حديث صَفقات الصّواريخ والمُعدّات العَسكريّة، والمُفاعلات النوويّة هو الأعلى صَوتًا هذهِ الأيام في مِنطقتنا “الشّرق أوسطيّة”، فها هو العاهل السّعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يُعلن عن توقيع صَفقةٍ ضَخمةٍ لشِراء صواريخ “إس 400″ الروسيّة المُتطوّرة جدًّا على هامش زيارته الحاليّة لموسكو، وها هي أمريكا تَرد بمُوافقتها الفوريّة على بَيع المملكة مَنظومة صواريخ “ثاد” الأمريكيّة الدفاعيّة، وقَبل هذا وذاك أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل اسبوعين عن توقيع بلاده اتفاقًا لشِراء مَنظومة الصّواريخ الروسيّة نَفسها.
ماذا يَجري بالضّبط؟ وما الذي تَطبخه الولايات المتحدة الأمريكيّة وحُلفاؤها في المِنطقة؟ ولماذا هذهِ الهَجمة التسليحيّة المُكثّفة؟ وفي مِثل هذا التّوقيت؟ وبَعد أن أُوشك القضاء على “الجماعات الجهاديّة”، وتحديدًا “الدولة الإسلاميّة” وجَبهة “النّصرة” في العراق وسورية؟ وهل مَمنوعٌ على هذهِ المِنطقة وأهلها التمتّع ببِضعة أشهرٍ أو سنواتٍ من الهُدوء والاستقرار والتقاط الأنفاس بعيدًا عن الحُروب والدّماء، والحَلب المالي والاقتصادي والنّفسي؟
***
إنّها الحَرب.. ولَيس لدينا أيّ إجابةٍ أُخرى.. والرّئيس الأمريكي دونالد ترامب “بَشّرنا” بها يَوم أمس أثناء استدعائه لقادتهِ العَسكريين وزَوجاتهم إلى قاعة الطّعام في البيت الأبيض لالتقاط الصّور بعد حفلِ عشاءٍ دَسِم، وَصَف على هامِشه مَوقف بِلاده في اللّحظة الرّاهنة من إيران وكوريا الشماليّة بأنّه “الهُدوء الذي يَسبق العاصفة”، وأنّه بَحث الخيارات العَسكريّة مع قادة الجيش ضِدّ هذين البلدين، وعندما سأله أحد الصّحافيين عن “أيِّ عاصفةٍ” يَتحدّث؟ قال سَتعرفون قريبًا.
سُؤالٌ آخر يَستوجب علينا طَرحه، وهو: إذا كانت الحَرب قادمة، أو وشيكة، مِثلما يُهدّد الرئيس ترامب، فأينَ سَتبدأ أولاً: في إيران التي اتهمها بدَعم الإرهاب وتَصديره، وزَعزعة أمن المِنطقة، أم في كوريا الشماليّة التي توعّدها في خِطابه أمام الجمعيّة العامّة للأُمم المتحدة بتَدميرها تمامًا، إن دَعت الحاجة، دِفاعًا عن أمريكا وحُلفائها؟
الاجابة يَملكها الرئيس ترامب وَحده، وكِبار مُساعديه، ولا نَملك غير الاجتهاد، والولوج إلى أحد أبوابه، ونَتكهّن بالتّالي بالقَول بأنّه قَد لا يَخوض حَربين ضِد دَولتين قويّتين ونوويّتين، أو إحداهما نوويّة على الأقل، في آنٍ واحد، وربّما يَختار البِدء بـ”الأسهل” أي إيران، لتَأديب الأصعب.
ما يَجعلنا نُرجّح هذهِ النظريّة تواتر التّقارير عن عَزمه الانسحاب من الاتفاق النّووي الإيراني مُنتصف الشّهر الحالي (15 أكتوبر) لأنه لم يَعد في مَصلحة الأمن القَومي الأمريكي، مِثلما صرّح، أي الرئيس ترامب، في أكثرِ من مُناسبة، مُضافًا إلى ذلك أنّه بدأ مُشاوراته مع المُشرّعين الأمريكيين (أعضاء الكُونغرس) لبَحث كل الجوانب القانونيّة والدستوريّة، وقالت صحيفة “الواشنطن بوست” أن مُساعديه يَتحدّثون عن استراتيجيّةٍ جديدةٍ ضِد إيران “لوَضع حدٍّ لطُموحاتها النوويّة وعُدوانها المُستمر”.
بَعض المُراقبين يَعتقد أن ترامب يقول ما قاله في إطار الحَرب النفسيّة، فدَعوته للصّحافيين لحُضور حفلِ العَشاء الذي ألقى في أعقابه تصريحاته “المُرعبة” حَول الهُدوء الذي يَسبق العاصفة جاءت على عَجلٍ، ولم تَكن ضِمن برنامج الحَفل، ممّا يَعني أنّه كان يُريد إيصال هذهِ الرّسالة إلى الشّعب الأمريكي والعالم، ولكنّ البَعض الآخر من المُحلّلين يَقول بأنّ المسألة جديّة، وأن الرئيس الأمريكي “مُتهوّرًا” يَعيش “مَزاج الحُروب”، بَعد اتّهامه من قِبل مُنتقديه بأنّه شخصٌ “بفمٍ كبير” يُطلق تهديداتٍ عديدةٍ لم يُنفّذ أي منها.
***
الإيرانيون يَستشعرون الخَطر، ويَتهيّأون له، فالسيد محمد جواد ظريف وزير الخارجيّة، قال إن إلغاء الاتفاق “يَفتح أبواب جهنّم”، وأكّد أن بِلاده تَملكُ خياراتٍ كثيرةٍ، وشَدّد على أنها، أي إيران، لن تُوافق على أي شيء يُقيّد قُدراتها الدفاعيّة، ولكن رد الفِعل الأقوى هو الذي صَدر عن السيد حسن نصر الله في خِطابه بمُناسبة الاحتفال بذِكرى عاشوراء قبل يَومين عندما طالب اليهود بالهُروب من فِلسطين إلى الدّول التي جاءوا منها لأنهم سَيكونون وقود حَربٍ وشيكةِ الاشتعال على أرضيّة الاستفتاء الكُردي في شَمال العِراق، وهَدّد بأنّها حرب لا أحد يَتنبأ متى تَنتهي وأين.
حال العَرب مِثل حال “شُهود الزّور”، أو “خيال المآتة”، على حَدِّ تَوصيف الأشقاء المِصريين، أي أنهم ليسوا أصحاب قرار، وإنّما أدوات تَنفيذ لما سَيُملى عليهم من أوامر وقراراتٍ، وسَيكونون، أو بعضهم، وقودًا لهذهِ الحَرب إذا ما اندلعت، وسَيَدفعون ثَمنها، ويُغطّون نَفقاتها، وما الجَديد في هذا الصّدد؟