لقاء الشباب والرئيس.. الصورة المختلفة للزعيم العربي / سيد احمد ولد التباخ
الثلاثاء, 01 أبريل 2014 11:08

 سيد احمد التباخظلت الصورة النمطية القائمة في العقل السياسي العربي وفي المخيلة الشعبية عن الزعيم العربي ــ أي زعيم عربي ــ أنه ذلك المستبد الدكتاتوري الجاهل العاجز عن قراءة حتى البيان الذي يُكتب له ويدرب عليه لفترة طويلة. هذه الصورة النمطية تكرست في الأذهان الجماهيرية

بفعل غياب الزعماء العرب عن الحضور في المجال العام بغير الصور المكبرة والخطب المكسرة التي لا يتقن الزعماء حتى تلاوتها على الجماهير.

 

تلك الصورة السيئة للحاكم العربي فشلت كل الهزات الجماهيرية وكل عمليات تثقيف الزعماء في كسرها، وحتى الحراك العربي الذي أسقط أنظمة عربية فشل في ضرب الصورة الراسخة في الذهن الجماهيري عن الزعيم الجاهل والزعيم السطحي. ضرب هذه الصورة كان يحتاج لحدث تاريخي، ويحتاج لرجل يعيد المفاهيم لوضعها الطبيعي ويعيد للجماهير منطقا آخر في التعاطي مع الحاكم خارج الصورة التقليدية، فكان الحدث "لقاء الشباب والرئيس.. انتم الأمل" وكان الرجل هو الزعيم الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.

 

نعم أيها السادة في لقاء الشباب والرئيس هذا جلس رئيس بلد عربي لمدة 6 ساعات يحاور شبابا من خريجي أعرق جامعات الدنيا، يحاورهم في الاقتصاد والسياسية والدين والتعليم والصحة والأمن والثقافة والفن والإعلام والرياضة، وكان في كل أجوبته مقنعا، منطلقا من أرضية نظرية تدل على عمق أصيل في تفكير الرجل، ومنطلقا من واقع وتحديات يحاول بإرادة جبارة تجاوزها والعبور ببلده إلى بر الأمان.

 

لن أقول لكم هنا بأن ولد عبد العزيز في ردوده الاقتصادية كان "سمير أمين"، ولن أقول لكم بأنه في ردوده السياسية كان "موريس دوفرجيه"، و بالطبع لم يكن في ردوده الدينية محمود شلتوت او طه عبد الرحمن.. لكنه كان رجلا بمشروع، وزعيما يحمل تصورات عن واقع عاشه ويدرك كل كنهه وخباياه، ويسعه ما وسعته الظروف للعبور والتجاوز .. لم يكن في تصوراته طوباويا يتحدث بمثالية فاضلة ويَعِدُ بمدينة في الفردوس، ولم يكن متشائما يُحَمّل التاريخ كل المسؤولية، ويحمل الظروف والإكراهات كل تردي الواقع.. لقد كان الرجل واضحا ويتكلم انطلاقا من الواقع ومن الجهود التي تحققت والمساعي التي تبذل ومن طموحه لموريتانيا ومساعيه من أجل النهوض بها.

 

إن لقاء الرئيس والشباب بقدر ما كان له من مكانة وطنية ومن مساهمة في رفع النقاش الوطني من المستوى السياسي الحزبي والصراع ما بين الموالي والمعارض، إلى نقاش معرفي بين النخب الوطنية والفاعل السياسي الأول في البلد، وإعطاء المجال ـ ربما لأول مرة في الوطن العربي ـ للشباب وللمثقفين بوضع تصوراتهم ومشاريعهم لخدمة وطنهم .. كانت له أيضا مكانته العربية ومساهمته في تغيير الصورة القاتمة عن الزعيم العربي والتحول من النظر إليه كشخص فوقي، جاهل، نرجسي، مستبد ومتعجرف إلى رجل مثقف، حواري رزين ورصين يناقش الفكرة بالفكرة ويرد على النظرية بنظرية وعلى التصور بتصور، ويستحضر التاريخ والمعطيات ويحلل نظريا وكميا كل الوقائع ويدرسها في سياقها المحلي والإقليمي والدولي، وهو ما ينم عن تمكن وعن مستوى أعلى من التكوين والتأسيس يتمتع به الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.

 

إن المحاولة الوحيدة على حد علمي التي حاول فيها زعيم عربي مناظرة الشباب او لقاء الشباب كانت مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي قابل الشباب المصري بعد أحدث السبعينات وأحداث جامعة القاهرة، ونهض له "حمدين صباحي" المرشح الحالي لرئاسة مصر وكان يومها مناضلا طلابيا و"عبد المنعم أبو الفتوح" المرشح الأسبق للرئاسة وألقماه حجرا وحجماه في وضعه الطبيعي، ومن ساعتها و"فوبيا" الظهور والحوارات المباشرة هاجس يرعب الزعماء والرؤساء العرب حتى كسر محمد ولد عبد العزيز الجليد ..واعلن عن ميلاد نوع جديد من الزعماء لا يخاف من الميكرفون عندما يتحدث فيه غيره، ولا يهاب الحوارات والنقاشات، ولا تحرجه الأسئلة حتى ولو استمرت ساعات وساعات.

 

إن ظهور الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الأخير في لقاء الشباب يتطلب فهما متأنيا وتحليلا عميقا لدوافعه وأسبابه وقدرة الرجل على خوضه، فالقدرات الذاتية والتكوين الشخصي والمستوى الفكري او الثقافي لا تكفي فقط ليجلس رئيس جمهورية مع نخبة بلده للحوار إن لم يشفع الموضوع بظروف موضوعية وسياسات وطنية ومشاريع تنموية تضع الرئيس في خانة تسمح له بالحديث وتسمح له بالكلام خارج القدرات الإنشائية فقط. هذه هي الميزة والقيمة المضافة لقدرات الزعيم الموريتاني محمد ولد عبد العزيز والتي مكنته من النجاح في لقاء الشباب، ومكنته قبلا من النجاح في لقاء الشعب، وهي التحرك في خيارين خيار البناء والتنمية وخيار الحوار المفتوح والنقاش مع الجميع والاستفادة من قدرات وكفاءات الجميع وهذا هو ما يحتاجه الوطن أي وطن.

سيد احمد ولد التباخ إعلامي