إن الوهابيّة، شأنُها شأن أية امبراطوريّة، إنّما تتقوّضُ من المركز. ولمّا كان لابدّ للوهابيّة أن تتوقّف عن التوسّع في مستهلِّ القرن الـ20 فإنّه ما كان لها ذلك إلاّ بأن تلتفّ على داخِلها وتأكل من نفسِها. فقد لُملِم "الإخوان" الأقدَمون، وهم جُند الوهابية ومُقاتِلوها، وذبحهم الملك عبد العزيز في 1929. ومن يومِها صارَ للوهابيّة قانون آخر: فقد صًولِحت مع الدولة الوطنية الحديثة ومع السياسة السلطانيّة في نفس الوقت الذي ظلّت فيه جِهادية. فكانت، بالمشيخية وأصول المطاوعة، تخلقُ وتُذوِّتُ الجهاديين، ثم تقوم، بذراعِها الملكي، برميِهم إلى الجهادات في الخارج، في اليمن وفي ظِفار وفي أفغانستان وفي البلقان والجزائر والعراق وسوريا ثم اليمن. فكان للوهابيّة ذراعان: ذراع كهنوتي لخلق الورع العنيف، وذراع ملكوتي لتصريف ذلك العنف بعيداً عن المملكة. وفيما كان العنفُ، كما هو في أي نظامٍ، مهماً للحوكمة؛ فإنّه كان خطراً ضروري النفث والبصق إلى الخارِج.
ثمّ إن الوهابيّة أعادت تعريف نفسِها وتعريف موضوع حوكمتِها فلم تجد أثمن من المرأة. فجسد المرأة، برأيِها، هو الذي ينفثُ منه الشيطان، وهو الذي يتفكّك منه المجتمع. وكانت المطاوعة هي جهازٌ لإبقاء المرأة في القمقم. أما إذا اضطرّت الدولة السعودية لإمرأة ذات جسد عمومي فإنه تكوّنها في الأخ سام.
إلاّ أنَه نُسيَ أنه بقدر ما تنفث السياسة الحيوية الوهابيّة النطرّف في الخارج بقدر ما تستدخِل مما هو ليبرالي. والواقِع أن الدِّيني واللاديني هما شرطان متصاحِبان، لا ضِدَان متناقِضان، كما بيّنا غير ما مرّة.
يُفهَمُ اليوم أن حلّ المطاوعة وإعادة إطلاق المرأة في المجال العام هو نهاية الوهابيّة، وهو البرسترويكا التي من خلالها قضت الوهابيّة على ذاتِها. والواقِع أنه مرحلة اخرى من تعانق "الضدّيْن" فيها؛ وربّما هو ضربتُها الاستباقية لمقايضة بروز المرأة بحرياتِها السياسية والمدنية الكثيرة الأخرى.
----------------------
من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك