في الاقتصاد السياسي للفتور تجاه فلسطين |
السبت, 12 يوليو 2014 18:09 |
الهمجية الإسرائيلية لم تتوّقف لحظة واحدة. وفكرة أن الإسرائيليين سيصبحون أكثر إنسانية مع تقدّم الأوقات هي وعد صهيوني وفجر كاذب. الوعد يقول: دعونا نشنقهم ونشنق أولادهم اليوم وبعد ذلك نعود إلى براءة الحمل. وهذه هي نفس فكرة إخوة يوسف: "وتكونوا من بعده قوماً صالحين". خرافة. الصهيوني سيموت قابضاً على ماسورة بندقية الإبادة.
ولكن هاكم السؤال: لماذا خفّ التعاطف العربي هذه المرة؟ أولاً يجب تأكيد خفوت التضامن بالقول أن ما كلّ تظاهرة عربية مؤيدة لفلسطين هي أمرٌ موضوعي. غالباً، أو على الأقل أحياناً، تكون بعض هذه التظاهرات شأناً تعبوياً في السياسة الداخلية أو استثماراً محلياً لتكميم التعاطف مع فلسطين وتأسيس رأس مال سياسي محلي به.
ولكن خفوت التضامن العربي جاء من بنى فوقية وشعبية عدة:
1- السياسة الكبيرة ضربت بالقضية الفلسطينية عرض الحائط. صراعات الإسلاميين وخصومهم، التي زادت بعد الربيع العربي، جعلت التضامن المُشترك في القضية الفلسطينية يتحوّل إلى مشادات ومزايدات. صراعات السيسي مع الإسلاميين، وهو يقود أكبر بلد عربي، جعلته يرفع يده عن القضية، وجعلت الإسلاميين بغزة يخرجونه ما يليهم من العملية. وأدوار مبارك ومرسي، على توّرطها في تكريس الهزيمة والكامب-ديفيدية، كانت تحمل على الأقل "مسؤولية" اختفت مع السيسي.
2-ضغط مسؤولية الحكم على الإسلاميين الحاكمين خفّف من حماسهم. زاد التبادل الإسرائيلي-المغربي في ظل حكم الإسلاميين. المشروع القطري هو مشروع إعمار واستثمار،وليس مشروع مقاومة. وحتى الشيخ تميم لا يقول عن نفسه أنه مقاوم. وخفت فتاوي الجهاد التي ترعاها المؤسسة الفقهية الإخوانية القريبة من الحكم أو الحاكمة في تونس والمغرب وقطر (لا يكفي القول أن الفتاوي توجد في الأرشيف. أولاً هي لا توجد في الأرشيف. ثانياً، هي لا تقفز من الكتب الصفراء إلى الواقع إلاّ بأثر إعلامي ودعائي).
3- احتفاء ضحايا الغوبلزية بأثر الصواريخ الغزاوية، وبأنها عامل ردع وانتصار عسكرين جعلهم يعتقدون أن المسار مسار نصر، وليس سيناريو طاغوت عسكري يبطش بقرى ومدائن لا حول لها ولا قوة. وبدوره نقص هذا من التضامن مع "الضعيف". ما ترك البلبل الصادح ببشارات النصر والتمكين شيئاً للنصرة والتكافت.
4-تغيّرت اللغة الإعلامية فجأة. فكما بيّنت مؤخراً سارة شريف، المختصة في الشؤون الإسرائيلية، فإن قناة الجزيرة غيرت من قاموسها في القضية الفلسطينية فأصبحت مصطلحات "جيش الدفاع الإسرائيلي" و"المستوطنات" و"الجماعات الجهادية" تأتي محل المصطلحات الأولى: "جيش الاحتلال" و"المستعمرات" و"المقاومة".
4-يتم الحديث عن ظواهر لا أعتقد أنها ذات قيمة: تواصل العرب مع أفيخاي أدرعي وتوفير القنوات الإسرائيلية لبث كأس العالم في مصر وفي "خط المواجهة" القديم عموماً. هذه لا تبدو لي ظواهر ذات أثر سوسيولوجي مهم. ولكن يجب استكناه كيف يصنع الإعلام الضجر ويصَرّفُ الطّاقات ويُطّبع الوجود الصهيوني ويُعضّده.
أقول: لا بدّ من طُرق جديدة غير استغلالية أو استلابية لعيش القضية. ----------------- من صفحة الأستاذ عباس ابرهام على الفيس بوك |