قصة حياة مجاهد وعلامة موريتانى اتهم من طرف مناوئيه ب"النبي المزيف"؟
الثلاثاء, 13 يناير 2015 17:37

altمن الأرشيف- 28 نوفمبر

عرف ممدو لمين ادرام في وسطه بإسم أسرته مالمين دمبا ديباسي والمنحدر من الأسرة المتدينة درام فاديكا. ويبقى تاريخ ميلاده غير محدد ولكن يعتقد أنه ولد في الفترة مابين 1830 و 1840 في قرية كنديورو في منطقة خاي (مالي حاليا).

يمكن لأي شخص أن يتساءل هل فعلا هذا الرجل يمكن اعتباره مقاوما "موريتانيا". تعتبر الإجابة على هذا السؤال بسيطة لأن ساكنة المنطقة في تلك الحقبة الزمنية كانت تجهل الحدود الحالية، بل كانت تشكل كتلة واحدة من جميع الشعوب المحاذية لضفة النهر، التي كانت تتعايش في جو من الوئام والاحترام المتبادل، رغم بعض الخلافات التي تظهر من حين إلى آخر.

لقد تشكل مهد ممدو لمين درامى- وفقا لمتابعات 28 نوفمبر ضمن وثائق الجيش الوطنى-  في ملتقى المجاري النهرية التي تأسست عليها ثلاث دول مستقلة مستقبلا هي مالي موريتانيا والسنغال. وعلى هذا الأساس فإنه يعتبر أكثر من بطل ولا يحق لأي دولة الاستئثار به. تجاوزت شهرة وسمعة الرجل الحدود أي مكان ميلاده في مالي ومحل تبنيه في السنغال وكيدي ماغا التي يقيم فيها ابنه صهيب الذي يتمتع بشهرة أبيه، واستطاع استقطاب الكثير من الأوفياء لقضية ممدو لمين. بغية تجسيد هذا الانتماء الثلاثي فإن تواجد أسر درامى في مناطق سيليبابي، خاي، باكي ليعتبر أكبر دليل. 

 

الاكتشاف  :

  استكمال المجاهد محمد الأمين درامى دراساته القرآنية تحت الإشراف المباشر لأبيه بوصفه رجل دين وعلم، كما أنه قصد أيضا بعض أصحاب المعرفة والعلم داخل بلده، مما مكنه من بناء شخصيته وكان معجبا بالحاج عمر تال عند مروره بين خاي والمدينة سنة   1855  وكان عمره آنذاك خمسة عشر عاما.

 

ذهب إلى المدينة المنورة في حدود 1871 ولن يعود منها إلا بعد سنين طويلة من الهجرة، سمحت له بتعميق معارفه الدينية.

 وفي طريق العودة أقام في تركيا ثم مصر بحثا عن المعرفة والعلم.

عند عودته من الهجرة سنة 1878 كان الرجل يتمتع بجميع القيم والأخلاق والمعارف الدنية التي جعلت منه أكبر عالم في المنطقة.

 

مواهب وكرامات

 

قد يبدو من الهزل سرد بعض الحكايات التي سنتعرض لها لاحقا، ولكن في مجتمعنا من المقبول أن رجال الدين وصلوا إلي درجة من العلم والمعرفة يتمتعون بامتيازات غير عادية وهكذا يقال أن خلال عودته من المدينة المنورة وعلي مقربة من تمبكتو أرسل له الملك جنوده للقبض عليه وعند مشاهدته للجنود توجه إلي القبلة بحيوية هوو من معه .

ولقد طلب من الله الانتصار وتوجه نحو تشكلة العدو التي سمحت له بالمرور وبالتالي دخول تمبكتو وبعدها توجه إلى حمد الله، حيث تم استقباله بحفاوة من طرف التجاني ابن أخ الحاج المختار والذي أهداه إحدى الجواري ليتزوج بها.

 

في سيكو كان الاستقبال أقل حرارة من طرف احمادو شيخ الزاوية الغربية خليفة للحاج عمر تال والذي نزع منه زوجته (المهداة من ابن عمه في "حمد الله" ) وليعلن أنه دجال وأعطى الأوامر لحراسه بتوقيف وإعدام ممدو لمين درام ولكن رجال السلطان لم يكتفوا برفض الأوامر بل وقفوا على حيرة أمام الرجل وهكذا قرر الشيخ عزله في قبو في القرية القديمة التي تبعد كيلومترات عن سيكو والتي تحولت إلى قرية السلام.

  من السلام كان يرتاد بصورة منتظمة الصلاة في مسجد الملك مما سمح له بالحصول علي الكثير من المناصرين.

 

لقد كان الشيخ أحمادو غيورا وأرسل بعض الجنود لإشعال "السلام" ليلا وقتل ممدو لمين درامى وحسب الرواية فإن الجنود تم استقبالهم من قبل ثمانية أسماك كبيرة مفتوحة الأفواه على مشارف القرية.

وعاد الجنود منهزمين إلى سيكو، وفي المرة الثانية خرج أحمادو على رأس مجموعة ليتوجه إلى القرية ونفس السيناريو يتكرر وفي نهاية مايو 1885 تغيب الشيخ أحمادو من سيكو وسلم السلطة لإبنه ماد هاني الذي توجه إلي السلام لتحرير ممدو لمين رغم رفض أبيه.

 

وعرفانا له بالجميل أجابه ممدو لمين: " كنت أتوقع هذه اللحظة مند فترة طويلة "، داعيا له الله بالبركة. 

 

 في سنة 1878 أقام فترات متفاوتة المدة في تركيا ومصر، وفي طريق العودة قصد تنويع مصادره المعرفية.

إن شهرة الرجل لم تمنعه من منازعة بعض مناوئيه الذين اتهموه بكونه "نبيا مزيفا"، حيث تعرض لمكايدة من بعض معاصريه، أدت به إلى السجن وقد تمكن من الخرج من هذا المأزق.

بعد هذه الحادثة اتجه صاحبنا إلى مسقط رأسه كوديورو. بعد وصوله استقبل بحفاوة من طرف ملك تلك البلدة، حيث ذاع صيته في البلدات المجاورة

 

 فور علمهم بقدوم مدرس العلوم الشرعية إلى تلك الناحية، استدعاه الرائد الفرنسي أفرى في خاي للتأكد من نواياه السلمية، عبر ممدو لمين للقائد الفرنسي عن نيته التوجه نحو باكل  في زيارة مجاملة، ولم يحصل على ترخيص من الإدارة (المحتل) إلا بعد أن أكد أن تلاميذه المرافقين له غير مسلحين.

إثر حصوله على الترخيص الفرنسي المطلوب غادر مسقط رأسه في دجمبر 1885 باتجاه باكل.

وفي كل محطات الطريق  كان موضع استقبال حافل وتكريم نظرا لرتبته العلمية والدينية.

بعد وصوله إلى النقطة المقصودة اتصل بقائد القلعة مؤكدا له سلمية نواياه اتجاه الفرنسيين، لقد عرفت هذه الولاية أعمال شغب وقلاقل في السبعينيات (ق 18م) في عهد الرائد زميرمان الذي أمر بضرب الأعيان ورجال الدين، وهدد بإحراق القرى وحسب شهادة الرائد أفري فإن المنطقة لم تعد آمنة للفرنسين.

 ولأن جراحها مازالت مفتوحة، مستحضرا ما تعرض له إخوته في الدين من سوء معاملة على أيدي الفرنسيين، إرتأى مامادو لامين درامي طلب دعمعسكري من أمير "توبو". إلا أن هذا الأخير كان مرتابا في نوايا ممدو لمين الذي غادر باكل قاصدا "سينا هاو" ملك كوي الأسفل في توبو، حيث طلب منه أن يمده بجيش، إلا أن هذا الأخير غادر باتجاه باكل حيث حذر الفرنسيين من الدعاية الخطيرة لضيفه. لكن الفرنسيين أكدوا لمخبرهم أن ممدو لمين لا يستطيع لا مهاجمتهم ولا مهاجمة المماليك الإسلامية  المحيطة والمجاورة ( كيوماغاـ كجاغاـ يوندورـ فوتاـ   جافوتو إلخ).

بعد تردد ورفض أولي، استقر رأي الأمير على الاستجابة لطلب مدرس العلوم الشرعية. وهكذا استطاع حشد جيش قوامه 2000 مقاتل في بداية شهر يناير 1886. وكان مركز القيادة في جا وارا حسب أ.باتيلي بعد معارك  بوندو وكو غاني قرر تحويل بعض عناصر قواته في كوي الأسفل بين منائل وجوارا في جدنبر 1885، دعا إلى "الجهاد" سكان كدماغا وغاجاكا وفوتا. وقد استجاب لدعوته جمع غفير من المناطق سالفة الذكر.

 بعد الهجوم على بوندو وفي بالو استقبل ممدو لمين الرائد لفرنه وبعض النافذين من باكل الذين نصحوه بعدم الذهاب إلى كاصون لمحاربة الكفار. رغم رفضه لرأيهم فإنه تحير من موقف الفرنسيين وأمير بوندو حياله حيث لم تكن له نوايا سيئة اتجاههم.

لقد طلب ممدو لمين من أمير بوندو الجديدإذنا بعبور أراضيه، إلا أن هذا الأخير اعتذر معللا ذلك بوجود اتفاقيات تحالف مبرمة مع الفرنسيين تقضي بمنع عبور أي قوات لمنطقته دون موافقة حلفائه (الفرنسيين)، فرد عليه صاحبنا خذ سبيلك واتركني اسلك سبيل الله.

إلا أن رد الأمير النهائي كان الرفض. لم يعبأ ممدو لمين بهذا الموقف حيث بدأ الهجوم محققا الانتصارات تلو الأخرى على ممالك الكفر أو تلك المتحالفة مع المحتل، لم يكن أمام الأسياد والأعيان المنهزمين سوى طلب حماية الفرنسيين بعد تدمير قراهم وحرقها وإخضاع رعيتهم.

لقد أحس المحتل بالمرارة والإهانة بعد تعرض حلفائه للهزيمة.

في كوندورو مسقط رأس صاحبنا حوصر منزله وهوجم من طرف السرية الثانية من الرماة بقيادة النقيب فرات اعتقل 34 شخصا وحولو إلى خاي في 13 مارس 1886م.

 

المصادر:

28 نوفمبر- الجيش الوطنى

فيديو 28 نوفمبر

البحث