شددت الرحال من نيويورك متوجهاً إلي عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية واشينطن، بعد ما أخبرتني القنصلية الموريتانية في نيويورك أنها غير مسؤولة عن توفير خدمة الإحصاء الإداري لأفراد الجالية الموريتانية في نيويورك، و أن السبيال الوحيد إلى الحصول على الأوراق الثبوتية

 هو زيارة مقر السفارة الموريتانية في واشنطن، حينها عقدت العزم و حملت زادي و تأبط شراً،و أعددت عدتي و سلاحي كإعلامي بلا أوراق ثبوتية و بلا إحصاء.

كنت قد شحنت ضد موظفي السفارة و الفرقة المشرفة على الإحصاء بعد حصولي على معلومات تفيد بأن العاملين في السفارة يسيؤون معاملة أبناء الجالية، و أن كل الخدمات مدفوعة الثمن من خلال الرشاوى التي يطلبها الموظفون مقال تقديم أي خدمة أو توقيع اي وثيقة، أعددت نفسي و نطلقت متجهاً شطر السفارة الموريتانية،

كانت خطتي أن أسجل بالصوت و الصورة كل تلك الممارسات لكي أنشرها للرأي العالم الموريتاني. كانت هذه المرة الأولي التي أطَر فيها إلى زيارة السفارة الموريتانية لما أعرفه عن سوء أخلاق معظم من توكل إليهم الدولة الموريتانية تولي حل مشاكل رعاياها في الخارج، و لأني لدي تجربة مرة و قاسية مع السفارة الموريتانية في الجزائر أيام كنت طالباً في الجامعة، عندما إحتال الرجال المحترمون "الملحق الثقافي في السفارة بالتعاون مع المحاسب" على حقي و منعوني من الحصول على تأشرة العودة الموريتانيا الممنوحة لي في 2008،

دخلت السفارة الموريتانية في واشنطن ضحاً، صحبة صديقي و إبن خالتي Mohamed Vall، صعدنا مع السلم المقابل لباب المدخل مباشرة لنجد أنفسنا و جها لوجه مع قرابة الخمسة موطفين شبان، سلمنا عليهم فردوا السلامة و زادوا السلام بحفاوة الترحيب، سكت برهة، أراجع نفسي بشكل سريع لعلي أخطأت المكان أو لعل الماثلون أمامي مجرد زوار مثلي من أبناء الجالية في الولايات المتحدة، بعدها ستطردت سائلاً، أين مكتب الإحصاء؟ قالوا لي بالحرب الواحد أنت في المكان الصحيح، أنت في مكتب الإحصاء، تفضل!

الغريب العجيب النادر في إدارات الوطن هو أن تقابل الموطفين في حالة من الطيبة و العفوية تجعلك تندمج معهم مباشرة و دون إحراج لدماثة أخلاقهم و حسن إستقبالهم،

بدأت الإجراءات سلسة و دقيقة، من خلال تحققهم من معلومات إحصاء الأب و الأم ثم ورقة الإحصاء القديم لي، و في دقائق معدودة أصبحت موريتانيا مكتمل الأوراق الثبوتية lol…..!!! يال العجب! هذا ملا يمكن تحقيقه في موريتانيا إلا بالمعجزات و بالتحديد في الفترة التي هاجرت فيها منبوذاً منذ الأزيد على ثلاث سنوات… نعم بل من المستحيل تحقيقه إلا بالمشادات الكلامية و الشتائم و في الأخير تدفع رشاوى مقابل أبسط خذمة بالإضافة إلى أنك ستدفع ثمنها من ميزاجك لما ستلقاه من سوء المعاملة من موظفين و جوههم مكفهرة تعسة…

أعود إلي السفارة في واشنطن، سألت الموظف الشاب قائلاً: هل إنتهت الإجراءات؟ قال مبتسماً، نعم أكيد إنتهت، أم أنك تريد أن تقدم لجواز السفر الجديد؟ قلت مبادراً نعم.. نعم أريد جواز السفر الجديد،

قال: هذا بسيط أيضاً، ما عليك إلا أن تدفع 116 دولاراً إلي محاسب السفارة في المكتب الموجود بالطابق الثاني ثم تعود لتقابل الموظف في الغربة الموالية لتبصم و نأخد لك صورة فتوغرافية. فعلت ما قال الموظف الخلوق ملتزماً بالخطوات، و بعد إنهاء كل الإجراءات و إحتساء كاسات شاي أخصر أعد بإتقان، قالم الموظف بإعطائي قصاصة ورقية تفيد بأني أنهيت كل الإجراءات، و أنا الآن في إنتظار أن أستلم جواز سفري و بطاقتي التعريفية.

سألت الموظف متى سأستطيع تسلم الوثائق؟ قال: لا أدري بالضبط، لكن في العادة تتراوح المدة الزمنية بين الشهر و تارة تزيد على الشهر. ثم أردف قائلاً و على العموم لدينا رقم هاتفك و سنتصل بك عند قدوم الأوراق من البلاد.

لم أصدق أن كل تلك الأوراق و الإجراءات تمت بهذه البساطة و السلاسة و السهولة، لقد كنت بين مصدق و مكذب و متسائل هل أصبح هذا هو حال كل الإدارات في موريتانيا أم أنه إستثناء من القاعدة؟ لا يهم !!

و دعوني و بنفس الحفاوة التي إستقبلوني بها سابقاً، و ودعتهم بدوري مندهشاً لم أفق بعد من هول الصدمة، و كأني أدور في حوض من التساؤلات و الإنطباعات النفسية التي لم أستشعرها إتجاه موطف حكومي منذ أن قابلت أول موظف حكومي و أنا في السنة الأولي إبتدائية و التأكيد كان معلما مرتشي و إقصائي و يميز بين التلاميذ الأطفال حسب أعراقهم و قبائلهم و معرفته الشخصية بعائلاتهم…

أعود لأقول أني حين و دعتهم ودعت فيهم أماني أن يكون هذا هو آخر إحصاء و أن يكون هذا هو حال كل موطفي بلادي. تحياتي

====================

من صفحة الأستاذ سيد احمد ولد اطفيل على الفيس بوك