حمل الشعب العراقي، بعربه واكراده واقلياته هذا الشعار في وثبة كانون الثاني سنة 1948 ضد معاهدة بورتسماوث الجائرة والتي ارادت حكومة آتلي البريطانية فرضها على شعبنا المنكوب بها. ولاسقاطها، بنجاح، اجتاحت العراق مظاهرات صاخبة . لقد اختلط دم قادر كريم الكردي بدم جعفر الاجواهري العربي على جسر الشهداء وذهب الشاعر محمد مهدي الجواهري يصرخ :
صفقوا ان سقطت منكم لدى الزحف ضحية
ولفــتـــيان تــحــدوا بـالحـجـار الــبـندقــيــة
ومشى يسخر بالمـــوت صــبي وصــبــيـــة
وتعــالــت تخـــرق الجــو هتــافات الحمــية
صفقوا للشعـب اذ يطـفئ نــار الطـائفيـــــة
لا ولا تشـــكو فــهذا اليـوم عيـد الوطــنية
وانشد الطاب الجامعي بدر شاكر السياب:
لا صبر للشعب بعد اليوم فاستبقوا نحو التحرر من مستعمر ضاري
كان المحامي المسيحي كامل القزنجي والمحامي الديمقراطي حسين جميل وعضو حزب الاستقلال فائق السامرائي يقودون المظاهرات في بغداد. وفي السليمانية استلم المحامي ابراهيم احمد ،احد مؤسسي الحزب الديمقراطي الكردي، والطالب اكرم عبدالقادر قيادة هذه المظاهرات. في اربيل اشتهر صالح الحيدري وحميد عثمان بالبطولات وهكذا.
ولأول مرة برز اسم جلال الطالباني كأحد المنظمين لطلبة كلية الحقوق بينما انيط لقب (( عمر دبابة)) لرفيقه الحزبي لقدرته على مهاجمة الشرطة بقوة. لقد انتصر الشعب وتم الغاء المعاهدة بفضل وحدة الشعب العراقي بقومياته واديانه وطوائفه.
وفي 1957 تشكلت جبهة الاتحاد الوطني من مختلف الاحزاب العراقية السرية وكنتيجة نجحت ثورة 14 تموز المجيدة. مرة ثانية برز اسم جلال الطالباني لكونه سافر الى موسكو ليرافق اللاجئ (( الملا)) مصطفى البارزاني ليعود معه الى وطنه العراق. وصل الاكراد اللاجئون من موسكو وتم استقبالهم بمظاهرات ترحيبية مليونية صاخبة . لقد اسكن الزعيم عبد الكريم قاسم لمصطفى البارزاني في بيت نوري السعيد، في المنطقة الخضراء ، مع راتب وزير، مثل الوزراء التسعة الآخرين.
و (( على صخرة الاتحاد الكردي العربي )) تحرر العراق من حلف بغداد وتم طرد الجيش البريطاني من قاعدتي الحبانية والشعيبة، بل حققت الثورة قانون رقم 80 للنفط وخرج العراق من عضوية الكتلة الاسترلينية وتم الغاء قانون الاحوال العشائرية وصدر قانون الاحوال الشخصية الذي حرر المرأة من التقاليد الموروثة البالية وصدرقانون الاصلاح الزراعي لتوزيع قسم من اراضي الاقطاعيين على الفلاحين المعدمين. وصدر الدستور الموقت ينص على أن (( العرب والاكراد شركاء في هذا البلد. )) وتمت الاشارة الى الوحدة العربية الكردية في العلم العراقي الجديد وفي الشعار العراقي المطبوع على كافة العملة العراقية المعدنية منها والورقية. ومع اعلان قانون الاحزاب كان الحزب الديمقراطي الكردي في مقدمة المجازين. فانشد العراقيون:
عبدالكريم انت الزعيم عاشت بك الامجاد
لا عـاد ملك يحــكم ولا طـاغي ولا جلاد
سومر و بـابـل هلـهـلت و تحررت بـغداد
وتوحدت بارض الحمى ويه العرب اكراد
الا ان المستعمرين وشاه ايران سرعان ما تدخلوا لاسقاط الثورة عن طريق استخدام قانون الاصلاح الزراعي لتحطيم صخرة الاتحاد العربي الكردي . وبهذا الخصوص يقول جلال الطالباني في مجلة الوسط اللندنية، العدد 357 في 20/11/1998 بأن امريكا اتفقت مع شاه ايران لتحريك الاقطاعيين الاكراد، بقيادة الجنرال ورهام الايراني، ضد عبد الكريم قاسم فاتصل هؤلاء بالحزب، الذي كان حليفا ً لقاسم حينذاك، لخيانته ورفع السلاح ضده. ويضيف الطالباني: (( بعد دراسة الموقف في حزبنا تولد اتجاهان: الأول على رأسه ملا ( مصطفى) وكنت أنا اقوده … وقد رأى هذا الاتجاه ان هذه الحركة تستغل المشاعر القومية الكردية واخافة عبدالكريم وما علينا سوى العمل ضمنها … والسيطرة على قيادتها… وبالتالي نحن نتولى العمل المسلح الحقيقي ضد عبدالكريم قاسم.))
الواضح في هذا التصريح بأن الحزب استخدم الشعارات القومية الرنانة ، لا لتحريرالاكراد، كلا ، بل لمحاربة عبد الكريم قاسم بالسلاح. الا ان هذا السلاح لم يكن سلاحا ً كرديا ً ، ابدا ً، بل كان ملكا ً لشاه ايران، رفعه الحزب لخيانة حليف الشعب الكردي عبد الكريم بغية اسقاطه وشق الوحدة العراقية. ثم ان الذين استخدموا هذا السلاح لم يكونوا بيشمرغة بل مرتزقة ينالون رواتبهم من خزينة رضا البهلوي. أليس كذلك؟ ليتفضل المتكلم الرسمي لمسعود البارزاني ليناقض هذه الحقيقة. وليتفضل ليكذّب حقيقة بيشمرغته الحالية : انهم ، وحتى الآن، ليسوا سوى مرتزقة له ولامريكا واسرائيل. والسلاح الذي يحملونه بل دباباتهم ومدافعهم ملك امريكي جملة وتفصيلاً. وهنا يعود الفضل الكبير لابو بكر البغدادي ودواعشه الذين عملوا مع مسعود برهة ً لاحتلال الموصل في 10/6/2014 . ثم قامت امريكا بتجهيزمسعود، دون الطالباني، بالسلاح بحجة محاربة الارهاب… حتى بهذا الخصوص كتب مايكل روبين، الموظف السابق في البنتاغون والخبير في شؤون الشرق الاوسط تحت عنوان:
Why Have the Kurds supplied ISIS With Weapons
في مجلة نيوزويك الامريكية في 2017/4/26 يقول:
((قبل سيطرة داعش على الموصل باسابيع قامت حكومة اقليم كردستان بتجهيز داعش باسلحة مثل صواريخ كورنيت ضد الدبابات لغرض اضعاف الحكومة المركزية….))
ويقول ايضاً: ((مؤخرا ً باع قادة القوات الكردية اسلحة مهداة من المانيا لمنفعتهم الذاتية. وفي حين تدعي حكومة اقليم كردستان بانها لا تملك المال لدفع الرواتب، تمكن قادتها البارزون من ايجاد الملايين لشراء القصور الضخمة.)) المقصود هنا قيام مسرور بارزاني، ابن مسعود، بالشراء في لندن. في لندن.
ثم في 8/8/ 2017 ، تحت عنوان (( هل تقف السي آي أي وراء بارزاني))
سألت نيوزويك الامريكية : (( ماذا تغيّر الآن؟ هناك عاملان. الأول، عامل الحرب ضد تنظيم داعش. فبينما كان مسرور بارزاني حليفاً اساسياً في المعركة ضد تنظيم داعش، إلا انه كان قبل استيلاء التنظيم الارهابي على الموصل، متورطا هو وحكومة الاقليم بتسريب معدات عسكرية حساسة الى مسلحي داعش. وعلى الرغم من ذلك، كان ازدراء الصحفيين والاكاديميين العاملين في حكومة اقليم كردستان او بمكاتب اعلامية حزبية ومنها الديمقراطي الكردستاني، يعدّون اعترافاً بأن السياسيين الاكراد السابقين شكوا الى جانب مسؤولين حكوميين عراقيين، الى نظرائهم الامريكيين من تسريب اسلحة لتنظيم داعش قبل الاستيلاء على الموصل. ))
وفي تصريح في جريدة الصباح البغدادية في 21/6/2014 اكد عادل مراد، قائد المجلس المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني على (( ان ما يجري في العراق حالياً هو جزء من المساعي الامريكية لتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الاوسط …وجماعة داعش ما هي الا اداة بيد دول الاقليم لتقسيم العراق.))
وحتى قبل القضاء على داعش بصورة كلية خرج مسعود البارزاني فجأة ً ليقوم بهذا التقسيم عن طريق استفتاء سكان الاقليم للانفصال. والمعروف: ليست لمسعود اية صفة قانونية تخوله القيام بمثل هذا الاستفتاء، ذلك لأن مدته كرئيس الاقليم انتهى في 19/8/2016 بقرار من برلمان اربيل. علماً بأن منصب رئيس الاقليم لا ذكر له في الدستور العراقي. بل انه منصب مفبرك من قبل مسعود نفسه.
برهنت الاحداث منذ احتلال العراق في 2003 وحتى الآن فشل الانفصال بل فشل الفدرالية نفسها. وتعزز ذلك مع فشل الاستفتاء. فتحت عنوان:
Kurds abandon territory in the face of Iraq government advance
نشرت وكالة رويترز من كركوك في 17/10/2017:
((ان السيطرة على كركوك و نفطها قد جعلت مسألة انفصال الاكراد واعلان الاستقلال مشكلة، ذلك لأنهم سيصبحون اكثر فقراً من بقائهم ضمن العراق مع حصولهم على جزء من الدخل الوطني الاجمالي. ))
لقد الحت حكومة بغداد على افشال الانفصال باستخدام القوة بسرعة لطرد حكومة اربيل من كل المناطق المتنازع عليها. وبالاعتماد على اكراد حلبجة والسليمانية وكركوك نجحت بغداد في محاصرة مسعود من كل الجهات. وبالاعتماد على الدستور الذي شارك مسعود في كتابته سيطرت بغداد على كافة آبار النفط والغت دفعه 17% من الميزانية وقررت دفع رواتب الموظفين في المحافظات الكردية اسوة ببقية العراق.
الا ان الصراع لم ينتهي ذلك لأن العراق اصبح ، بفضل مسعود وداعش، مستعمرة امريكية من جديد. وصرح ماتيس، وزير الدفاع الامريكي وهو في بغداد بأن (( الجيش الامريكي سوف لا يترك العراق)) بعد القضاء على داعش.
هنا تأتي الضرورة الملحة لرفع شعار (( على صخرة الاتحاد الكردي العربي يتحطم الاستعمار واذنابه )) من جديد. الآن هناك الضرورة الماسة لتوحيد كل العراقيين، نعم كل العرقيين، بالرغم من قانون (( اجتثاث البعث)) بغية (( اطفاء نار الطائفية)) كما نصح الجواهري وللاستباق نحو التحرر من المستعمر واذنابه. وهذا امر ممكن لأن الحكومة الامريكية مصابة بازمة سياسية عويصة بعد ان تم انتخاب الرئيس المعتوه ترامب. انه امر ممكن لأن الشعب الموحد سبق ونجح في قهر المستعمرين في وثبة الكانون الثاني ونجح في ثورة 14 تموز 1958 والاهم انه نجح بوحدته في طرد المحتلين الامريكان سنة 2011 و اذا الشعب يوما ً اراد الاحياة فلابد ان يستجيب القدر.
كاتب عراقي