زواج الفتيات القاصرات ضحيّة سوريّة ومتعّة أجنبية (قصص مؤلمة) |
الأحد, 15 نوفمبر 2015 13:18 |
في أحد الأحياء الشعبيّة الواقعة بمدينة «أورفا» التركية جنوبي البلاد، يجتمع عدد من النسوة السوريات في حديقة صغيرة لم تنتهِ بلدية المدينة من إنشائها بعد. يجلسن على العشب الأخضر الذي بدأ نموّه للتو بعد الأمطار الغزيرة التي هطلت الأسبوع الماضي، يتحدّثن عن العودة إلى سوريا ويبدو أنهن فقدنَ الأمل في ذلك من خلال سماعي لحديثهن المصيري منذ لحظات استئذاني بالجلوس معهن.
«أم ربيع» تلك العجوز السوريّة الصلبّة التي بدا التعب واضحاً على وجهها الريفي، ووالدة ست فتيات تركنَ دراستهن بعد لجوؤهن من سوريا إلى تركيا، ترحب بي بدهشّة كبيرة، لتضيف بعد مقدمة حديثنا هذا «ماذا ستفعل الصحافة لنا ولمشاكلنا، لقد زارنا العديد من الصحافيين من قبل ولم يتغير حالنا إلى الآن»، بعدما أخبرتها أنّني مراسل صحيفة «القدس العربي» اللندنية. تتابع «أم ربيع» في حديثها لـ «القدس العربي» بعدما جلستُ إلى جانبها، قائلةً «لقد توفي زوجي منذ 10 سنوات، وكانت لنا مساحات صغيرة من الأراضي الزراعية في ريف مدينة دير الزور، كانت تكفينا محاصيل تلك الأراضي لمعيشتنا السنوية لكن نتيجة سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على قريتنا، والمعارك الدائرة بينه وبين النظام السوري ومختلف الفصائل المقاتلة هناك، اضطررنا للخروج من بيوتنا بعد اشتداد المعارك في تلك المناطق، ونتيجة ذلك أيضاً تركت بناتي دراستهن والتحقن بالعمل في المتاجر التركية بمدينة أورفا بعد لجوئنا إليها أنا وبناتي، حيث نقيم معاً في بيتٍ صغير الآن وننتظر معاً عودة ابني ربيع الذي اعتقلته القوات السورية بعد فراره من الخدمة الإلزامية دون أن نعرف عنه شيئاً منذ أكثر من سنتين». لم تكن «أم ربيع» التي دُمِر بيتها نتيجة قصف قوات النظام السوري بالبراميل المتفجّرة، وفقدتْ أخبار ابنها بعد فراره من الخدمة الإلزامية، تعلم أنّ إحدى بناتها ستكون ضحية لزواج السوريات القاصّرات من المواطنين الأتراك بعد تخلّصها من القلق اليومي من خطف بناتها أو تعرضهن للاعتقال من قبل النظام السوري بعد وصولهن جميعاً إلى تركيا «بلد الأمن والأمان» على حد تعبيرها. فزواج الفتيات السوريات القاصرات اللاتي لم يتجاوزن السنّ القانوني بعد، يكون غالباً بهدف إنقاذ عائلة الفتاة القاصّر من التشرد في شوارع دول الجوار السوري كالأردن ولبنان وتركيا وإقليم كُردستان، وليس لأي سببٍ آخر فيما لو لم يكن هناك معيل لهذه العائلات، وتكاد تكون تلك الحالات في مجملها مشابهة لحالة العجوز السورية «أم ربيع» التي لا معيل لها سوى بناتها، الأمر الذي أدى بها إلى قبول زواج ابنتها عائشة البالغة من العمر خمسة عشر عاماً من رجلٍ تركي في الأربعين من عمرهِ ومتزوج من امرأة تركية أخرى قبل سنوات.
الزواج مقابل تأمين السكن
تتأفف «أم ربيع» قليلاً أثناء كلامها هذا وتتابع السرد في تجربة ابنتها القاصر تلك بعدما تُشعلُ سيجارة من علبة سجائرها السورية، لتقول «لم أكن أريد أن يتم هذا الزواج، بخاصة وأنّ عائشة هي ثالث بناتي وهي قاصّر أيضاً، وأنا أخشّى من عنوسة شقيقاتها الأكبر، لكن ذاك الرجل التركي الذي طلبها للزواج، كان قد أُعجبَ بها، ولم يقبل بالزواج من شقيقتها الكبرى، كما أنّه لم يكن لدينا خيار آخر، إما الزواج من ذاك الرجل التركي أو ترك البيت الذي قمنا باستئجاره عن طريق مكتبه العقاري بعدما تراكم علينا مبلغ إيجار البيت لأكثر من ستة أشهر، نتيجة فقدان بناتي لعملهنّ في متجرٍ تركي لبيع الملابس النسائية». «لقد تعرّضنا للاستغلال يا ولدي، لقد استغلَ ذاك الرجل التركي سوء وضعنا المعيشي» تقول «أم ربيع» هذا الكلام وتشرع بالبكاء هي وابنتها عائشة التي تعرّضت للطلاق بعد زواجها بثلاثة أشهر، وعادت إلى العمل في متجرٍ تركي بعد حصولها على عملٍ فيه مع بقية أخوتها. تقول عائشة صاحبة هذه التجربة المريرة كما تصف، بعدما مسحت دموعها برقعة قماشٍ أسود من حجابها، لـ «القدس العربي» «لقد كانت حياتي جحيماً مع ذاك الرجل التركي الذي تزوّجته، كان يخبّرني دائماً طيلة فترة زواجي منه، أنّه سيرمي عائلتي في الشارع لو لم يستمر زواجي منه، لقد كنتُ مجرّد سلعة بين يديه ليس أكثر من ذلك، لقد تزوجني بهدف المتعة الجنسية فقط وليس لأي سبب آخر».
زواج سري وغير قانوني
وتشير عائشة إلى أنّ زواجها من هذا الرجل كان سرياً، لم يعلم به أحد من أقرباء ذاك الرجل التركي، فقط كانت والدتها وبعض أقربائها في «أورفا» على دراية بهذا الأمر. وتضيف «لقد كانت تجربة قاسية، لا أتمناها لأي فتاة سورية أخرى، أشعر أن تلك الأشهر الثلاثة من زواجي منه كانت الأطول في حياتي، ريثما وصلنا إلى الطلاق بعدما تمكنت أسرتي من إيجاد منزلٍ آخر، كان بسعر أرخص، تمكننا من دفع مبلغ إيجاره لمدة ستة أشهر بعد عمل أخواتي في متجر صغير للملابس النسائية خلال فترة زواجي، حتى استطعت أن أطلب من ذاك الرجل التركي أن يطلقني، وبالفعل لم يتردد بتنفيذ طلبي هذا، وبذلك عدت إلى عملي وأسرتي مرة أخرى». ورداً على سؤال لـ «القدس العربي» حول عدم معرفة عائشة إن الطلاق والاستغلال يكون الفيصل في مثل هذه الحالات من زواج الفتيات السوريات القاصّرات، تقول «كنت أعلم ذلك ونبّهتني والدتي إلى هذا الأمر، لكنني لم أستطع الهروب من الواقع من أجل أسرتي، لقد خسرت شقيقي ربيع ولا نعلم عنه شيئاً حتى الآن، ولم أكن أريد لأسرتي أن تعيش في الشارع فيما لو رفضت الزواج من ذاك الرجل التركي الذي لم تربطني به أي وثيقة رسمية تركية». عائشة، هي واحدة من عشرات القاصرات اللاتي تم استغلالهن بسبب الحاجة في دول الجوار السوري، لكن في الوقت ذاته لا يخفى على أحد من المتابعين للشأن السوري العام أن زواج أولئك الفتيات القاصرات، لم يكن يمثل ظاهرة اجتماعية قبل انطلاقة الثورة السورية وكان مرتبطاً بعاملي الجهل والأمية لدى الأهل، أكثر مما هو مرتبط بحاجة اقتصادية اليوم، فهي تمثّل الآن ظاهرة خطيرة بكل المعايير.
ارتفاع نسبة زواج القاصرات لسوء الأوضاع الاقتصادية والأمنية
فالحقوقي السوري المعارض لنظام الأسد غزوّان قرنفل والمدير التنفيذي لمركز الكواكبي لحقوق الإنسان، يوضح في حوارٍ مع «القدس العربي» أسباب زواج الفتيات السوريات القاصرات، فيقول «لعل أبرز أسباب هذه الظاهرة، هو تدني المستوى الاقتصادي وانعدام الدخل تقريبا للأسر السورية، ما يدفعها لتزويج بناتها مبكراً، بهدف التخفيف من أعباء الأسرة المالية ورغبة في حماية تلك الفتاة القاصرة من أن تكون عرضة للتحرش أو الخطف في ظل أوضاع أمنية غير مستقرة ونقل عبء مسؤوليتها عن كاهل ذويها سواءً في سوريا أو دول الجوار». وينوّه قرنفل في حديثه إلى أنّه «في تركيا لا يجوز قانونياً ولا يوثق عقد الزواج لمن لم تتم الثامنة عشرة من عمرها وكل زواج خلاف ذلك يمثل خرقا للقانون يستوجب المساءلة ويرتب العقاب، كما أن مسألة تعدد الزوجات نفسها غير مقبولة في القانون التركي وكل زواج ثانٍ لا يسجل في البلدية ولا يرتب آثاره القانونية، بل ويترتب عليه جزاء بالسجن حتى 6 أشهر على كل من الزوج التركي والزوجة الثانية، وحتى كاتب العقد العرفي أو الشرعي بينهما أيضا، وهذه حقيقة يجب أن يعرفها اللاجئون السوريون في تركيا». ويتابع «أن الأمر الذي يدفع الفتيات السوريات القاصّرات للقبول بمثل هذا الزواج، هو الظروف المالية والاجتماعية الضاغطة عليها وعلى أسرتها، ما يجعلها تخضع لإرادة ذويها بتزويجها «ستراً» لها وجهلاً بما يعكسه هذا الزواج من آثار مدمرة عليها وعلى مستقبلها في الوقت ذاته، فأحياناً يكون لتلك الفتاة القاصّر رأي وغالباً ما تكون مضطرة أو مكرهة للقبول بهذا الزواج، فالحال تبدل ولم تعد الظروف مماثلة لما كانت عليها قبل سنوات عدة فقط». ويؤكد «إن بعض الفتيات السوريات يمتهنَّ الدعارة بعدما يتركهن أزواجهن دون سند أو معيل، وبعضهن يكرهن على امتهانها، لكن بالعموم النسب لا تمثل ظاهرة وليس لدينا إحصائيات دقيقة في مركزنا الحقوقي حول هذا الأمر، فكل الشعوب التي تمر بظروف مماثلة يحصل فيها ذلك». وتجدر الإشارة إلى أن «مركز الكواكبي لحقوق الإنسان» قد قام بتوثيق زواج السوريين في تركيا مجاناً وبشكل تطوّعي، إذ يؤكد المركز إن نسبة زواج الفتيات السوريات القاصرات عموماً لا تتجاوز 7٪ من حالات الزواج التي تم توثيقها في مقرّه، كما أن المركز من جهته لا يعمل على توثيق زواج القاصّرات، لكنه يضطر أحياناً إلى إصدار وثيقة تثبيت لمثل هذه الحالات بعد قدوم الزوجين إليه، ويكونا قد تزوجا مسبقاً بعقدٍ عند رجال الدين.
خشية من شبح العنوسة أيضاً
أما عن الخطط والبرامج الهادفة للوقوف ضد زواج القاصرات واستغلالهنّ، فكان لابدّ من نشر التوعية من خلال إقامة ورشات تدريبٍ للفتيات السوريات القاصرّات بالتنسيق مع المنظمات المعنية بحقوق المرأة في دول الجوار السوري، وذلك بحضور مدرّبين مختصين في هذا المجال، وكذلك العمل على تفعيل دورهنَ في المجتمع وتوظيف قدراتهن، الأمر الذي تقوم به منظمة «جيان» للمرأة، وهي إحدى المنظمات السورية المهتمة بشؤون المرأة. وتقول هيرو فارس الإدارية في منظمة «جيان» لـ «القدس العربي» إن «منظمتنا محلية، وتعمل في المناطق الكردية من سوريا وكذلك في مخيمات إقليم كُردستان العراق وتركيا». وتضيف «للأسف، قمنا بإحصائيات عدة وكانت نسب زواج القاصرات مخيفة، فهي تتجاوز 30٪ من نسبة الفتيات المتزوجات في أماكن عمل منظمتنا وبخاصة في الأشهر الأخيرة، في الوقت الذي تقتصر فيه وسائل حمايتنا لهن على توعية الفتاة القاصّر المتزوجة إلى حقوقها وسبل حفظ كرامتها وإلى توعية الأسرة أيضاً، بغية الوقوف إلى جانب ابنتهم وحمايتها من أي ضرر قد تتعرض له من قبل الزوج». وتستمر فارس بالقول «إن نسبة زواج الفتيات السوريات القاصرات، حقق أكبر نسبة في ظل الثورة السورية مقارنة بالأعوام التي سبقتها وذلك نتيجة الوضع الأمني غير المستقر في مختلف المناطق السورية، وكذلك تدهوّر الأوضاع الاقتصادية بالإضافة إلى عدم تمكين الفتيات من إكمال دراستهن نتيجة الاشتباكات العسكرية بين مختلف القوى المتصارعة في سوريا، ناهيك عن الهجرة المتزايدة للشباب نحو أوروبا، الأمر الذي يدفع بمعظم الفتيات السوريات بالقبول بمثل هذه العروض من الزواج خشيةً من شبح العنوسة في ظل غيابٍ شبه تام للمنظمات الدولية والحكومية المعنية بهذا الأمر في سوريا ودول الجوار السوري».
جوان سوز القدس العربي |