبه به نفسه قد تم توقيفه رفقة مشتبه به آخر بناء على شكوى تقدم بها ضابط في الجيش، تتعلق باختلاق وقائع وتصريحات كاذبة. «
وفي بيان أكدت المعارضة الموريتانية «أن النيابة العامة أصدرت بيانا صادما، اعتمدت فيه لغة التهويل والتهديد، وتحدثت فيه عن «قيام أشخاص متعددين بالتمالؤ والتخطيط لارتكاب جرائم فساد كبرى عابرة للحدود ومنافية للأخلاق، في محاولة لإلهاء الرأي العام ولفت أنظاره عن الأزمة المتفاقمة التي يتخبط فيها النظام، وعن الهزيمة السياسية النكراء التي تكبدها من جراء فشل استفتائه الهزلي الذي قاطعه الشعب الموريتاني بصورة واسعة على امتداد التراب الوطني.
إن إطلاق الاتهامات الخطيرة التي لا تعتمد على أي أساس، تضيف المعارضة، وتلفيق التهم، واختلاق الأزمات والمؤامرات الوهمية، ظل دائما هو السلاح الذي تلجآ إليه الأنظمة الديكتاتورية لتبرير جرائمها ضد الديمقراطية وحرية مواطنيها ولتلبيس سوء إدارتها ونهبها لخيرات بلادها، وعندما تعجز عن حل المشاكل الحقيقية وعن مواجهة الواقع بشجاعة وحكمة وتبصر، يكون الهروب إلى الأمام لجر البلاد نحو المجهول؛ إنها محاولة لإلباس الآخرين جريمة زعزعة الأمن التي يقترفها النظام من خلال هذه الاتهامات الخطيرة واختلاق مبررات واهية لتصفية حساباته مع خصومه السياسيين.
وتابعت المعارضة: «إن اعتقال الشيخ محمد ولد غدة ليس حدثا معزولا، فهو يدخل في إطار سياسة النظام القمعية التي عادت بالبلاد إلى عهد الأحكام العرفية، المتمثلة في خنق الحريات، وقمع التظاهرات السلمية للأحزاب المعترف بها رسميا، والتنكيل بالاحتجاجات السلمية للشباب والنساء، ومحاولة كبت كل صوت يرتفع ضد الظلم والتعسف وطغيان الحكم الفردي. «
الحقيقة، حسب المعارضة هي أن الشيخ محمد ولد غدة رجل معارض، صدح عاليا بمواقفه السياسية وبعلاقاته مع الموريتانيين جميعهم الذين يقاسمونه الرأي والمواقف عينهما، وعلى العكس مما قالته النيابة فقد تم التعامل معه بصورة منافية لكل القوانين والنظم والأعراف، إذ تم اختطافه ليلا وهو يتمتع بحصانته البرلمانية من طرف أشخاص يرتدون زيا مدنيا من دون مذكرة توقيف أو مبرر، وقضى ثلاثة أيام من دون أن يعرف عنه ذووه ومحاموه أي شيء، ومن دون أن تعرف عنه العدالة أي خبر، كما منع محاموه من لقائه على انفراد في خرق سافر للقانون، ولم يقدم ملفه للعدالة إلا بعد تواصل الضغط والاحتجاجات من طرف المعارضة الديمقراطية والرأي العام والصحافة، ولا يزال حتى اليوم رهن الاختطاف التعسفي.
إن تلفيقات النظام وتهديداته، تقول المعارضة الموريتانية: لن تخيف الشيخ محمد ولد غدة، المعروف بشجاعته وثباته على مواقفه، ولن ترهب المعارضة الموريتانية التي ستواصل تصعيد نضالها من أجل الدفاع عن الحريات وعن مصالح الشعب من أجل إعادة المسلسل الديمقراطي للطريق السليم.
إننا في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، يضيف البيان: نجدد إدانتنا القوية لما تعرض له الشيخ محمد ولد غدة ويتعرض له من معاملة خارجة على القانون والأخلاق، كما نجدد وقوفنا الحازم وتضامننا القوي معه، وعزمنا على مواصلة النضال من أجل إطلاق سراحه واسترجاعه حقوقه كافة، وندين بشدة استخدام القضاء من أجل تصفية الحسابات مع المعارضين، ونحذر النظام من مغبة الهروب إلى الأمام واختلاق الأزمات والدفع بالبلد نحو مزيد من الاختناق السياسي ومخاطر عدم الاستقرار».
ويأتي اعتقال السناتور غدة أياما بعد نشره لمقطع فيديو تضمن شهادة صوتية للرقيب محمد ولد محمد امبارك تنفي الرواية الرسمية لحادثة تعرض الرئيس محمد ولد عبد العزيز لطلق ناري يوم 13 أكتوبر 2013.
كما يأتي اعتقاله بعد نجاحه في إقناع غالبية أعضاء مجلس الشيوخ الموريتاني بالتصويت ضد التعديلات الدستورية التي مررتها الحكومة في استفتاء شعبي نظم في الخامس آب/أغسطس الجاري، مع تمكنه من تمويل نشاطات المعارضة الموريتانية بالتنسيق مع المليونير الموريتاني المعارض محمد بوعماتو.
القدس العربي