العد التنازلي بمنطق الربح و الخسارة / الولي ولد سيدي هيبه
الاثنين, 25 نوفمبر 2013 21:50

هل في السياسة كما في التجارة يعتمد تحقيق الربح في المناورات التي تقتضيها دينامكيتها على التوقعات والمضاربات على الأصوات علما بأن المبدأ العام لتحقيق الربح يعتمد على شراء منتج أو أداة ما مدرة بجهد

متواضع وجني ثمارها عند ارتفاع منسوبها أو العكس بحيث أن الفارق بين السعرين هو الربح المتحقق للسياسي كمستثمر، وأحياناً قد تسير الظروف عكس التوقعات وبالتالي فإن النتيجة تقع بخسارة.

قد يقال إنه لا مجال لمقارنة السياسة بالتجارة لأنهما مختلفتان عن بعضهما و بعيدتان، و لكن الحقيقة عير ذلك لأن التجارة بمفهوم البيع و الاقتناء حاضرة في كل أمور الحياة المتغيرة و لا يفلت من منطقها أي أمر و الآخرة كذلك حيث ينجح المفلحون الذين يبيعون دنياهم لربح آخرتهم و العكس صحيح بالنسبة للذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا فيخسرون آخرتهم معتقدين أنهم ربحوا مقابل ذلك دنياهم ألا إنهم المفلسون.

 

و للتجارة في سرمدية وجودها وجهان متناقضان يبرر أحدهما الآخر و يجد تجسيده على أرض الواقع في علة الضآلة و عبئ الضخامة. فكلما اضمحلت و تقزمت خبثت و أصبح سمها نقيعا و كلما كبرت و اتسعت و زادت وطأة ثقلها و انتشاره  كالوباء… وضعيتان أحلاهما مر و تتقاسمان بوقاحة الواقع المؤسف مؤشر الربح و الخسارة.

في كل البلدان المتخلفة ما زالت السياسة تدار بمنطق التجارة و عقلية الربح و الخسارة فتنفذ بذلك سمومها في عقول يحاصرها الجهل و التهميش أو تطحن بثقلها طموحات الشعوب التي تعجز عن التعبير عنها رغم وضوحها و افتقارها إلى تحقيقها. و لنا في بلادنا دون سائر البلدان من مثلها في هذا المنحى عبرة و وجه دراسة و تأمل لا بد من الوقوف عندهما.

و إن أول درس من هذه الدروس التي تمخضت عنها و تكشفت الأحوال تمثل في غياب الوعي السياسي الذي غطته طويلا مظاهر براقة و حراك “كرنفالي” أخاذ ارتدى فيه أصحاب الفرق و الأجواق كل الأثواب و رقصوا على كل الأنغام و اهتزوا على مختلف الإيقاعات و انتشوا بأنخاب السراب حتى خروا مغشيا عليهم و صدقوا أنهم على شيء و ما هم عليه.

و أما الدرس الثاني فهو أننا ما زلنا نغط في سبات عميق، يقظتنا في أحلامنا و ممارساتنا في صلب ماضينا.

و لما أن غابت، لضعفها و خور عزائم أهلها، الأحزاب السياسية التي كانت تحسب على النضج و العمق و مسايرة البعد الحداثي للدولة في فهم متطلبات هذا الوعي و الأخذ بقدرته على التغيير و البناء.

فقد خلت الساحة كلها لرجعية الماضي بكل أوجهها و إقطاعيته بكل جاهليتها و سذاجتها و لحظيتها فترى كل من هب و دب يحيي حزبا خرافيا، كان قابعا في سفسطيته و ضعف الأطر القانونية و التنظيمية التي رخصته أصلا، من داخل محفظة بالية أو درج منسي ليترشح باسمه للبلديات و للنيابيات أشخاص في عناد لـ”أناهم” المتضخمة و تحد لمن أغاظهم فعزلهم و لم يستطع لجمهم، فيسرج بغضب المجروح في كبريائه خيول القبلية و العشائرية و الجهوية و يطلقها على مضمار المال في سباق يبعثر أوراق الوطن و يحجب بغبار النقع الرؤية القاتمة عن الواقع المغالط و المستقبل المرتهن.

ارتكاس سياسي ما بعده ارتكاس و انتكاسة لديمقراطية على أيدي أقوام جدد لعقوا لتوهم أصابع من أبانوا بعجزهم عن أداء الأمانة التي حملوا بتهور على عواتقهم بالرغم من سنهم المتقدمة و مستواهم التعليمي العالي و تجربتهم العملية الطويلة و ممارستهم للسياسة التي غطت عقودا و عقودا… و فقط لما لم يصلوا إلى الحكم مبتغاهم دون سواه كما اشتهوا و تمنوا و اعتقدوا أنهم واصلون إليه.

بعد ما زاد على الأسبوعين من انطلاق الحملة السياسية المحضرة للانتخابات البلدية و النيابية، ها هي ذي القوى السياسية المشاركة لكسب الرهان تجني بتفاوت مقادير أحجامها و عمق خطابها و قوة إمكاناتها، ثمار ما قدمت من عمل سياسي و ميداني و هيأت من أسباب للنجاح في المضمار المكتظ.

و هنا بدأت تظهر على مجريات الاقتراع، من جهة، الانعكاسات الاستثنائية لـ”المقاطعة” التي أعلنت عنها بعض أحزاب المعارضة في المنسقية معلنة عن مرحلة خطيرة من إفلاسها السياسي و تقويض و تقليص حضورها في المرحلة القادمة، و من جهة أخرى المشاركة الكثيفة للأحزاب الكرتونية مدعومة في تنشيطها القدري بأموال التجار و رجعية الماضي حيث تمت ضايقت الأحزاب الكبيرة معارضة و من الأغلبية الرئاسية و قاسمتها اللقمة إن هي لم تنتزعا من أفواهها.

و إن الخارطة السياسية المقبلة ستعكس بجلاء نمطا غير اعتيادي من التفاعل السياسي المطبوع بتغليب المصالح الضيقة نظرا لغياب البعد الايديولوجي  لدى القادمين الجدد و لانعدام نضج الخطاب السياسي و التخطيط الاستراتيجي للدفاع عن هموم المواطن و قضيا البلد ضمانا لمسيرة البناء و لتجذير الديمقراطية، اللهم أن يقع في العقول وعي متنور بالمرحلة و يصطف أصحابه على حداثتهم إلى جانب التغيير بمدلولاته الإيجابية و يرموا إلى الخلف المجاديف المهترئة و الله المستعان.

الفيس بوك


Face FanBox or LikeBox

فيديو

البحث